المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4): آية 3] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٥

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سُورَةُ النِّسَاءِ]

- ‌[سورة النساء (4): آيَةً 1]

- ‌[سورة النساء (4): آية 2]

- ‌[سورة النساء (4): آية 3]

- ‌[سورة النساء (4): آية 4]

- ‌[سورة النساء (4): آية 5]

- ‌[سورة النساء (4): آية 6]

- ‌[سورة النساء (4): آية 7]

- ‌[سورة النساء (4): آية 8]

- ‌[سورة النساء (4): آية 9]

- ‌[سورة النساء (4): آية 10]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4): آية 15]

- ‌[سورة النساء (4): آية 16]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة النساء (4): آية 19]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة النساء (4): آية 22]

- ‌[سورة النساء (4): آية 23]

- ‌[سورة النساء (4): آية 24]

- ‌[سورة النساء (4): آية 25]

- ‌[سورة النساء (4): آية 26]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4): آية 29]

- ‌[سورة النساء (4): آية 30]

- ‌[سورة النساء (4): آية 31]

- ‌[سورة النساء (4): آية 32]

- ‌[سورة النساء (4): آية 33]

- ‌[سورة النساء (4): آية 34]

- ‌[سورة النساء (4): آية 35]

- ‌[سورة النساء (4): آية 36]

- ‌[سورة النساء (4): آية 37]

- ‌[سورة النساء (4): آية 38]

- ‌[سورة النساء (4): آية 39]

- ‌[سورة النساء (4): آية 40]

- ‌[سورة النساء (4): آية 41]

- ‌[سورة النساء (4): آية 42]

- ‌[سورة النساء (4): آية 43]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 44 الى 53]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4): آية 58]

- ‌[سورة النساء (4): آية 59]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 60 الى 61]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة النساء (4): آية 64]

- ‌[سورة النساء (4): آية 65]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 66 الى 68]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة النساء (4): آية 71]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 72 الى 73]

- ‌[سورة النساء (4): آية 74]

- ‌[سورة النساء (4): آية 75]

- ‌[سورة النساء (4): آية 76]

- ‌[سورة النساء (4): آية 77]

- ‌[سورة النساء (4): آية 78]

- ‌[سورة النساء (4): آية 79]

- ‌[سورة النساء (4): آية 80]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة النساء (4): آية 83]

- ‌[سورة النساء (4): آية 84]

- ‌[سورة النساء (4): آية 85]

- ‌[سورة النساء (4): آية 86]

- ‌[سورة النساء (4): آية 87]

- ‌[سورة النساء (4): آية 88]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة النساء (4): آية 91]

- ‌[سورة النساء (4): آية 92]

- ‌[سورة النساء (4): آية 93]

- ‌[سورة النساء (4): آية 94]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 97 الى 99]

- ‌[سورة النساء (4): آية 100]

- ‌[سورة النساء (4): آية 101]

- ‌[سورة النساء (4): آية 102]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4): آية 105]

- ‌[سورة النساء (4): آية 106]

- ‌[سورة النساء (4): آية 107]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 108 الى 109]

- ‌[سورة النساء (4): آية 110]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة النساء (4): آية 113]

- ‌[سورة النساء (4): آية 114]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة النساء (4): آية 117]

- ‌[سورة النساء (4): آية 118]

- ‌[سورة النساء (4): آية 119]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 120 الى 122]

- ‌[سورة النساء (4): آية 123]

- ‌[سورة النساء (4): آية 124]

- ‌[سورة النساء (4): آية 125]

- ‌[سورة النساء (4): آية 126]

- ‌[سورة النساء (4): آية 127]

- ‌[سورة النساء (4): آية 128]

- ‌[سورة النساء (4): آية 129]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة النساء (4): آية 133]

- ‌[سورة النساء (4): آية 134]

- ‌[سورة النساء (4): آية 135]

- ‌[سورة النساء (4): آية 136]

- ‌[سورة النساء (4): آية 137]

- ‌[سورة النساء (4): آية 138]

- ‌[سورة النساء (4): آية 139]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 140 الى 141]

- ‌[سورة النساء (4): آية 142]

- ‌[سورة النساء (4): آية 143]

- ‌[سورة النساء (4): آية 144]

- ‌[سورة النساء (4): آية 145]

- ‌[سورة النساء (4): آية 146]

- ‌[سورة النساء (4): آية 147]

الفصل: ‌[سورة النساء (4): آية 3]

وَالْحُوبُ الْمَصْدَرُ، وَكَذَلِكَ الْحِيَابَةُ. وَالْحُوبُ الِاسْمُ. وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (حَابًا) عَلَى الْمَصْدَرِ مِثْلَ الْقَالِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا مِثْلَ الزَّادِ. وَالْحَوْأَبُ (بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْوَاوِ): الْمَكَانُ الْوَاسِعُ. وَالْحَوْأَبُ مَاءٌ أَيْضًا. وَيُقَالُ: أَلْحَقَ اللَّهُ بِهِ الْحَوْبَةَ أَيِ الْمَسْكَنَةَ وَالْحَاجَةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: بَاتَ بِحَيْبَةِ سُوءٍ. وَأَصْلُ الْيَاءِ الْوَاوُ. وَتَحَوَّبَ فُلَانٌ أَيْ تَعَبَّدَ وَأَلْقَى الْحُوبَ عَنْ نَفْسِهِ. وَالتَّحَوُّبُ أَيْضًا التَّحَزُّنُ. وَهُوَ أَيْضًا الصِّيَاحُ الشَّدِيدُ، كَالزَّجْرِ، وَفُلَانٌ يَتَحَوَّبُ مِنْ كَذَا أَيْ يَتَوَجَّعُ وَقَالَ طُفَيْلٌ:

فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنَا غَدَاةَ مُحَجَّرٍ «1»

مِنَ الْغَيْظِ في أكبادنا «2» والتحوب

[سورة النساء (4): آية 3]

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَاّ تَعُولُوا (3)

فِيهِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" (وَإِنْ خِفْتُمْ) " شَرْطٌ، وَجَوَابُهُ (فَانْكِحُوا). أَيْ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فِي مُهُورِهِنَّ وَفِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِنَّ (فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ) أَيْ غَيْرَهُنَّ. وروى الا يمه وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حجر وليها تشاركه في ما له فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، وَيَبِيعَ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ. وَلِلْمُوَكِّلِ النَّظَرُ فِيمَا اشْتَرَى وَكِيلُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مِنْهَا. وَلِلسُّلْطَانِ النَّظَرُ فِيمَا يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا الْأَبُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ نَظَرٌ مَا لَمْ تَظْهَرْ عَلَيْهِ الْمُحَابَاةُ فَيَعْتَرِضُ عليه

(1). محجر (كمعظم ومحدث): اسم موضع، وفى الديوان: في أجوافنا.

(2)

. محجر (كمعظم ومحدث): اسم موضع، وفى الديوان: في أجوافنا.

ص: 11

السُّلْطَانُ حِينَئِذٍ، وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) «1» الْقَوْلُ فِي هَذَا. وقال الضحاك والحسن وغير هما: إِنَّ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ الْحَرَائِرِ مَا شَاءَ، فَقَصَرَتْهُنَّ الْآيَةُ عَلَى أَرْبَعٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمَا: الْمَعْنَى وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ خَافُوا فِي النِّسَاءِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ فِي الْيَتَامَى وَلَا يَتَحَرَّجُونَ فِي النِّسَاءِ وَ (خِفْتُمْ) مِنَ الْأَضْدَادِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَخُوفُ مِنْهُ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ، وَقَدْ يَكُونُ مَظْنُونًا، فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْخَوْفِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ:(خِفْتُمْ) بِمَعْنَى أَيْقَنْتُمْ. وَقَالَ آخَرُونَ: (خِفْتُمْ) ظَنَنْتُمْ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْحُذَّاقُ، وَأَنَّهُ عَلَى بَابِهِ مِنَ الظَّنِّ لَا مِنَ الْيَقِينِ. التَّقْدِيرُ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ التَّقْصِيرُ فِي الْقِسْطِ لِلْيَتِيمَةِ فَلْيَعْدِلْ عَنْهَا. وَ (تُقْسِطُوا) مَعْنَاهُ تَعْدِلُوا. يُقَالُ: أَقْسَطَ الرَّجُلُ إِذَا عَدَلَ. وَقَسَطَ إِذَا جَارَ وَظَلَمَ صَاحِبَهُ. قال الله تعالى: َ- أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

«2» يَعْنِي الْجَائِرُونَ. وَقَالَ عليه السلام: (الْمُقْسِطُونَ فِي الدِّينِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي الْعَادِلِينَ. وَقَرَأَ ابْنُ وَثَّابٍ وَالنَّخَعِيُّ (تَقْسُطُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ قَسَطَ عَلَى تَقْدِيرِ زِيَادَةِ لَا كَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ تَجُورُوا. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) إِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَاءَتْ (مَا) لِلْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا أَصْلُهَا لِمَا لَا يَعْقِلُ، فَعَنْهُ أَجْوِبَةٌ خَمْسَةٌ: الْأَوَّلُ- أَنَّ (مَنْ) وَ (مَا) قَدْ يَتَعَاقَبَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:(وَالسَّماءِ وَما بَناها «3») أَيْ وَمَنْ بَنَاهَا. وَقَالَ (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ «4»). فَمَا هَاهُنَا لِمَنْ يَعْقِلُ وَهُنَّ النِّسَاءُ، لِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (مِنَ النِّساءِ) مُبَيِّنًا لِمُبْهَمٍ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ (مَنْ طَابَ) عَلَى ذِكْرِ مَنْ يَعْقِلُ. الثَّانِي- قَالَ الْبَصْرِيُّونَ:(مَا) تَقَعُ لِلنُّعُوتِ كَمَا تَقَعُ لِمَا لَا يَعْقِلُ يُقَالُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَيُقَالُ: ظَرِيفٌ وَكَرِيمٌ. فَالْمَعْنَى فَانْكِحُوا الطَّيِّبَ مِنَ النِّسَاءِ، أَيِ الْحَلَالَ، وَمَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَلَيْسَ بِطَيِّبٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ «5») فَأَجَابَهُ مُوسَى عَلَى وَفْقِ مَا سَأَلَ، وَسَيَأْتِي. الثَّالِثُ- حَكَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ (مَا) فِي هَذِهِ الْآيَةِ ظَرْفِيَّةٌ، أي ما دمتم تستحسنون

(1). راجع ج 3 ص 62.

(2)

. راجع ج 19 ص 15.

(3)

. راجع ج 20 ص 74. [ ..... ]

(4)

. راجع ج 12 ص 291.

