الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (26) : الآيات 168 الى 169]
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (168) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (169)
قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ أي المبغضين غاية البغض. أي فأنا أرغب في الخروج عن دياركم، والراحة من مجاورتكم، لبغضي لعملكم، الآيل بكم إلى الدمار وخراب الديار. ولذا أتبعه بقوله رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ أي من شؤمه وغائلته.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الشعراء (26) : الآيات 170 الى 172]
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (170) إِلَاّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (171) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (172)
فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً وهي امرأته. كما بينت في آيات فِي الْغابِرِينَ أي مقدّرا كونها من الباقين في العذاب. لأنها كانت راضية بعمل قومها.
لطيفة:
قال الناصر في (الانتصاف) : كثيرا ما ورد في القرآن، خصوصا في هذه السورة، العدول عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة. ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع. كقول فرعون لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 29] ، وقولهم: سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ [الشعراء: 136]، وقولهم: لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ [الشعراء: 116]، وقوله: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ [الشعراء: 168]، وقوله تعالى في غيرها: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ [التوبة: 87]، وكذلك ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ [التوبة: 86] ، وأمثاله كثيرة والسر في ذلك، والله أعلم، أن التعبير بالفعل، إنما يفهم وقوعه خاصة.
وأما التعبير بالصفة، ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع، فإنه يفهم أمرا زائدا على وقوعه. وهو أن الصفة المذكورة، كالسمة للموصوف ثابتة العلوق به. كأنها لقب. وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات الرديئة.
واعتبر ذلك لو قلت (رضوا بأن يتخلفوا) لما كان في ذلك مزيد على الإخبار بوقوع التخلف منهم لا غير. وانظر إلى المساق وهو قوله: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ كيف ألحقهم لقبا رديئا، وصيرهم من نوع رذل مشهور بسمة التخلف، حتى صارت لقبا لا حقا به. وهذا الجواب عام في جميع ما يرد عليك من أمثال ذلك.
فتأمله واقدره قدره ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ أي أهلكناهم أشد إهلاك وأفظعه.