الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى فَجَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لِفِرْيَةٍ، وَجَعَلَتْهُ النَّصَارَى رَبًّا، فَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ جَعَلُوهُ عبد الله. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ مِنَ الْمَقْلُوبِ- وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ- قَالَ: وَتَقْدِيرُهُ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِلْحَقِّ لِمَا «1» اخْتَلَفُوا فِيهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَدَعَاهُ إِلَى هَذَا التَّقْدِيرِ خَوْفُ أَنْ يَحْتَمِلَ اللَّفْظُ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْحَقِّ فَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَعَسَاهُ غَيْرَ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ، نَحَا إِلَى هَذَا الطَّبَرِيُّ فِي حِكَايَتِهِ عَنِ الْفَرَّاءِ، وَادِّعَاءُ الْقَلْبِ عَلَى لَفْظِ كِتَابِ اللَّهِ دُونَ ضَرُورَةٍ تَدْفَعُ إِلَى ذَلِكَ عَجْزٌ وَسُوءُ نَظَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ يَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهِهِ وَوَصْفِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ:" فَهَدَى" يَقْتَضِي أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْحَقَّ، وَتَمَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ:" فِيهِ" وَتَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ:" مِنَ الْحَقِّ" جِنْسُ مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ، قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَقُدِّمَ لَفْظُ الِاخْتِلَافِ عَلَى لَفْظِ الْحَقِّ اهْتِمَامًا، إِذِ الْعِنَايَةُ إِنَّمَا هِيَ بِذِكْرِ الِاخْتِلَافِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ هَذَا عِنْدِي بِقَوِيٍّ. وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ" لِمَا اخْتَلَفُوا عَنْهُ مِنَ الْحَقِّ" أَيْ عَنِ الْإِسْلَامِ. وَ (بِإِذْنِهِ) قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ بِعِلْمِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ، وَالْمَعْنَى بِأَمْرِهِ، وَإِذَا أَذِنْتَ فِي الشَّيْءِ فَقَدْ أَمَرْتَ بِهِ، أَيْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بأن أمرهم بما يجب أن يستعملوه. قوله تعالى: وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ رَدٌّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ الْعَبْدَ يستبد بهداية نفسه.
[سورة البقرة (2): آية 214]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ" حَسِبْتُمْ" مَعْنَاهُ ظَنَنْتُمْ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالشِّدَّةِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَسُوءِ الْعَيْشِ، وَأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ «2» ". وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أحد، نظيرها- في آل عمران-
(1). في ز، ج:" وما اختلفوا فيه" وفى تفسير الطبري:" فيما
…
".
(2)
. آية 10 سورة الأحزاب.
" أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ «1» ". وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: نَزَلَتِ الْآيَةُ تَسْلِيَةً لِلْمُهَاجِرِينَ حِينَ تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَسَرَّ قَوْمٌ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ" أَمْ حَسِبْتُمْ". وَ" أَمْ" هُنَا مُنْقَطِعَةٌ، بِمَعْنَى بَلْ، وَحَكَى بَعْضُ اللغويين أنها قد تجئ بِمَثَابَةِ أَلِفِ الِاسْتِفْهَامِ لِيُبْتَدَأَ بِهَا، وَ" حَسِبْتُمْ" تَطْلُبُ مَفْعُولَيْنِ، فَقَالَ النُّحَاةُ:" أَنْ تَدْخُلُوا" تَسُدُّ مَسَدَّ الْمَفْعُولَيْنِ. وَقِيلَ: الْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ «2» : أَحَسِبْتُمْ دُخُولَكُمُ الْجَنَّةَ وَاقِعًا. وَ" لَمَّا" بِمَعْنَى لَمْ. وَ" مَثَلُ" مَعْنَاهُ شَبَهُ، أَيْ وَلَمْ تُمْتَحَنُوا بِمِثْلِ مَا امْتُحِنَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَتَصْبِرُوا كَمَا صَبَرُوا. وَحَكَى النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ «3» أَنَّ" مَثَلُ" يَكُونُ بِمَعْنَى صِفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: وَلَمَّا يُصِبْكُمْ مِثْلُ الَّذِي أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ مِنَ الْبَلَاءِ. قَالَ وَهْبٌ: وُجِدَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ سَبْعُونَ نَبِيًّا مَوْتَى، كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِمُ الْجُوعَ وَالْقُمَّلَ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ" الم. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ «4» " عَلَى مَا يَأْتِي، فَاسْتَدْعَاهُمْ تَعَالَى إِلَى الصَّبْرِ، وَوَعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّصْرِ فَقَالَ:(أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). وَالزَّلْزَلَةُ: شِدَّةُ التَّحْرِيكِ، تَكُونُ فِي الْأَشْخَاصِ وَفِي الْأَحْوَالِ، يُقَالُ: زَلْزَلَ اللَّهُ الْأَرْضَ زَلْزَلَةً وَزِلْزَالًا- بِالْكَسْرِ- فَتَزَلْزَلَتْ إِذَا تَحَرَّكَتْ وَاضْطَرَبَتْ، فَمَعْنَى" زُلْزِلُوا" خُوِّفُوا وَحُرِّكُوا. وَالزَّلْزَالُ- بِالْفَتْحِ- الِاسْمُ. وَالزَّلَازِلُ: الشَّدَائِدُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَصْلُ الزَّلْزَلَةِ مِنْ زَلَّ الشَّيْءُ عَنْ مَكَانِهِ، فَإِذَا قُلْتُ: زَلْزَلْتُهُ فَمَعْنَاهُ كَرَّرْتُ زَلَلَهُ مِنْ مَكَانِهِ. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ زَلْزَلَ رُبَاعِيٌّ كَدَحْرَجَ. وَقَرَأَ نَافِعٌ" حَتَّى يَقُولُ" بِالرَّفْعِ، وَالْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ فِي" حَتَّى" أَنَّ النَّصْبَ فِيمَا بَعْدَهَا مِنْ جِهَتَيْنِ وَالرَّفْعُ مِنْ جِهَتَيْنِ، تَقُولُ: سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَ الْمَدِينَةَ- بِالنَّصْبِ- عَلَى أَنَّ السَّيْرَ وَالدُّخُولَ جَمِيعًا قَدْ مَضَيَا، أَيْ سِرْتُ إِلَى أَنْ أَدْخُلَهَا، وَهَذِهِ غَايَةٌ، وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالنَّصْبِ. وَالْوَجْهُ الآخر في النصب في غير الآية
(1). آية 142 سورة آل عمران.
