الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة المؤمنون (23) : الآيات 1 الى 7]
بسم الله الرحمن الرحيم
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ (4)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (5) إِلَاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (7)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ أي دخلوا في الفوز الأعظم الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ أي متذللون مع خوف وسكون للجوارح، لاستيلاء الخشية والهيبة على قلوبهم وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. أي عن الفضول وما لا يعني من الأقوال والأفعال، معرضون في عامة أوقاتهم، لاستغراقهم بالجد وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ أي للتجرد عن رذيلة البخل.
قيل: السورة مكية، والزكاة إنما فرضت بالمدينة؟ وجوابه: إن الذي فرض بالمدينة إنما هو النصب والمقادير الخاصة. وإلا فأصل التفضل بالعفو مشروع في أوائل البعثة، فلا حاجة إلى دعوى إرادة زكاة النفوس من الشرك والعصيان، لعدم التبادر إليه وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ لأنه الحق المأذون فيه فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ أي الكاملون في العدوان المرتكبونه على أنفسهم.
تنبيهات:
الأول- دلت الآية على تعليق فلاح العبد على حفظ فرجه، وأنه لا سبيل له إلى الفلاح بدونه، وتضمنت هذه الآية ثلاثة أمور: من لم يحفظ فرجه لم يكن من المفلحين. وأنه من الملومين. ومن العادين. ففاته الفلاح واستحق اسم العدوان ووقع في اللوم. فمقاساة ألم الشهوة ومعاناتها، أيسر من بعض ذلك. وقد أمر الله تعالى نبيا أن يأمر المؤمنين بغض أبصارهم وحفظ فروجهم. وأن يعلمهم أنه مشاهد
لأعمالهم، مطلع عليها، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ولما كان مبدأ ذلك من قبل البصر، جعل الأمر بغضّه مقدما على حفظ الفرج. فإن الحوادث مبدؤها من النظر. كما أن معظم النار مبدؤها من مستصغر الشرر. ثم تكون نظرة، ثم تكون خطرة، ثم خطوة، ثم خطيئة. ولهذا قيل: من حفظ هذه الأربعة أحرز دينه:
اللحظات، والخطرات، واللفظات، والخطوات. فينبغي للعبد أن يكون بوّاب نفسه على هذه الأبواب الأربعة. ويلازم الرباط على ثغورها. فمنها يدخل عليه العدوّ، فيجوس خلال الديار ويتبروا ما علوا تبيرا.
الثاني- روي عن الإمام أحمد أنه قال: لا أعلم بعد القتل ذنبا أعظم من الزنى.
واحتج
بحديث عبد الله «1» بن مسعود أنه قال: يا رسول الله أيّ الذنب أعظم؟ قال:
أن تجعل لله ندّا وهو خلقك قال قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قال قلت: ثم أيّ؟ قال: أن تزاني حليلة جارك
. والنبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر من كل نوع أعلاه ليطابق جوابه سؤال السائل. فإنه سئل عن أعظم الذنب فأجابه بما تضمن ذكر أعظم أنواعه وما هو أعظم كل نوع، فأعظم أنواع الشرك أن يجعل العبد لله ندّا.
وأعظم أنواع القتل أن يقتل ولده خشية أن يشاركه في طعامه وشرابه. وأعظم أنواع الزنى أن يزني بحليلة جاره. فإن مفسدة الزنى تتضاعف بتضاعف ما انتهكه من الحق. فالزنى بالمرأة التي لها زوج، أعظم إثما وعقوبة من الزنى بالتي لا زوج لها إذا فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه، وتعليق نسب عليه، لم يكن منه، وغير ذلك من أنواع أذاه. فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات الزوج فإذا كان زوجها جارا له، انضاف إلى ذلك سوء الجوار، وأذى جاره بأعلى أنواع الأذى. وذلك من أعظم البوائق.
وقد ثبت عن النبيّ «2» صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأته
. فالزنى بمائة امرأة لا زوج لها أيسر عند الله من الزنى بامرأة الجار. فإن كان الجار أخا له، أو قريبا من أقاربه، انضم إلى ذلك قطيعة الرحم، فيتضاعف الإثم. فإن كان الجار غائبا في طاعة الله، كالصلاة وطلب العلم والجهاد، تضاعف الإثم. فإن اتفق أن تكون المرأة رحما منه، انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها.
(1) أخرجه البخاري في: تفسير القرآن، 2- سورة البقرة، 3- باب قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، حديث 1962.
(2)
أخرجه البخاري في: الأدب، 39- باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه، حديث قم 2326، عن أبي شريح. [.....]