(5)

. راجع ج 13 ص 98

ص: 12

النِّكَاحَ قَالَ. ابْنُ عَطِيَّةَ: وَفِي هَذَا الْمَنْزَعِ ضَعْفٌ. جَوَابٌ رَابِعٌ- قَالَ الْفَرَّاءُ: (مَا) هَاهُنَا مَصْدَرٌ. وَقَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا، لَا يَصِحُّ فَانْكِحُوا الطَّيِّبَةَ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: طَابَ الشَّيْءُ يَطِيبُ طِيبَةً وَتَطْيَابًا. قَالَ عَلْقَمَةُ:

كَأَنَّ تَطْيَابَهَا فِي الْأَنْفِ مَشْمُومُ «1»

جَوَابٌ خَامِسٌ- وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا هُنَا الْعَقْدُ، أَيْ فَانْكِحُوا نِكَاحًا طَيِّبًا. وَقِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي عَبْلَةَ تَرُدُّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ. وَحَكَى أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ إِذَا سَمِعُوا الرَّعْدَ قَالُوا: سُبْحَانَ مَا سَبَّحَ لَهُ الرَّعْدُ. أَيْ سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَ لَهُ الرَّعْدُ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ: سُبْحَانَ ما سخر كن لنا. أي من سخر كن. وَاتَّفَقَ كُلُّ مَنْ يُعَانِي الْعُلُومَ عَلَى أَنَّ قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ، إِذْ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَخَفِ الْقِسْطَ فِي الْيَتَامَى لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ: اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا كَمَنْ خَافَ. فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ جَوَابًا لِمَنْ خَافَ ذَلِكَ، وَأَنَّ حُكْمَهَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ. الثَّالِثَةُ- تَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَجْوِيزِهِ «2» نِكَاحَ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَقَالَ: إِنَّمَا تَكُونُ يَتِيمَةٌ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَبَعْدَ الْبُلُوغِ هِيَ امْرَأَةٌ مُطَلَّقَةٌ لَا يَتِيمَةٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَالِغَةَ لَمَا نَهَى عَنْ حَطِّهَا عَنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، لِأَنَّهَا تَخْتَارُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ إِجْمَاعًا. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَتَّى تَبْلُغَ وَتُسْتَأْمَرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) وَالنِّسَاءُ اسْمٌ يَنْطَلِقُ عَلَى الْكِبَارِ كَالرِّجَالِ فِي الذُّكُورِ، وَاسْمُ الرَّجُلِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَ، فَكَذَلِكَ اسْمُ النِّسَاءِ، وَالْمَرْأَةِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ. وَقَدْ قَالَ:(فِي يَتامَى النِّساءِ) وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَاكَ الْيَتَامَى هُنَا، كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها. فَقَدْ دَخَلْتِ الْيَتِيمَةُ الْكَبِيرَةُ فِي الْآيَةِ فَلَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الصَّغِيرَةُ إِذْ لَا إِذْنَ لَهَا، فَإِذَا بَلَغَتْ جَازَ نِكَاحُهَا لَكِنْ لَا تُزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِهَا. كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: زَوَّجَنِي خَالِي قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ بِنْتَ أَخِيهِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ، فَدَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلَى أُمِّهَا، فَأَرْغَبَهَا فِي الْمَالِ وَخَطَبَهَا إِلَيْهَا، فَرُفِعَ شَأْنُهَا إلى النبي صلى الله

(1). هذا عجز بيت، وصدره:

يحملن اترجة نضخ العبير بها

(2)

. كذا في وط وى.

ص: 13

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُدَامَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَةُ أَخِي وَأَنَا وَصِيُّ أَبِيهَا وَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا، زَوَّجْتُهَا مَنْ قَدْ عَلِمْتُ فَضْلَهُ وَقَرَابَتَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّهَا يَتِيمَةٌ وَالْيَتِيمَةُ أَوْلَى بِأَمْرِهَا) فَنُزِعَتْ مِنِّي وَزَوَّجَهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَسْمَعْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مِنْ نَافِعٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِنْتَ خَالِهِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ: فَذَهَبَتْ أُمُّهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ ابْنَتِي تَكْرَهُ ذَلِكَ. فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُفَارِقَهَا فَفَارَقَهَا. وَقَالَ: (وَلَا تَنْكِحُوا الْيَتَامَى حَتَّى تَسْتَأْمِرُوهُنَّ فَإِذَا سَكَتْنَ فَهُوَ إِذْنُهَا). فتزوجها بعد عبد الله الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ. فَهَذَا يَرُدُّ مَا يَقُولُهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ لَمْ تَحْتَجْ إِلَى وَلِيٍّ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَقَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ «1») ذِكْرُهُ، فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ لِقَوْلِهِ (إِلَّا بِإِذْنِهَا) فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَكُونُ لِذِكْرِ الْيَتِيمِ مَعْنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ- وَفِي تَفْسِيرِ عَائِشَةَ لِلْآيَةِ مِنَ الْفِقْهِ مَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ صَدَاقُ الْمِثْلِ، وَالرَّدُّ إِلَيْهِ فِيمَا فَسَدَ مِنَ الصَّدَاقِ وَوَقَعَ الْغَبْنُ فِي مِقْدَارِهِ، لِقَوْلِهَا: بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا. فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقُ الْمِثْلِ مَعْرُوفًا لِكُلِّ صِنْفٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ أَحْوَالِهِمْ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: لِلنَّاسِ مَنَاكِحُ عُرِفَتْ لَهُمْ وَعُرِفُوا لَهَا. أَيْ صدقات وأكفاء. وسيل مالك عن رجل زوج ابنته [غنية «2»] مِنَ ابْنِ أَخٍ لَهُ فَقِيرٍ فَاعْتَرَضَتْ أُمُّهَا فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى لَهَا فِي ذَلِكَ مُتَكَلَّمًا. فَسَوَّغَ لَهَا فِي ذَلِكَ الْكَلَامَ حَتَّى يَظْهَرَ هُوَ مِنْ نَظَرِهِ مَا يُسْقِطُ اعْتِرَاضَ الْأُمِّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ (لَا أَرَى) بِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَجَائِزٌ لِغَيْرِ الْيَتِيمَةِ أَنْ تُنْكَحَ بِأَدْنَى مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا، لِأَنَّ الْآيَةَ إِنَّمَا خَرَجَتْ فِي الْيَتَامَى. هَذَا مَفْهُومُهَا وَغَيْرُ الْيَتِيمَةِ بِخِلَافِهَا. الْخَامِسَةُ- فَإِذَا بَلَغَتِ الْيَتِيمَةُ وَأَقْسَطَ الْوَلِيُّ فِي صَدَاقِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكُونُ هُوَ النَّاكِحُ وَالْمُنْكِحُ عَلَى مَا فَسَّرَتْهُ عَائِشَةُ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَالَهُ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَرَبِيعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ الليث. وقال زفر والشافعي:

(1). راجع ج 3 ص 72.

