المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2): آية 223] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٣

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سورة البقرة (2): آية 203]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 204]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 205]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 206]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 207]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 208]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 209]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 210]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 211]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 212]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 213]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 214]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 215]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 216]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 219]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 220]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 224]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 225]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 230]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 231]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 232]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 236]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 237]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 238]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 239]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 240]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 241 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 243]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 244]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 245]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 246]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 247]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 248]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 249]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 250]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 251]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 252]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 253]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 254]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 256]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 257]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 258]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 259]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 261]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 262]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 263]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 264]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 265]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 266]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 267]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 268]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 269]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 270]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 271]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 272]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 273]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 274]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 275 الى 279]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 280]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 281]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 283]

- ‌[سورة البقرة (2): آية 284]

- ‌[سورة البقرة (2): الآيات 285 الى 286]

الفصل: ‌[سورة البقرة (2): آية 223]

وَاعْتِكَافٍ، قَالَهُ الْأَصَمُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو رَزِينٍ: مِنْ قِبَلِ الطُّهْرِ لَا مِنْ قِبَلِ الْحَيْضِ، وَقَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفَيَّةِ: الْمَعْنَى مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ لَا مِنْ قِبَلِ الزِّنَى. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) اخْتُلِفَ فِيهِ، فَقِيلَ: التَّوَّابُونَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالشِّرْكِ. وَالْمُتَطَهِّرُونَ أَيْ بِالْمَاءِ من الجنابة والأحداث، قال عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الذُّنُوبِ، وَعَنْهُ أَيْضًا: مِنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ. ابْنُ عَطِيَّةَ: كَأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ لُوطٍ:" أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ «1» ". وَقِيلَ: الْمُتَطَهِّرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُذْنِبُوا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَدَّمَ بِالذِّكْرِ الَّذِي أَذْنَبَ عَلَى مَنْ لَمْ يُذْنِبْ، قِيلَ: قَدَّمَهُ لِئَلَّا يَقْنَطَ التَّائِبُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَلَا يُعْجَبَ الْمُتَطَهِّرُ بِنَفْسِهِ، كَمَا ذَكَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:" فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ" عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ «2» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.

[سورة البقرة (2): آية 223]

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)

فيه ست مسائل: الأول- قَوْلُهُ تَعَالَى: (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) رَوَى الْأَئِمَّةُ واللفظ للمسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: إِذَا أَتَى الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا كَانَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ:" نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" زَادَ فِي رِوَايَةٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: إِنْ شَاءَ مُجَبِّيَةً «3» وَإِنْ شَاءَ غَيْرَ مُجَبِّيَةٍ غَيْرَ إِنَّ ذَلِكَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ. وَيُرْوَى: فِي سِمَامٍ وَاحِدٍ بِالسِّينِ، قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ، فَأَخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْمًا «4» ، فَقَرَأَ سُورَةَ" الْبَقَرَةِ" حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَكَانٍ قَالَ: أَتَدْرِي فِيمَ أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لَا قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا، ثم مضى. وعن

(1). آية 82 سورة الأعراف.

(2)

. راجع ج 14 ص 347.

(3)

. مجبية: أي منكبه على وجهها، تشبيها بهيئة السجود.

(4)

. أخذت عليه: أي أمسكت المصحف وهو يقرأ عن ظهر قلب. [ ..... ]

