الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ فَشُدَّهُنَّ، وَمِنْهُ صُرَّةُ الدَّنَانِيرِ. وَقَرَأَ قَوْمٌ" فَصِرَّهُنَّ" بِكَسْرِ الصَّادِ وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، وَمَعْنَاهُ صَيِّحْهُنَّ، مِنْ قَوْلِكَ: صَرَّ الْبَابُ وَالْقَلَمُ إِذَا صَوَّتَ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هِيَ قِرَاءَةٌ غَرِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمُضَاعَفِ الْمُتَعَدِّي قَلِيلٌ، وَإِنَّمَا بَابُهُ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، كَشَدَّ يَشُدُّ وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ نَمَّ الْحَدِيثَ يَنُمُّهُ وَيَنِمُّهُ، وَهَرَّ الْحَرْبَ يَهُرُّهَا وَيَهِرُّهَا، وَمِنْهُ بَيْتُ الْأَعْشَى:
لَيَعْتَوِرَنَّكَ الْقَوْلُ حَتَّى تَهِرَّهُ «1»
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ قَلِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ عِكْرِمَةَ بِضَمِّ الصَّادِ فَيُحْتَمَلُ فِي الرَّاءِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ [كَمَدَّ وَشَدَّ «2»] وَالْوَجْهُ ضَمُّ الرَّاءِ مِنْ أَجْلِ ضَمَّةِ الْهَاءِ مِنْ بَعْدُ. الْقِرَاءَةُ الْخَامِسَةُ" صَرِّهِنَّ" بِفَتْحِ الصَّادِ وَشَدِّ الرَّاءِ مَكْسُورَةً، حَكَاهَا الْمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، بِمَعْنَى فَاحْبِسْهُنَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَرَّى يُصَرِّي إِذَا حَبَسَ، وَمِنْهُ الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ. وَهُنَا اعْتِرَاضٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ [وَهُوَ «3»] يُقَالُ: فَكَيْفَ أُجِيبُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى آيَاتِ الْآخِرَةِ دُونَ مُوسَى فِي قَوْلِهِ" رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ «4» "؟ فَعَنْهُ «5» جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا سَأَلَهُ مُوسَى لَا يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ، وَمَا سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ خَاصٌّ يَصِحُّ مَعَهُ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَحْوَالَ تَخْتَلِفُ فَيَكُونُ الْأَصْلَحُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْإِجَابَةَ، وَفِي وَقْتٍ آخَرَ الْمَنْعَ فِيمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ إِذْنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ الصُّحُفَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[سورة البقرة (2): آية 261]
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261)
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- لَمَّا قَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ، حَثَّ عَلَى الْجِهَادِ، وَأَعْلَمَ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ بَعْدَ هَذَا الْبُرْهَانِ الَّذِي لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا نَبِيٌّ فَلَهُ فِي جِهَادِهِ الثَّوَابُ العظيم. ورى البستي
(1). الذي في الديوان:
ليستدرجنك الْقَوْلُ حَتَّى تَهِرَّهُ
…
وَتَعْلْمُ أَنِّي عَنْكَ لَسْتُ بمجرم
(2)
. الزيادة من هـ وب وج وابن عطية.
(3)
. من هـ وب وج.
(4)
. راجع ج 7 ص 278. [ ..... ]
(5)
. في ب: ففيه.
فِي صَحِيحِ مُسْنَدِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (رَبِّ زِدْ أُمَّتِي) فَنَزَلَتْ" مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً «1» " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (رَبِّ زِدْ أُمَّتِي) فَنَزَلَتْ" إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ". وَهَذِهِ الْآيَةُ لَفْظُهَا بَيَانُ مِثَالٍ لِشَرَفِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِحُسْنِهَا، وَضَمَّنَهَا التَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ. وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ مَثَلُ نَفَقَةِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ. وَطَرِيقٌ آخَرُ: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ كَمَثَلِ زَارِعٍ زَرَعَ فِي الْأَرْضِ حَبَّةً فَأَنْبَتَتِ الْحَبَّةُ سَبْعَ سَنَابِلَ، يَعْنِي أَخْرَجَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ، فَشَبَّهَ الْمُتَصَدِّقَ بِالزَّارِعِ وَشَبَّهَ الصَّدَقَةَ بِالْبِذْرِ فَيُعْطِيهِ اللَّهُ بِكُلِّ صَدَقَةٍ لَهُ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:(وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) يَعْنِي عَلَى سَبْعِمِائَةٍ، فَيَكُونُ مَثَلُ الْمُتَصَدِّقِ مَثَلَ الزَّارِعِ، إِنْ كَانَ حَاذِقًا فِي عَمَلِهِ، وَيَكُونُ الْبَذْرُ جَيِّدًا وَتَكُونُ الْأَرْضُ عَامِرَةً يَكُونُ الزَّرْعُ أَكْثَرَ، فَكَذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ إِذَا كَانَ صَالِحًا وَالْمَالُ طَيِّبًا وَيَضَعُهُ مَوْضِعَهُ فَيَصِيرُ الثَّوَابُ أَكْثَرَ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَضْعِيفٌ عَلَى سَبْعِمِائَةٍ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. الثَّانِيَةُ- رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنهما، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ لِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ فَأَمْسَكْتُ لِنَفْسِي وَلِعِيَالِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ أَقْرَضْتُهَا لِرَبِّي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَمْسَكْتَ وَفِيمَا أَعْطَيْتَ). وَقَالَ عُثْمَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ جَهَازُ مَنْ لَا جَهَازَ لَهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمَا. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي نَفَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ قَبْلَ آيَةِ الزَّكَاةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الزَّكَاةِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى النَّسْخِ، لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. وَسُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَأَعْظَمُهَا الْجِهَادُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا.
