الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ إِلَّا مَا حَمَلَ الْقَسْمُ (. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَيَدَعَ شَيْئًا إِنْ قُسِمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ. يَقُولُ: فَلَا يُقْسَمُ، وَذَلِكَ مِثْلُ الْجَوْهَرَةِ وَالْحَمَّامِ وَالطَّيْلَسَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَالتَّعْضِيَةُ التَّفْرِيقُ، يُقَالُ: عَضَيْتُ الشَّيْءَ إِذَا فَرَّقْتُهُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ)«1» . وَقَالَ تَعَالَى: (غَيْرَ مُضَارٍّ) فَنَفَى الْمُضَارَّةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ عليه السلام: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ). وَأَيْضًا فَإِنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اقْتَضَتِ الْآيَةُ وُجُوبَ الْحَظِّ وَالنَّصِيبِ لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، رَدًّا عَلَى الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ:(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ)(وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ) وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا. فَأَمَّا إِبْرَازُ ذَلِكَ النَّصِيبِ فَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ: قَدْ وَجَبَ لِي نَصِيبٌ بِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل فَمَكِّنُونِي مِنْهُ، فَيَقُولُ لَهُ شَرِيكُهُ: أَمَّا تَمْكِينُكَ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَلَا يُمْكِنُ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى ضَرَرٍ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنْ إِفْسَادِ الْمَالِ، وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ، وَتَنْقِيصِ الْقِيمَةِ، فَيَقَعُ التَّرْجِيحُ. وَالْأَظْهَرُ سُقُوطُ الْقِسْمَةِ فِيمَا يُبْطِلُ الْمَنْفَعَةَ وَيُنْقِصُ الْمَالَ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ. وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ. قَالَ الْفَرَّاءُ:(نَصِيبًا مَفْرُوضًا) هُوَ كَقَوْلِكَ: قَسْمًا وَاجِبًا، وَحَقًّا لَازِمًا، فَهُوَ اسْمٌ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَلِهَذَا انْتَصَبَ. الزَّجَّاجُ: انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ. أَيْ لِهَؤُلَاءِ أَنْصِبَاءُ فِي حَالِ الْفَرْضِ. الْأَخْفَشُ: أَيْ جعل الله ذلك لهم نصيبا. والمفروض: المقدر الواجب.
[سورة النساء (4): آية 8]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (8)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إِرْثًا وَحَضَرَ الْقِسْمَةَ، وَكَانَ مِنَ الْأَقَارِبِ أَوِ الْيَتَامَى وَالْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ أَنْ يُكْرَمُوا وَلَا يُحْرَمُوا، إِنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا، وَالِاعْتِذَارُ إِلَيْهِمْ إِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَقْبَلُ الرَّضْخَ «2» . وَإِنْ كَانَ عَطَاءً مِنَ الْقَلِيلِ ففيه أجر عظيم،
(1). راجع ج 10 ص 58.
(2)
. الرضخ هنا: العطاء القليل.
دِرْهَمٌ يَسْبِقُ مِائَةَ «1» أَلْفٍ. فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُحْكَمَةٌ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَامْتَثَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ: عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ، وَأَمَرَ بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ). وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: نَسَخَهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ. وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ أَبُو مَالِكٍ وَعِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَإِنَّهَا مُبَيِّنَةٌ اسْتِحْقَاقَ الْوَرَثَةِ لِنَصِيبِهِمْ، وَاسْتِحْبَابَ الْمُشَارَكَةِ لِمَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ مِمَّنْ حَضَرَهُمْ. قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: ضَيَّعَ النَّاسُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالَ الْحَسَنُ: وَلَكِنَّ النَّاسَ شَحُّوا. وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ) قَالَ: هِيَ «2» مُحْكَمَةٌ وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ، لَا وَاللَّهِ مَا نُسِخَتْ وَلَكِنَّهَا مِمَّا تَهَاوَنَ بِهَا، هُمَا وَالِيَانِ: وَالٍ يَرِثُ وَذَلِكَ الَّذِي يَرْزُقُ، وَوَالٍ لَا يَرِثُ وَذَلِكَ الَّذِي يَقُولُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَقُولُ: لَا أَمْلِكُ لَكَ أَنْ أُعْطِيَكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قِسْمَةِ مَوَارِيثِهِمْ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَيَتَامَاهُمْ وَمَسَاكِينَهُمْ مِنَ الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَصِيَّةٌ وَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ، أَنْ يَكُونَ عَلَى النَّدْبِ وَالتَّرْغِيبِ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ، وَالشُّكْرِ لِلَّهِ عز وجل. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذَا الرَّضْخُ «3» وَاجِبٌ عَلَى جِهَةِ الْفَرْضِ، تُعْطِي الْوَرَثَةُ لِهَذِهِ الْأَصْنَافِ مَا طَابَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ، كَالْمَاعُونِ وَالثَّوْبِ الْخَلِقِ وَمَا خَفَّ. حَكَى هَذَا الْقَوْلَ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْقُشَيْرِيُّ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا عَلَى النَّدْبِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ اسْتِحْقَاقًا فِي التَّرِكَةِ وَمُشَارَكَةً فِي الْمِيرَاثِ، لِأَحَدِ الْجِهَتَيْنِ مَعْلُومٌ وَلِلْآخَرِ مَجْهُولٌ. وَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِلْحِكْمَةِ، وَسَبَبٌ لِلتَّنَازُعِ وَالتَّقَاطُعِ. وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ وَالْمُرَادَ فِي الْآيَةِ الْمُحْتَضَرُونَ الَّذِينَ يَقْسِمُونَ أَمْوَالَهُمْ بِالْوَصِيَّةِ، لَا الْوَرَثَةُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَابْنِ زَيْدٍ. فَإِذَا أَرَادَ الْمَرِيضُ أَنْ يُفَرِّقَ مَالَهُ بِالْوَصَايَا وَحَضَرَهُ مَنْ لَا يَرِثُ يَنْبَغِي لَهُ أَلَّا يَحْرِمَهُ. وَهَذَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ-. يَتَنَزَّلُ حَيْثُ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ، وَلَمْ تَنْزِلْ آيَةُ الْمِيرَاثِ. وَالصَّحِيحُ الأول وعليه المعول.
(1). في ج: درهم سبعمائة ألف. [ ..... ]
(2)
. في ى: بين أنها.
(3)
. الرضخ: العطية القليلة.