ص: 91

عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:" فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" قَالَ: يَأْتِيهَا فِي «1» . قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: يَعْنِي الْفَرْجَ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ وَهِمَ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَهُمْ أَهْلُ وَثَنٍ، مَعَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ يَهُودٍ، وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ: وَكَانُوا يَرَوْنَ لَهُمْ فَضْلًا عَلَيْهِمْ فِي الْعِلْمِ، فَكَانُوا يَقْتَدُونَ بِكَثِيرٍ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَلَّا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، فَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَحُونَ النِّسَاءَ شَرْحًا «2» مُنْكَرًا، وَيَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ فَأَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: إِنَّمَا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ! فَاصْنَعْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي، حَتَّى شَرِيَ «3» أَمْرُهُمَا؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:" فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ"، أَيْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَوْضِعَ الْوَلَدِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ! قَالَ:" وَمَا أَهْلَكَكَ؟ " قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي اللَّيْلَةَ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا، قَالَ: فَأُوحِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةُ:" نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ" أَقْبِلْ وَأَدْبِرْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ" قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ «4». وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي النَّضْرِ أَنَّهُ قَالَ لِنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: قَدْ أَكْثَرَ عَلَيْكَ الْقَوْلُ. إِنَّكَ تَقُولُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنْ يُؤْتَى النِّسَاءُ فِي أَدْبَارِهِنَّ. قَالَ نَافِعٌ: لَقَدْ كَذَبُوا عَلَيَّ! وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ كَيْفَ كَانَ الْأَمْرُ: إِنَّ ابْنَ عُمَرَ عَرَضَ عَلَيَّ الْمُصْحَفَ يَوْمًا وَأَنَا عِنْدَهُ حَتَّى بَلَغَ:" نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ"، قَالَ نَافِعٌ: هَلْ تَدْرِي مَا أَمْرُ هَذِهِ الْآيَةِ؟ إِنَّا كُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نُجَبِّي «5» النِّسَاءَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ وَنَكَحْنَا نِسَاءَ الْأَنْصَارِ أَرَدْنَا مِنْهُنَّ مَا كُنَّا نُرِيدُ

(1). بحذف المجرور. راجع شرح البخاري في تفسير الآية، ففيه كلام عن هذا الحذف.

(2)

. شرح الرجل جاريته: إذا وطئها نائمة على قفاها.

(3)

. شرح أمرهما (من باب رضى): عظم وتفاقم ولجوا فيه.

(4)

. الذي في صحيح الترمذي:" حسن غريب".

(5)

. تقدم معنى" التجبية" ص 91 من هذا الجزءان.

ص: 92

مِنْ نِسَائِنَا، فَإِذَا هُنَّ قَدْ كَرِهْنَ ذَلِكَ وَأَعْظَمْنَهُ، وَكَانَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ إِنَّمَا يُؤْتَيْنَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:" نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ". الثَّانِيَةُ- هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَصٌّ فِي إِبَاحَةِ الْحَالِ وَالْهَيْئَاتِ كُلِّهَا إِذَا كان الوطي فِي مَوْضِعِ الْحَرْثِ، أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ مِنْ خَلْفٍ وَمِنْ قُدَّامٍ وَبَارِكَةً وَمُسْتَلْقِيَةً وَمُضْطَجِعَةً، فَأَمَّا الْإِتْيَانُ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى فَمَا كَانَ مُبَاحًا، وَلَا يُبَاحُ! وَذِكْرُ الْحَرْثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِتْيَانَ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى مُحَرَّمٌ. وَ" حَرْثٌ" تَشْبِيهٌ، لِأَنَّهُنَّ مُزْدَرَعُ الذُّرِّيَّةِ، فَلَفْظُ" الْحَرْثِ" يُعْطِي أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَمْ تَقَعْ إِلَّا فِي الْفَرْجِ خَاصَّةً إِذْ هُوَ الْمُزْدَرَعُ. وَأَنْشَدَ ثَعْلَبٌ:

إِنَّمَا الأرحام أرض

ون لَنَا مُحْتَرَثَاتُ

فَعَلَيْنَا الزَّرْعُ فِيهَا

وَعَلَى اللَّهِ النَّبَاتُ

فَفَرْجُ الْمَرْأَةِ كَالْأَرْضِ، وَالنُّطْفَةُ كَالْبَذْرِ، وَالْوَلَدُ كَالنَّبَاتِ، فَالْحَرْثُ بِمَعْنَى الْمُحْتَرَثِ. وَوُحِّدَ الْحَرْثُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، كَمَا يُقَالُ: رَجُلٌ صَوْمٌ، وَقَوْمٌ صَوْمٌ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(أَنَّى شِئْتُمْ) مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى: مِنْ أَيِّ وَجْهٍ شِئْتُمْ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً، كَمَا ذَكَرْنَا آنفا. و" أنى" تجئ سُؤَالًا وَإِخْبَارًا عَنْ أَمْرٍ لَهُ جِهَاتٌ، فَهُوَ أَعَمُّ فِي اللُّغَةِ مِنْ" كَيْفَ" وَمِنْ" أَيْنَ" وَمِنْ" مَتَى"، هَذَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِيُّ فِي" أَنَّى". وَقَدْ فَسَّرَ النَّاسُ" أَنَّى" فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَفَسَّرَهَا سِيبَوَيْهِ بِ" كَيْفَ" وَمِنْ" أَيْنَ" بِاجْتِمَاعِهِمَا. وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ مِمَّنْ فَسَّرَهَا ب" أين" إلى أن الوطي فِي الدُّبُرِ مُبَاحٌ، وَمِمَّنْ نُسِبَ إِلَيْهِ هَذَا الْقَوْلُ: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَنَافِعٌ وَابْنُ عُمَرَ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونَ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابٍ لَهُ يُسَمَّى" كِتَابُ السِّرِّ". وَحُذَّاقُ أَصْحَابِ مَالِكٍ؟ وَمَشَايِخِهِمْ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ، وَمَالِكٌ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ" كِتَابُ سِرٍّ". وَوَقَعَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْعُتْبِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ ابْنَ شَعْبَانَ أَسْنَدَ جَوَازَ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى زُمْرَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَإِلَى مَالِكٍ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ" جِمَاعُ النِّسْوَانِ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ". وَقَالَ الْكِيَا الطَّبَرِيُّ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، وَيَتَأَوَّلُ فِيهِ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل:" أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ

ص: 93

الْعالَمِينَ. وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ

«1» ". وَقَالَ: فَتَقْدِيرُهُ تَتْرُكُونَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ، وَلَوْ لَمْ يُبَحْ مِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْأَزْوَاجِ لَمَا صَحَّ ذَلِكَ، وَلَيْسَ الْمُبَاحُ مِنَ الْمَوْضِعِ الْآخَرِ مِثْلًا لَهُ، حَتَّى يُقَالَ: تَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَتَتْرُكُونَ مِثْلَهُ مِنَ الْمُبَاحِ. قَالَ الْكِيَا: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ، إِذْ مَعْنَاهُ: وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ مِمَّا فِيهِ تَسْكِينُ شَهْوَتِكُمُ، وَلَذَّةُ الْوَقَاعِ حَاصِلَةٌ بِهِمَا جَمِيعًا، فَيَجُوزُ التَّوْبِيخُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ" مَعَ قَوْلِهِ:" فَأْتُوا حَرْثَكُمْ" مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي الْمَأْتَى اخْتِصَاصًا، وَأَنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى مَوْضِعِ الْوَلَدِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الرَّتْقَاءِ الَّتِي لَا يُوصَلُ إِلَى وَطْئِهَا أَنَّهُ عَيْبٌ تُرَدُّ بِهِ، إِلَّا شَيْئًا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ وَجْهٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَنَّهُ لَا تُرَدُّ الرَّتْقَاءُ وَلَا غَيْرُهَا، وَالْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَسِيسَ هُوَ الْمُبْتَغَى بِالنِّكَاحِ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى هَذَا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطئ، ولو كان موضعا للوطي مَا رُدَّتْ مَنْ لَا يُوصَلُ إِلَى وَطْئِهَا فِي الْفَرْجِ. وَفِي إِجْمَاعِهِمْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَقِيمَ الَّتِي لَا تَلِدُ لَا تُرَدُّ. وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا بَيَّنَّاهُ. وَمَا نُسِبَ إِلَى مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ مِنْ هَذَا بَاطِلٌ وَهُمْ مُبَرَّءُونَ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ إِبَاحَةَ الْإِتْيَانِ مُخْتَصَّةٌ بِمَوْضِعِ الْحَرْثِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَأْتُوا حَرْثَكُمْ"، وَلِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي خَلْقِ الْأَزْوَاجِ بَثُّ النَّسْلِ، فَغَيْرُ موضع النسل لا يناله مالك النِّكَاحِ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: إِنَّهُ عِنْدَنَا وَلَائِطُ الذَّكَرِ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ، وَلِأَنَّ الْقَذَرَ وَالْأَذَى فِي مَوْضِعِ النَّجْوِ «2» أَكْثَرُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ، فَكَانَ أَشْنَعَ. وَأَمَّا صِمَامُ الْبَوْلِ فَغَيْرُ صِمَامِ الرَّحِمِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ: قَالَ لَنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقِيهُ الْوَقْتِ وَإِمَامُهُ: الْفَرْجُ أشبه شي بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ، وَأَخْرَجَ يَدَهُ عَاقِدًا بِهَا. وَقَالَ: مَسْلَكُ الْبَوْلِ مَا تَحْتَ الثَّلَاثِينَ، وَمَسْلَكُ الذَّكَرِ وَالْفَرْجِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْخَمْسَةُ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْفَرْجَ حَالَ الْحَيْضِ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ الْعَارِضَةِ. فَأَوْلَى أَنْ يُحَرَّمَ الدُّبُرُ لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ اللَّازِمَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ لِابْنِ وَهْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ زياد لما أخبراه أن ناسا بمصر