(1). راجع ص 237 من هذا الجزء وج 15 ص 240.
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) الْحَبَّةُ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا يَزْدرُعُهُ ابْنُ آدَمَ وَيَقْتَاتُهُ، وَأَشْهَرُ ذَلِكَ الْبُرُّ فَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِالْحَبِّ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ:
آلَيْتُ حَبَّ الْعِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ
…
وَالْحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي الْقَرْيَةِ السُّوسُ
وَحَبَّةُ الْقَلْبِ: سُوَيْدَاؤُهُ، وَيُقَالُ ثَمَرَتُهُ وَهُوَ ذَاكَ. وَالْحِبَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ: بُذُورُ الْبُقُولِ مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ، وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ:(فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ «1» السَّيْلِ) وَالْجَمْعُ حِبَبٌ. وَالْحُبَّةُ (بِضَمِّ الْحَاءِ «2») الْحُبُّ، يُقَالُ: نَعَمٌ وَحُبَّةٌ وَكَرَامَةٌ. وَالْحُبُّ الْمَحَبَّةُ، وَكَذَلِكَ الْحِبُّ (بِالْكَسْرِ). وَالْحِبُّ أَيْضًا الْحَبِيبُ، مِثْلُ خِدْنٍ وَخَدِينٍ وَسُنْبُلَةٌ فُنْعُلَةٌ مِنْ أَسْبَلَ الزَّرْعَ إِذَا صَارَ فِيهِ السُّنْبُلُ، أَيِ اسْتَرْسَلَ بِالسُّنْبُلِ كَمَا يَسْتَرْسِلُ السِّتْرُ بِالْإِسْبَالِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ صَارَ فِيهِ حَبٌّ مَسْتُورٌ كَمَا يُسْتَرُ الشَّيْءُ بِإِسْبَالِ السِّتْرِ عَلَيْهِ. وَالْجَمْعُ سَنَابِلُ. ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ سُنْبُلُ الدُّخْنِ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي السُّنْبُلَةِ مِنْهُ هَذَا الْعَدَدُ. قُلْتُ: هَذَا لَيْسَ بشيء فإن سنبل الدخن يجئ فِي السُّنْبُلَةِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ بِضِعْفَيْنِ وَأَكْثَرُ، عَلَى مَا شَاهَدْنَاهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ يُوجَدُ فِي سُنْبُلِ الْقَمْحِ مَا فِيهِ مِائَةُ حَبَّةٍ، فَأَمَّا فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ فَأَكْثَرُ وَلَكِنَّ الْمِثَالَ وَقَعَ بِهَذَا الْقَدْرِ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ قَوْلَهُ (فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) مَعْنَاهُ إِنْ وُجِدَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَعَلَى أَنْ يَفْرِضَهُ، ثُمَّ نُقِلَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ:" فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ" مَعْنَاهُ كُلُّ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: فَجَعَلَ الطَّبَرِيُّ قَوْلَ الضَّحَّاكِ نَحْوَ مَا قَالَ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ قَوْلِ الضَّحَّاكِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ" مِائَةَ" بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ. قُلْتُ: وَقَالَ يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ: وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ" فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةَ حَبَّةٍ" عَلَى: أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ بَعْضُهُمْ" وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ" عَلَى" وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ «3» " وَأَعْتَدْنَا لِلَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابَ جَهَنَّمَ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ" بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي السِّينِ، لِأَنَّهُمَا مَهْمُوسَتَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَعَاقَبَانِ. وَأَنْشَدَ أَبُو عَمْرٍو:
(1). حميل السيل: ما يحمل من الغثاء والطين.
(2)
. قي هـ.
(3)
. راجع ج 18 ص 211
يَا لَعْنَ اللَّهِ بَنِي السِّعْلَاةِ «1»
…
عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ «2» لِئَامُ النَّاتِ
أَرَادَ النَّاسَ فَحَوَّلَ السِّينَ تَاءً. الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ. الرابعة- وَرَدَ الْقُرْآنُ بِأَنَّ الْحَسَنَةَ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ نَفَقَةَ الْجِهَادِ حَسَنَتُهَا بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ مُبَيِّنَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِمِائَةِ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَضْعِيفٌ فَوْقَ السَّبْعِمِائَةِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلْ هُوَ إِعْلَامٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْآيَةِ. وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْحَسَنِ [عَنْ «3»] عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ الله بن عمرو وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كُلِّهِمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:" مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ «4» فِي وَجْهِهِ «5» فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ- ثُمَّ تَلَا [هذه الآية «6»]- والله يضاعف لمن يشاء الله". وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّضْعِيفَ [يَنْتَهِي «7»] لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلَيْسَ هَذَا بِثَابِتِ الْإِسْنَادِ عَنْهُ. الْخَامِسَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَ الزَّرْعِ مِنْ أَعْلَى الْحِرَفِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا النَّاسُ وَالْمَكَاسِبُ الَّتِي يَشْتَغِلُ بِهَا الْعُمَّالُ، وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فَقَالَ:" مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ" الْآيَةَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً". وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عروة
(1). السعلاة: أخبث الغيلان. فإذا كانت المرأة قبيحة الوجه سيئة الخلق شبهت بالسعلاة.
(2)
. الذي في كتب اللغة (مادة ن وت):" عمر بن يربوع".
(3)
. عن ج وب، وابن ماجة، وفية في الهند: وأبى هريرة.
(4)
. عن ج وب، وابن ماجة، وفية في الهند: وأبى هريرة.
(5)
. في ابن ماجة:" في وجه"
(6)
. عن ج وب، وابن ماجة، وفية في الهند: وأبى هريرة.
(7)
. عن ب وهـ وج. (3 - 20)