(2)

. زيادة من احكام القران لابن العربي.

ص: 14

لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، أَوْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ وَلِيٌّ لَهَا هُوَ أَقْعَدُ «1» بِهَا مِنْهُ، أَوْ مِثْلُهُ فِي الْقَعْدُدِ، «2» وَأَمَّا أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ نَاكِحًا مُنْكِحًا فَلَا. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوِلَايَةَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْعَقْدِ لِقَوْلِهِ عليه السلام:(لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ). فَتَعْدِيدُ النَّاكِحِ وَالْمُنْكِحِ وَالشُّهُودِ وَاجِبٌ، فَإِذَا اتَّحَدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ سَقَطَ وَاحِدٌ مِنَ الْمَذْكُورِينَ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ أَمْرَهَا إِلَى رَجُلٍ يُزَوِّجُهَا مِنْهُ. رُوِيَ هَذَا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) مَعْنَاهُ مَا حَلَّ لَكُمْ، عَنِ الْحَسَنِ وابن جبير وغيرهما. واكتفى بزمن يَجُوزُ نِكَاحُهُ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ كَثِيرٌ. وَقَرَأَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْجَحْدَرِيُّ وَحَمْزَةُ (طَابَ)(بِالْإِمَالَةِ) وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ (طِيبَ) بِالْيَاءِ، فَهَذَا دَلِيلُ الْإِمَالَةِ. (مِنَ النِّساءِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَالُ نِسَاءٌ إِلَّا لِمَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ. وَوَاحِدُ النِّسَاءِ نِسْوَةٌ، وَلَا وَاحِدَ لِنِسْوَةٍ مِنْ لَفْظِهِ، وَلَكِنْ يُقَالُ امْرَأَةٌ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وَمَوْضِعُهَا مِنَ الْإِعْرَابِ نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ (مَا) وَهِيَ نَكِرَةٌ لَا تَنْصَرِفُ، لِأَنَّهَا مَعْدُولَةٌ وَصِفَةٌ، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: هِيَ مَعَارِفُ، لِأَنَّهَا لَا يَدْخُلُهَا الْأَلِفُ وَاللَّامُ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ عُمَرَ فِي التَّعْرِيفِ، قَالَهُ الْكُوفِيُّ. وَخَطَّأَ الزَّجَّاجُ هَذَا الْقَوْلَ. وَقِيلَ «3»: لَمْ يَنْصَرِفْ، لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ عَنْ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ، فَأُحَادُ مَعْدُولٌ عَنْ وَاحِدٍ وَاحِدٍ، وَمَثْنَى مَعْدُولَةٌ عَنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثُ مَعْدُولَةٌ عَنْ ثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةٍ، وَرُبَاعُ عَنْ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةٍ. وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا لُغَتَانِ: فُعَالُ وَمَفْعَلُ، يُقَالُ أُحَادُ وَمَوْحَدُ وَثُنَاءُ وَمَثْنَى وَثُلَاثُ وَمَثْلَثُ وَرُبَاعُ وَمَرْبَعُ، وَكَذَلِكَ إِلَى مَعْشَرَ وَعُشَارَ. وَحَكَى أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ لُغَةً ثَالِثَةً: أُحَدُ وَثُنَى وَثُلَثُ وَرُبَعُ مِثْلَ عُمَرُ وَزُفَرُ. وَكَذَلِكَ قَرَأَ النَّخَعِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ عَنِ النَّخَعِيِّ وَابْنِ وَثَّابٍ (ثُلَاثَ وَرُبَعَ) بِغَيْرِ أَلِفٍ فِي رُبَعَ فَهُوَ مَقْصُورٌ مِنْ رُبَاعَ اسْتِخْفَافًا، كَمَا قَالَ:

(1). اقعد: اقرب إلى الحد الأكبر.

(2)

. القعدد (بضم القاف وفتح الدال وضمها) أملك القرابة في النسب.

(3)

. في أ: قال.

ص: 15

أَقْبَلَ سَيْلٌ جَاءَ مِنْ عِنْدٍ اللَّهْ

يَحْرِدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّهْ «1»

قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَلَا يُزَادُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ عَلَى الْأَرْبَعِ إِلَّا بَيْتٌ جاء عن الكميت:

فلم يستريثوك حَتَّى رَمَيْ

تَ فَوْقَ الرِّجَالِ خِصَالًا عُشَارَا

يَعْنِي طَعَنْتَ عَشَرَةً. وَقَالَ ابْنُ الدَّهَّانِ: وَبَعْضُهُمْ يَقِفُ عَلَى الْمَسْمُوعِ وَهُوَ مِنْ أُحَادَ إِلَى رُبَاعَ وَلَا يَعْتَبِرُ بِالْبَيْتِ لِشُذُوذِهِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْحَاجِبِ: وَيُقَالُ أُحَادُ وَمَوْحَدُ وَثُنَاءُ وَمَثْنَى وَثُلَاثُ وَمَثْلَثُ وَرُبَاعُ وَمَرْبَعُ. وَهَلْ يُقَالُ فِيمَا عَدَاهُ إِلَى التِّسْعَةِ أَوْ لَا يُقَالُ؟ فِيهِ خِلَافٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ. وَقَدْ نَصَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَلَى ذَلِكَ. وَكَوْنُهُ مَعْدُولًا عَنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ تُسْتَعْمَلُ فِيهِ الْأَعْدَادُ غَيْرُ الْمَعْدُولَةِ، تَقُولُ جَاءَنِي اثْنَانِ وَثَلَاثَةُ، وَلَا يَجُوزُ مَثْنَى وَثُلَاثُ حَتَّى يَتَقَدَّمَ قَبْلَهُ جَمْعٌ، مِثْلَ جَاءَنِي الْقَوْمُ أُحَادَ وَثُنَاءَ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ مِنْ غَيْرِ تَكْرَارٍ. وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ هُنَا وَفِي الْآيَةِ، وَتَكُونُ صِفَةً، وَمِثَالُ كَوْنِ هَذِهِ الْأَعْدَادِ صِفَةً يَتَبَيَّنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ «2»)[فَهِيَ «3»] صِفَةٌ لِلْأَجْنِحَةِ [وَهِيَ «4»] نَكِرَةٌ. وقال ساعدة بن جوية:

وَلَكِنَّمَا أَهْلِي بِوَادٍ أَنِيسُهُ

ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاسُ مَثْنَى وَمَوْحَدُ «5»

وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:

قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بَيْنِ مَثْنَى وَمَوْحَدِ

بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وَآخَرَ خَامِسِ «6»

فَوَصَفَ ذِئَابًا وَهِيَ نَكِرَةٌ بِمَثْنَى وَمَوْحَدِ، وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْفَرَّاءِ، أَيْ قَتَلْنَا بِهِ نَاسًا، فَلَا تَنْصَرِفُ إِذًا هَذِهِ الْأَسْمَاءُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ. وَأَجَازَ الْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ صَرْفُهُ فِي الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ نَكِرَةً. وَزَعَمَ الْأَخْفَشُ أَنَّهُ إِنْ سَمَّى بِهِ صَرَفَهُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ، لِأَنَّهُ قد زال عنه العدل.

(1). حرد يحرد بالكسر حردا: قصد.

(2)

. راجع ج 14 ص 319.

(3)

. من ب وج وط وز.

(4)

. من ب وج وط وز.

(5)

. تبغى الناس: تطالبهم. [ ..... ]

(6)

. الذي في معاني القرآن للفراء:

وأن الغلام المستهام بذكره

قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بَيْنِ مَثْنَى وَمَوْحَدِ

بِأَرْبَعَةٍ منكم وآخر خامس

وساد مع الإظلام في رمح معبد

كذا في شرح السبيل.

ص: 16

الثَّامِنَةُ- اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ لَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ تِسْعٍ، كَمَا قال مَنْ بَعُدَ فَهْمُهُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَعْرَضَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ، وَعَضَّدَ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَكَحَ تِسْعًا، وَجَمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي عِصْمَتِهِ. وَالَّذِي صَارَ إِلَى هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَقَالَ هَذِهِ «1» الْمَقَالَةَ الرَّافِضَةُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فَجَعَلُوا مَثْنَى مِثْلَ اثْنَيْنِ، وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَيْضًا إِلَى أَقْبَحَ مِنْهَا، فَقَالُوا بِإِبَاحَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ، تَمَسُّكًا مِنْهُ بِأَنَّ الْعَدْلَ فِي تِلْكَ الصِّيَغِ يُفِيدُ التَّكْرَارَ وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ، فَجَعَلَ مَثْنَى بِمَعْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ وَكَذَلِكَ ثُلَاثَ وَرُبَاعَ. وَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ بِاللِّسَانِ وَالسُّنَّةِ، وَمُخَالَفَةٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، إِذْ لَمْ يُسْمَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ أَنَّهُ جَمَعَ فِي عِصْمَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ:(اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وفارق سائرهن). وفي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَسْلَمْتُ وَعِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا). وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ كَانَ عِنْدَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ حَرَائِرَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُطَلِّقَ أَرْبَعًا وَيُمْسِكَ أَرْبَعًا. كَذَا قَالَ:(قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ)، وَالصَّوَابُ أن ذلك كان حارث ابن قَيْسٍ الْأَسَدِيَّ كَمَا ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ. وَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ السِّيَرِ الكبير: أن ذلك كان حارث ابن قَيْسٍ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. وَأَمَّا مَا أُبِيحَ مِنْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي (الْأَحْزَابِ «2»). وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْوَاوَ جَامِعَةٌ، فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ، لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ الْعَرَبَ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ. وَالْعَرَبُ لَا تَدَعُ أَنْ تَقُولَ تِسْعَةً وَتَقُولُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً. وَكَذَلِكَ تَسْتَقْبِحُ مِمَّنْ يَقُولُ: أَعْطِ فُلَانًا أَرْبَعَةً سِتَّةً ثَمَانِيَةً، وَلَا يَقُولُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ. وَإِنَّمَا الْوَاوُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَدَلٌ، أَيِ انْكِحُوا ثَلَاثًا بَدَلًا مِنْ مَثْنَى، وَرُبَاعَ بَدَلًا مِنْ ثَلَاثٍ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ بِالْوَاوِ وَلَمْ يَعْطِفْ بِأَوْ. وَلَوْ جَاءَ بِأَوْ لَجَازَ أَلَّا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْمَثْنَى ثُلَاثُ، وَلَا لِصَاحِبِ الثُّلَاثِ رُبَاعُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إِنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً،

(1). في هـ: بهذه.