(2)
. كذا في الأصول، وفى ابن عطية: تقديره أحسبتم.
(3)
. في بعض نسخ الأصل:" وحكى البصريون". [ ..... ]
(4)
. آية 1، 2، 3 سورة العنكبوت.
سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلَهَا، أَيْ كَيْ أَدْخُلَهَا. وَالْوَجْهَانِ فِي الرَّفْعِ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُهَا، أَيْ سِرْتُ فَأَدْخُلُهَا، وَقَدْ مَضَيَا جَمِيعًا، أَيْ كُنْتُ سِرْتُ فدخلت. ولا تعمل حتى ها هنا بِإِضْمَارِ أَنْ، لِأَنَّ بَعْدَهَا جُمْلَةً، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
فَيَا عَجَبًا حَتَّى كُلَيْبٌ تَسُبُّنِي «1»
قَالَ النَّحَّاسُ: فَعَلَى هَذَا الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ أَبْيَنُ وَأَصَحُّ مَعْنًى، أَيْ وَزُلْزِلُوا حَتَّى الرَّسُولُ يَقُولُ، أَيْ حَتَّى هَذِهِ حَالُهُ، لِأَنَّ الْقَوْلَ إِنَّمَا كَانَ عَنِ الزَّلْزَلَةِ غَيْرَ مُنْقَطِعٍ مِنْهَا، وَالنَّصْبُ عَلَى الْغَايَةِ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى. وَالرَّسُولُ هُنَا شَعْيَا فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ، وَهُوَ الْيَسَعُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا فِي كُلِّ رَسُولٍ بُعِثَ إِلَى أُمَّتِهِ وَأُجْهِدَ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: مَتَى نَصْرُ اللَّهِ؟. وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: يَعْنِي، مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ نُزُولُ الْآيَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ فِي غَيْرِ الْآيَةِ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُهَا، عَلَى أَنْ يَكُونَ السَّيْرُ قَدْ مَضَى وَالدُّخُولُ الْآنَ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ: مَرِضَ حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ، أَيْ هُوَ الْآنَ لَا يُرْجَى، وَمِثْلُهُ سِرْتُ حَتَّى أَدْخُلُهَا لَا أُمْنَعُ. وَبِالرَّفْعِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَالْأَعْرَجُ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَشَيْبَةُ. وَبِالنَّصْبِ قَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَشِبْلٌ وَغَيْرُهُمْ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ" وَزُلْزِلُوا وَيَقُولُ الرَّسُولُ" بِالْوَاوِ بَدَلَ حَتَّى. وَفِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ" وَزُلْزِلُوا ثُمَّ زُلْزِلُوا وَيَقُولُ". وَأَكْثَرُ الْمُتَأَوِّلِينَ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَيْ بَلَغَ الْجَهْدُ بِهِمْ حَتَّى اسْتَبْطَئُوا النَّصْرَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ". وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الرَّسُولِ عَلَى طَلَبِ استعجال النصر لا على شك وارتياب. والرسول اسْمُ جِنْسٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: حَتَّى يَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا مَتَى نَصْرُ اللَّهِ، فَيَقُولُ الرَّسُولُ: أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، فَقُدِّمَ الرَّسُولُ فِي الرُّتْبَةِ لِمَكَانَتِهِ، ثم قدم قول المؤمنين
(1). وتمام البيت:
كأن أباها نهشل أو مجاشع
هجا كليب بن يربوع رهط جرير، وجعلهم من الضعة بحيث لا يسابون مثله لشرفه. ونهشل ومجاشع: رهط الفرزدق، وهما ابنا دارم (عن شرح الشواهد).