الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القصص (28) : الآيات 83 الى 84]
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (84)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ أي غلبة وتسلطا بسوء وتكبّر وَلا فَساداً أي بظلم وعدوان وصدّ عن سبيل الله تعالى وَالْعاقِبَةُ أي النهاية الحميدة لِلْمُتَّقِينَ أي الذين يتقون ما لا يرضاه تعالى من الأقوال والأفعال.
قال الزمخشري، قدس الله روحه: لم يعلق الموعد بترك العلوّ والفساد. ولكن بترك إرادتهما، وميل القلوب إليهما. كما قال: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود: 113] ، فعلق الوعيد بالركون.
وعن عليّ رضي الله عنه: إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه. فيدخل تحتها.
وعن الفضيل أنه قرأها ثم قال: ذهبت الأماني ها هنا. وعن عمر بن عبد العزيز، أنه كان يرددها حتى قبض. ومن الطّمّاع من يجعل العلوّ لفرعون، والفساد لقارون، متعلقا بقوله: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ [القصص: 4]، وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ [القصص: 77] ، ويقول: من لم يكن مثل فرعون وقارون، فله تلك الدار الآخرة. ولا يتدبر قوله: وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ كما تدبره عليّ والفضيل وعمر رضي الله عنهم. مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ
معناه: فلا يجزون إلا.. إلخ. فوضع فيه الموصول والظاهر، موضع الضمير، لتهجين حالهم بتكرير إسناد السيئة إليهم، ولزيادة تبغيض السيئة إلى قولب السامين. ومعنى قوله: إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي مثله. وهذا من فضله العظيم وكرمه الواسع، أن لا يجزي السيئة إلا بمثلها. ويجزي الحسنة بعشر أمثالها وسبعمائة. وهو معنى قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها كذا في الكشاف.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القصص (28) : الآيات 85 الى 86]
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (85) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (86)
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أوجب عليك تلاوته على الناس، وتبليغه إليهم، وصدعهم به لَرادُّكَ أي بعد الموت إِلى مَعادٍ أي مرجع عظيم. وهو المقام المحمود الذي وعدك أن يبعثك فيه. فتنوينه للتعظيم. ووجهه- كما في (العناية) - أن المعاد صار كالحقيقة في المحشر. لأنه ابتداء العود إلى الحياة، ورده إلى ما كان عليه فجعل معاده عظيما لعظمة مقامه فيه.
وقال ابن كثير: المعاد هو يوم القيامة. يسأله عما استرعاه من أعباء النبوّة. كما قال تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: 6]، وقال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ [المائدة: 109]، وقال وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ [الزمر: 96] وعن ابن عباس روايات: إلى يوم القيامة. إلى الموت. إلى الجنة أخرجت عنه من طرق. كما أسنده ابن كثير.
والذي رواه البخاري والنسائي وابن جرير عن ابن عباس قال: (لرادك) إلى مكة كما أخرجك منها. وعن الضحاك قال: لما خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم من مكة فبلغ الجحفة، اشتاق إلى مكة. فنزلت الآية.
قال ابن كثير: وهذا يقتضي أن هذه الآية مدنية، وإن كان مجموع السورة مكيّا، والله أعلم.
ثم قال: ووجه الجمع بين هذه الأقوال، أن ابن عباس فسر ذلك تارة برجوعه إلى مكة، وهو الفتح، الذي هو عند بن عباس أمارة على اقتراب أجل النبيّ صلى الله عليه وسلم. كما فسر ابن عباس سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) أنه أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه، وكان ذلك بحضرة عمر ابن الخطاب ووافقه عمر على ذلك، وقال: لا أعلم منها غير الذي تعلم. ولهذا فسر بن عباس تارة أخرى قوله تعالى: لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ بالموت.
وتارة بيوم القيامة الذي هو بعد الموت. وتارة بالجنة التي هي جزاؤه على أدائه رسالة الله وإبلاغها إلى الثقلين الجن والإنس. ولأنه أكمل خلق الله على الإطلاق. انتهى.
قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى يعني نفسه الكريمة. أي بما يستحقه من المثوبة وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني المشركين. أي بما يستحقونه من العذاب. والجملة تقرير للوعيد السابق وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ أي ما كنت تظن، قبل