(1). آية 165 سورة الشعراء.

(2)

. النجو: ما يخرج من البطن من ريح وغائط.

ص: 94

يَتَحَدَّثُونَ عَنْهُ أَنَّهُ يُجِيزُ ذَلِكَ، فَنَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبَادَرَ إِلَى تَكْذِيبِ النَّاقِلِ فَقَالَ: كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ، كَذَبُوا عَلَيَّ! ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا؟ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ تَعَالَى:" نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ"؟ وَهَلْ يَكُونُ الْحَرْثُ إِلَّا فِي مَوْضِعِ الْمَنْبَتِ «1» ! وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُخَالِفُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ عز وجل:" أَنَّى شِئْتُمْ" شَامِلٌ لِلْمَسَالِكِ بِحُكْمِ عُمُومِهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهَا، إِذْ هِيَ مُخَصَّصَةٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَبِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ حِسَانٍ وَشَهِيرَةٍ رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اثْنَا عَشَرَ صَحَابِيًّا بِمُتُونٍ مُخْتَلِفَةٍ، كُلُّهَا مُتَوَارِدَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي الْأَدْبَارِ، ذَكَرَهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ جَمَعَهَا أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ بِطُرُقِهَا فِي جُزْءٍ سَمَّاهُ" تَحْرِيمُ الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ". وَلِشَيْخِنَا أَبِي الْعَبَّاسِ أَيْضًا فِي ذَلِكَ جُزْءٌ سَمَّاهُ" إِظْهَارُ إدبار، من أجاز الوطي فِي الْأَدْبَارِ". قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّبَعُ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُعَرِّجَ فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ عَلَى زَلَّةِ عَالِمٍ بَعْدَ أَنْ تَصِحَّ عَنْهُ. وَقَدْ حَذَّرْنَا مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ خِلَافَ هَذَا، وَتَكْفِيرُ مَنْ فَعَلَهُ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهِ رضي الله عنه. وَكَذَلِكَ كَذَّبَ نَافِعٌ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ بِذَلِكَ، كَمَا ذَكَرَ النَّسَائِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَأَنْكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَاسْتَعْظَمَهُ، وَكَذَّبَ مَنْ نَسَبَ ذَلِكَ إِلَيْهِ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سعيد ابن يَسَارٍ أَبِي الْحُبَابِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: مَا تَقُولُ فِي الْجَوَارِي حِينَ أُحَمِّضُ «2» بِهِنَّ؟ قَالَ: وَمَا التَّحْمِيضُ؟ فَذَكَرْتُ لَهُ الدُّبُرَ، فَقَالَ: هَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ! وَأُسْنِدَ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:" أَيُّهَا النَّاسُ إن الله لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ". وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ. وَأُسْنِدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" تِلْكَ اللُّوطِيَّةُ الصغرى" يعنى

(1). في ب:" النبت".

(2)

. التحميض: أن يأتي الرجل المرأة في غير مأتاها الذي يكون موضع الولد.

ص: 95