(2)

. راجع ج 14 ص 212

ص: 17

وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً، فَتَحَكُّمٌ بِمَا لَا يُوَافِقُهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ عَلَيْهِ، وَجَهَالَةٌ مِنْهُمْ. وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْآخَرِينَ «1» ، بِأَنَّ مَثْنَى تَقْتَضِي اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثُلَاثَ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، وَرُبَاعَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَأَرْبَعًا أَرْبَعًا، حَصْرٌ لِلْعَدَدِ. وَمَثْنَى وَثُلَاثُ وَرُبَاعُ بِخِلَافِهَا. فَفِي الْعَدَدِ الْمَعْدُولِ عِنْدَ الْعَرَبِ زِيَادَةُ مَعْنَى لَيْسَتْ فِي الْأَصْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ: جَاءَتِ الْخَيْلُ مَثْنَى، إِنَّمَا تَعْنِي بِذَلِكَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَيْ جَاءَتْ مُزْدَوِجَةً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَكَذَلِكَ مَعْدُولُ الْعَدَدِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ أُحَادَ أَوْ عُشَارَ، فَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ وَاحِدًا وَاحِدًا، أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً، أَوْ عَشَرَةً عَشَرَةً، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ جَاءَنِي قَوْمٌ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ، أَوْ قَوْمٌ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ، فَقَدْ حَصَرْتَ عِدَّةَ الْقَوْمِ بِقَوْلِكَ ثَلَاثَةً وَعَشَرَةً. فَإِذَا قُلْتَ جَاءُونِي رُبَاعَ وَثُنَاءَ فَلَمْ تَحْصُرْ عِدَّتَهُمْ. وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنَّهُمْ جَاءُوكَ أَرْبَعَةً أَرْبَعَةً أَوِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ. وَسَوَاءٌ كَثُرَ عَدَدُهُمْ أَوْ قَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ، فَقَصْرُهُمْ كُلَّ صِيغَةٍ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقْتَضِيهِ بِزَعْمِهِ تَحَكُّمٌ. وَأَمَّا اخْتِلَافُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ خَامِسَةً وَعِنْدَهُ أَرْبَعٌ وَهِيَ: التَّاسِعَةُ- فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ كَانَ عَالِمًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُرْجَمُ إِذَا كَانَ عَالِمًا، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَدْنَى الْحَدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الْجَلْدُ، وَلَهَا مَهْرُهَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا حد عليه في شي مِنْ ذَلِكَ. هَذَا قَوْلُ النُّعْمَانِ. وَقَالَ يَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ: يُحَدُّ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ وَلَا يُحَدُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّكَاحِ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَجُوسِيَّةً أَوْ خَمْسَةً «2» فِي عُقْدَةٍ أَوْ تَزَوَّجَ [مُتْعَةً «3»] أَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ شُهُودٍ، أَوْ أَمَةً تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا لَا يَحِلُّ لَهُ يَجِبُ أَنْ يُحَدَّ فِيهِ كُلِّهِ إِلَّا التَّزَوُّجُ بِغَيْرِ شُهُودٍ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ قَالَهُ النَّخَعِيُّ فِي الرَّجُلِ يَنْكِحُ الْخَامِسَةَ مُتَعَمِّدًا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الرَّابِعَةِ مِنْ نِسَائِهِ: جَلْدُ مِائَةٍ وَلَا يُنْفَى. فَهَذِهِ فُتْيَا عُلَمَائِنَا «4» فِي الْخَامِسَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فكيف بما فوقها.

(1). في ا: جهله الآخرون لان. إلخ.

(2)

. في ج: أو ستة أو خمسة.

(3)

. كذا في ط وج وب وز وهـ وى. وفى ا: معتدة. ولعله أحق.

(4)

. في ط وب وج وى: علماء المسلمين.

ص: 18

الْعَاشِرَةُ- ذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ الْحِزَامِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: أَتَتِ امْرَأَةٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ زَوْجِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ أَشْكُوَهُ، وَهُوَ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عز وجل. فَقَالَ لَهَا: نِعْمَ الزَّوْجُ «1» زَوْجُكِ. فَجَعَلَتْ تكرر عليه القول و [هو «2»] يُكَرِّرُ عَلَيْهَا الْجَوَابَ. فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ الْأَسَدِيُّ: «3» يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ تَشْكُو زَوْجَهَا فِي مُبَاعَدَتِهِ إِيَّاهَا عَنْ فِرَاشِهِ. فَقَالَ عُمَرُ: كَمَا فَهِمْتَ كَلَامَهَا فَاقْضِ بَيْنَهُمَا. فَقَالَ كَعْبٌ: عَلَيَّ بِزَوْجِهَا، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ امْرَأَتَكَ هَذِهِ تَشْكُوكَ. قَالَ: أَفِي طَعَامٍ أَمْ شَرَابٍ؟ قَالَ لَا. فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ:

يَا أَيُّهَا الْقَاضِي الْحَكِيمُ رَشَدُهْ

أَلْهَى خَلِيلِي عَنْ فِرَاشِي مَسْجِدُهْ

زَهَّدَهُ فِي مَضْجَعِي تَعَبُّدُهْ

فَاقْضِ الْقَضَا كَعْبُ وَلَا تُرَدِّدُهْ

نَهَارُهُ وَلَيْلُهُ مَا يَرْقُدُهْ

فَلَسْتُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ أَحْمَدُهْ

فَقَالَ زَوْجُهَا:

زَهَّدَنِي فِي فَرْشِهَا وَفِيَّ الْحَجَلْ «4»

