الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: قوله (وَأَرَادَ طَلَبَ الْمَنْزِلَةِ وَالظُّهُورَ لِقَبُولِ. الشَّهَادَةِ) فِيهِ نَظَرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي (النِّسَاءِ «1») فَتَأَمَّلْهُ هُنَاكَ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الرِّيَاءَ يَدْخُلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا)
فَعَمَّ. وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَدْخُلُ النَّفْلَ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْفَرْضَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَالنَّفْلُ عُرْضَةٌ لِذَلِكَ. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِالنَّوَافِلِ لَمْ يؤاخذ بها.
[سورة النساء (4): آية 143]
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143)
الْمُذَبْذَبُ: الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَالذَّبْذَبَةُ الِاضْطِرَابُ. يُقَالُ: ذَبْذَبْتُهُ فَتَذَبْذَبَ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةُ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَاكَ سُورَةً
…
تَرَى كُلَّ مَلِكٍ دُونَهَا يَتَذَبْذَبُ
آخَرُ:
خَيَالٌ لِأُمِّ السَّلْسَبِيلِ وَدُونَهَا
…
مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْبَرِيدِ الْمُذَبْذِبِ
كَذَا رُوِيَ بِكَسْرِ الذَّالِ الثَّانِيةِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَيِ الْمُهْتَزِّ «2» الْقَلِقِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ وَلَا يَتَمَهَّلُ. فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، لَا مُخْلِصِينَ الْإِيمَانَ وَلَا مُصَرِّحِينَ بِالْكُفْرِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ «3» بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ أُخْرَى) وَفِي رِوَايَةٍ (تَكِرُّ) بَدَلَ (تَعِيرُ). وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (مُذَبْذَبِينَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الذَّالَيْنِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِكَسْرِ الذَّالِ الثَّانِيةِ. وَفِي حَرْفِ أُبَيٍّ (مُتَذَبْذِبِينَ). وَيَجُوزُ الْإِدْغَامُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ (مُذَّبْذِبِينَ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيةِ. وَعَنِ الْحَسَنِ (مَذَبْذَبِينَ) بِفَتْحِ الميم والذالين.
(1). راجع ص 180 فما بعد من هذا الجزء وص 212 ج 20. [ ..... ]
(2)
. في الأصول: الممتر. والتصحيح من ابن عطية وفى الراغب: الذبذبة حكاية صوت الحركة للشيء المعلق ثم استعير لكل اضطراب وحركة.
(3)
. العائرة: المترددة بين قطيعين لا تدرى أيهما تتبع.