الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الصُّحُفِ وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ قَالَ لِأُولَئِكَ:" وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «1» ". وَسَمَّى هَذَا خَيْرًا كَثِيرًا، لِأَنَّ هَذَا هُوَ جَوَامِعُ الْكَلِمِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أُعْطِيَ الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَرِّفَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَاضَعَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ دُنْيَاهُمْ، فَإِنَّمَا أُعْطِيَ أَفْضَلَ مَا أُعْطِيَ أَصْحَابُ الدُّنْيَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الدُّنْيَا مَتَاعًا قَلِيلًا فَقَالَ:" قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ"«2» وَسَمَّى الْعِلْمَ وَالْقُرْآنَ" خَيْراً كَثِيراً". وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ" وَمَنْ يُؤْتَ" عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَيَعْقُوبُ" وَمَنْ يُؤْتِ" بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى مَعْنَى وَمَنْ يُؤْتِ اللَّهُ الْحِكْمَةَ، فَالْفَاعِلُ اسم الله عز وجل. و" من" مَفْعُولٌ أَوَّلٌ مُقَدَّمٌ، وَالْحِكْمَةُ مَفْعُولٌ ثَانٍ. وَالْأَلْبَابُ: العقول، واحدها لب وقد تقدم «3» .
[سورة البقرة (2): آية 270]
وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (270)
شَرْطٌ وَجَوَابُهُ، وَكَانَتِ النُّذُورُ مِنْ سِيرَةِ الْعَرَبِ تُكْثِرُ مِنْهَا، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْعَيْنِ، مَا يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ مُتَبَرِّعًا، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ إِلْزَامِهِ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْآيَةِ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، أَيْ مَنْ كَانَ خَالِصَ النِّيَّةِ فَهُوَ مُثَابٌ، وَمَنْ أَنْفَقَ رِيَاءً أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ مِمَّا يُكْسِبُهُ الْمَنَّ وَالْأَذَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ، يَذْهَبُ فِعْلُهُ بَاطِلًا وَلَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا فِيهِ. وَمَعْنَى" يَعْلَمُهُ" يُحْصِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، فَقَالَ النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهَا، (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) ثُمَّ حَذَفَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَتَعُودُ الْهَاءُ عَلَى" مَا" كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ [لِامْرِئِ الْقَيْسِ «4»]:
فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا
…
لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ «5»
وَيَكُونُ" أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ" مَعْطُوفًا عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ فِي" يَعْلَمُهُ" وَقَدْ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ أراد ما ذكر أو نص.
(1). راجع ج 10 ص 323.
(2)
. راجع ج 5 ص 281.
(3)
. راجع المسألة الرابعة عشرة ج 2 ص 412.
(4)
. الزيادة في ب.
(5)
. وتوضح والمقراة: موضعان، وهما عطف على" حومل" في البيت قبلة.