أَنِّي امْرُؤٌ أَذْهَلَنِي مَا قَدْ نَزَلْ

فِي سُورَةِ النَّحْلِ وَفِي السَّبْعِ «5» الطِّوَلْ

وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَخْوِيفٌ جَلَلْ

فَقَالَ كَعْبٌ:

إِنَّ لَهَا عَلَيْكَ حَقًّا يَا رَجُلْ

نَصِيبُهَا فِي أَرْبَعٍ لِمَنْ عَقَلْ

فَأَعْطِهَا ذَاكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَدْ أَحَلَّ لَكَ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، فَلَكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ تَعْبُدُ فِيهِنَّ رَبَّكَ. فَقَالَ عُمَرُ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مِنْ أَيِّ أَمْرَيْكَ أَعْجَبُ؟ أَمِنْ فَهْمِكَ أَمْرَهُمَا أَمْ مِنْ حُكْمِكَ بَيْنَهُمَا؟ اذْهَبْ فَقَدْ وَلَّيْتُكَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ. وَرَوَى أَبُو هدبة إبراهيم

(1). في ب وط: نعم الرجل.

(2)

. من ب وط وهـ وز.

(3)

. هو كعب بن سوار الأزدي. راجع أسد الغابة.

(4)

. الجحل: جمع جحلة بفتحتين، وهى بيت يزين للعروس بالثياب والأسرة والستور.

(5)

. السبع الطول من سور القرآن وهى الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ وَالنِّسَاءُ وَالْمَائِدَةُ وَالْأَنْعَامُ وَالْأَعْرَافُ واختلفوا في السابعة فمنهم من قال براءة والأنفال عدهما سورة واحدة، ومنهم من جعلها سورة يونس. والطول جمع الطولى. وفى ب وج وز وهـ: النمل بدل النحل.

ص: 19

ابن هُدْبَةَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ تَسْتَعْدِي زَوْجَهَا، فَقَالَتْ: لَيْسَ لِي مَا لِلنِّسَاءِ، زَوْجِي يَصُومُ الدَّهْرَ. قَالَ:(لَكِ يَوْمٌ وَلَهُ يَوْمٌ، لِلْعِبَادَةِ يَوْمٌ وَلِلْمَرْأَةِ يَوْمٌ). الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: فِي الْمَيْلِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْجِمَاعِ وَالْعِشْرَةِ والقسم بين الزوجات الأربع والثلاث والاثنين، (فَواحِدَةً). فَمَنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقُرِئَتْ بِالرَّفْعِ، أَيْ فَوَاحِدَةٌ فِيهَا كِفَايَةٌ أَوْ كَافِيَةٌ. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: فَوَاحِدَةٌ تُقْنِعُ. وَقُرِئَتْ بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَيْ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً. الثَّانِيةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يُرِيدُ الْإِمَاءَ. وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى (فَواحِدَةً) أَيْ إِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فِي وَاحِدَةٍ فَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ. وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَلَّا حَقَّ لِمِلْكِ اليمين في الوطي ولا القسم، لا ن الْمَعْنَى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) فِي الْقَسْمِ (فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فَجَعَلَ مِلْكَ الْيَمِينِ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَانْتَفَى بِذَلِكَ أَنْ يكون للإماء حق في الوطي أَوْ فِي الْقَسْمِ. إِلَّا أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فِي الْعَدْلِ قَائِمٌ بِوُجُوبِ حُسْنِ الْمَلَكَةِ وَالرِّفْقِ بِالرَّقِيقِ. وَأَسْنَدَ تَعَالَى الْمِلْكَ إِلَى الْيَمِينِ إِذْ هِيَ صِفَةُ مَدْحٍ، وَالْيَمِينُ مَخْصُوصَةٌ بِالْمَحَاسِنِ لِتَمَكُّنِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّهَا الْمُنْفِقَةُ؟ كَمَا قَالَ عليه السلام:(حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) وَهِيَ الْمُعَاهِدَةُ الْمُبَايِعَةُ، وَبِهَا سُمِّيَتِ الْأَلِيَّةُ يَمِينًا، وَهِيَ الْمُتَلَقِّيَةُ لِرَايَاتِ الْمَجْدِ، كَمَا قَالَ:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ «1»

الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أَيْ ذَلِكَ أَقْرَبُ إِلَى أَلَّا تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ وَتَجُورُوا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمَا. يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعُولُ إِذَا جَارَ وَمَالَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: عَالَ السَّهْمُ عَنِ الْهَدَفِ مَالَ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّهُ لعائل الكيل والوزن، قال الشاعر:

(1). البيت للشماخ، يمدح عرابة الأوسي. وقبله:

رأيت عرابة الأوسي يسمو

إلى الخيرات منقطع القرين

ص: 20

قَالُوا «1» اتَّبَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ وَاطَّرَحُوا

قَوْلَ الرَّسُولِ وَعَالُوا فِي الْمَوَازِينِ

أَيْ جَارُوا. وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ:

بِمِيزَانِ صِدْقٍ لَا يَغُلُّ «2» شَعِيرَةً

لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

يُرِيدُ غَيْرَ مَائِلٍ. وَقَالَ آخَرُ:

ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ وَثَلَاثُ ذَوْدٍ

لَقَدْ عَالَ الزَّمَانُ عَلَى عِيَالِي «3»

أَيْ جَارَ وَمَالَ. وَعَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ فَصَارَ عَالَةً. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً «4»). وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ

وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ «5»

وَهُوَ عَائِلٌ وَقَوْمٌ عَيْلَةٌ، وَالْعَيْلَةُ وَالْعَالَةُ الْفَاقَةُ، وَعَالَنِي الشَّيْءُ يَعُولُنِي إِذَا غَلَبَنِي وَثَقُلَ عَلَيَّ، وَعَالَ الْأَمْرُ اشْتَدَّ وَتَفَاقَمَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:(أَلَّا تَعُولُوا) أَلَّا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وَمَا قَالَ هَذَا غَيْرُهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: أَعَالَ يُعِيلُ إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ. وَزَعَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ عَالَ عَلَى سَبْعَةِ مَعَانٍ لَا ثَامِنَ لَهَا، يُقَالُ: عَالَ مَالَ، الثَّانِي زَادَ، الثَّالِثُ جَارَ، الرَّابِعُ افْتَقَرَ، الْخَامِسُ أُثْقِلَ، حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ. قَالَتْ الْخَنْسَاءُ:

وَيَكْفِي الْعَشِيرَةَ «6» مَا عَالَهَا

السَّادِسُ عَالَ قَامَ بِمَئُونَةِ الْعِيَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام:(وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ). السَّابِعُ عَالَ غَلَبَ، وَمِنْهُ عِيلَ صَبْرُهُ «7». أَيْ غُلِبَ. وَيُقَالُ: أَعَالَ الرَّجُلُ كَثُرَ عِيَالُهُ. وَأَمَّا عَالَ بِمَعْنَى كَثُرَ عِيَالُهُ فلا يصح.

(1). في اللسان مادة عول: انا تبعنا

إلخ. [ ..... ]

(2)

. في ج: يخيس. وفي ابن عطية رواية:

بميزان قسط لا يخيس شعيرة

ووازن صدق وزنه غير عائل

(3)

. البيت للحطيئة. وفية شاهد آخر، وهو تذكير الثلاثة والنفس مؤنثة لحملها على معنى الشخص وثلاث ذود: أنوق كان يقوم بها على عياله ففضلت له، في ب وى وط د: نحن ثلاثة. وهى رواية الأغاني ج 2 ص 173.

(4)

. راجع ج 8 ص 106.

(5)

. البيت لاحيحة بن الجلاح وبعده:

وما تدري إذا أزمعت أمرا

بأي الأرض يدركك المقيل

(6)

. في ديوانها:

وما كان أدنى ولكنه

سيكفي العشيرة ما عالها

(7)

. في ب وهـ: صبري.

ص: 21

قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُ الثَّعْلَبِيِّ (مَا قَالَهُ غَيْرُهُ) فقد الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، فَهَذَانَ إِمَامَانِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ قَدْ سَبَقَا الشَّافِعِيَّ إِلَيْهِ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْحَصْرِ وَعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا: عَالَ الْأَمْرُ اشْتَدَّ وَتَفَاقَمَ، حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبَيْهِ:(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُقَالُ عَالَ الرَّجُلُ فِي الْأَرْضِ يَعِيلُ فِيهَا أَيْ «1» ضَرَبَ فِيهَا. وَقَالَ الْأَحْمَرُ: يُقَالُ عَالَنِي الشَّيْءُ يَعِيلُنِي عَيْلًا وَمَعِيلًا إِذَا أَعْجَزَكَ). وَأَمَّا عَالَ كَثُرَ عِيَالُهُ فَذَكَرَهُ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُمَرَ الدُّورِيُّ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ. قَالَ الْكِسَائِيُّ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ: الْعَرَبُ تَقُولُ عَالَ يَعُولُ وَأَعَالَ يُعِيلُ أَيْ كَثُرَ عِيَالُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ أَعْلَمُ بِلُغَةِ الْعَرَبِ مِنَّا، وَلَعَلَّهُ لُغَةٌ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ: قَالَ أُسْتَاذُنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ حَبِيبٍ: سَأَلْتُ أَبَا عُمَرَ الدُّورِيَّ عَنْ هَذَا وَكَانَ إِمَامًا فِي اللُّغَةِ غَيْرَ مُدَافَعٍ فَقَالَ: هِيَ لُغَةُ حِمْيَرٍ، وَأَنْشَدَ:

وَإِنَّ الْمَوْتَ يَأْخُذُ كُلَّ حَيٍّ

بِلَا شَكٍّ وَإِنْ أَمْشَى وَعَالَا

يَعْنِي وَإِنْ كَثُرَتْ مَاشِيَتُهُ وَعِيَالُهُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لَقَدْ كَثُرَتْ وُجُوهُ الْعَرَبِ حَتَّى خَشِيتُ «2» أَنْ آخُذَ عَنْ لَاحِنٍ لَحْنًا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ (أَلَّا تُعِيلُوا) وَهِيَ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدَحَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ فِي تَأْوِيلِ عَالَ مِنَ الْعِيَالِ بِأَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ كَثْرَةَ السَّرَارِي وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ الْعِيَالِ، فَكَيْفَ يَكُونُ أَقْرَبُ إِلَى أَلَّا يَكْثُرَ الْعِيَالُ. وَهَذَا الْقَدْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ السَّرَارِي إِنَّمَا هِيَ مَالٌ يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا [الْعِيَالُ «3»] الْقَادِحُ الْحَرَائِرُ ذَوَاتُ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ. وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: عَالَ الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- تَعَلَّقَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ أَجَازَ لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:(فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) يَعْنِي مَا حَلَّ (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) وَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ. وَهُوَ قَوْلُ دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَتَحْصِيلُ مَذْهَبِهِ عَلَى مَا فِي مُوَطَّئِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ. وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَتَزَوَّجُ إلا اثنتين، قال وهو قول الليث. فال أَبُو عُمَرَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا والثوري

(1). قي ط: إذا.

(2)

. في ب وى ط وز: حييت.

(3)

. الزيادة في ط وج وب، وابن عطية، والبحر.

ص: 22