المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4): آية 58] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٥

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[تفسير سُورَةُ النِّسَاءِ]

- ‌[سورة النساء (4): آيَةً 1]

- ‌[سورة النساء (4): آية 2]

- ‌[سورة النساء (4): آية 3]

- ‌[سورة النساء (4): آية 4]

- ‌[سورة النساء (4): آية 5]

- ‌[سورة النساء (4): آية 6]

- ‌[سورة النساء (4): آية 7]

- ‌[سورة النساء (4): آية 8]

- ‌[سورة النساء (4): آية 9]

- ‌[سورة النساء (4): آية 10]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 11 الى 14]

- ‌[سورة النساء (4): آية 15]

- ‌[سورة النساء (4): آية 16]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 17 الى 18]

- ‌[سورة النساء (4): آية 19]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 20 الى 21]

- ‌[سورة النساء (4): آية 22]

- ‌[سورة النساء (4): آية 23]

- ‌[سورة النساء (4): آية 24]

- ‌[سورة النساء (4): آية 25]

- ‌[سورة النساء (4): آية 26]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 27 الى 28]

- ‌[سورة النساء (4): آية 29]

- ‌[سورة النساء (4): آية 30]

- ‌[سورة النساء (4): آية 31]

- ‌[سورة النساء (4): آية 32]

- ‌[سورة النساء (4): آية 33]

- ‌[سورة النساء (4): آية 34]

- ‌[سورة النساء (4): آية 35]

- ‌[سورة النساء (4): آية 36]

- ‌[سورة النساء (4): آية 37]

- ‌[سورة النساء (4): آية 38]

- ‌[سورة النساء (4): آية 39]

- ‌[سورة النساء (4): آية 40]

- ‌[سورة النساء (4): آية 41]

- ‌[سورة النساء (4): آية 42]

- ‌[سورة النساء (4): آية 43]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 44 الى 53]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 54 الى 55]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 56 الى 57]

- ‌[سورة النساء (4): آية 58]

- ‌[سورة النساء (4): آية 59]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 60 الى 61]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 62 الى 63]

- ‌[سورة النساء (4): آية 64]

- ‌[سورة النساء (4): آية 65]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 66 الى 68]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 69 الى 70]

- ‌[سورة النساء (4): آية 71]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 72 الى 73]

- ‌[سورة النساء (4): آية 74]

- ‌[سورة النساء (4): آية 75]

- ‌[سورة النساء (4): آية 76]

- ‌[سورة النساء (4): آية 77]

- ‌[سورة النساء (4): آية 78]

- ‌[سورة النساء (4): آية 79]

- ‌[سورة النساء (4): آية 80]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 81 الى 82]

- ‌[سورة النساء (4): آية 83]

- ‌[سورة النساء (4): آية 84]

- ‌[سورة النساء (4): آية 85]

- ‌[سورة النساء (4): آية 86]

- ‌[سورة النساء (4): آية 87]

- ‌[سورة النساء (4): آية 88]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 89 الى 90]

- ‌[سورة النساء (4): آية 91]

- ‌[سورة النساء (4): آية 92]

- ‌[سورة النساء (4): آية 93]

- ‌[سورة النساء (4): آية 94]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 95 الى 96]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 97 الى 99]

- ‌[سورة النساء (4): آية 100]

- ‌[سورة النساء (4): آية 101]

- ‌[سورة النساء (4): آية 102]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 103 الى 104]

- ‌[سورة النساء (4): آية 105]

- ‌[سورة النساء (4): آية 106]

- ‌[سورة النساء (4): آية 107]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 108 الى 109]

- ‌[سورة النساء (4): آية 110]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 111 الى 112]

- ‌[سورة النساء (4): آية 113]

- ‌[سورة النساء (4): آية 114]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 115 الى 116]

- ‌[سورة النساء (4): آية 117]

- ‌[سورة النساء (4): آية 118]

- ‌[سورة النساء (4): آية 119]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 120 الى 122]

- ‌[سورة النساء (4): آية 123]

- ‌[سورة النساء (4): آية 124]

- ‌[سورة النساء (4): آية 125]

- ‌[سورة النساء (4): آية 126]

- ‌[سورة النساء (4): آية 127]

- ‌[سورة النساء (4): آية 128]

- ‌[سورة النساء (4): آية 129]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 130 الى 132]

- ‌[سورة النساء (4): آية 133]

- ‌[سورة النساء (4): آية 134]

- ‌[سورة النساء (4): آية 135]

- ‌[سورة النساء (4): آية 136]

- ‌[سورة النساء (4): آية 137]

- ‌[سورة النساء (4): آية 138]

- ‌[سورة النساء (4): آية 139]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 140 الى 141]

- ‌[سورة النساء (4): آية 142]

- ‌[سورة النساء (4): آية 143]

- ‌[سورة النساء (4): آية 144]

- ‌[سورة النساء (4): آية 145]

- ‌[سورة النساء (4): آية 146]

- ‌[سورة النساء (4): آية 147]

الفصل: ‌[سورة النساء (4): آية 58]

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ: أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ! ذَمَّتْ دَهْرَهَا، وَأَنْشَدَتْ بَيْتَيْ لَبِيدٍ:

ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِمْ

وَبَقِيتُ فِي خَلَفٍ «1» كَجِلْدِ الْأَجْرَبِ

يَتَلَذَّذُونَ مَجَانَةً وَمَذَلَّةً

وَيُعَابُ قَائِلُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَشْغَبِ

فَقَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا فَكَيْفَ لَوْ أَدْرَكَ زَمَانَنَا هَذَا! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَئِنْ ذَمَّتْ عَائِشَةُ دَهْرَهَا لَقَدْ ذَمَّتْ (عَادٌ) دَهْرَهَا، لأنه وجد في خزانة (عاد) بعد ما هَلَكُوا بِزَمَنٍ طَوِيلٍ سَهْمٌ كَأَطْوَلِ مَا يَكُونُ مِنْ رِمَاحِ ذَلِكَ الزَّمَنِ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ:

بِلَادٌ بِهَا كُنَّا وَنَحْنُ بِأَهْلِهَا «2»

إِذِ النَّاسُ نَاسٌ وَالْبِلَادُ بِلَادُ

الْبِلَادُ بَاقِيَةٌ كَمَا هِيَ إِلَّا أَنَّ أَحْوَالَهَا وَأَحْوَالَ أَهْلِهَا تَنَكَّرَتْ وَتَغَيَّرَتْ. (إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً) أي لا يعجزه شي وَلَا يَفُوتُهُ. (حَكِيماً) فِي إِيعَادِهِ عِبَادَهُ. وَقَوْلُهُ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) يَعْنِي كَثِيفًا لَا شَمْسَ فِيهِ. الْحَسَنُ: وُصِفَ بِأَنَّهُ ظَلِيلٌ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ مَا يَدْخُلُ ظِلَّ الدُّنْيَا مِنَ الْحَرِّ وَالسَّمُومِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي ظِلَالَ الْأَشْجَارِ وَظِلَالَ قُصُورِهَا. الكلبي: (ظِلًّا ظَلِيلًا) يعني دائما.

[سورة النساء (4): آية 58]

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قوله تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ) هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ الْأَحْكَامِ تَضَمَّنَتْ جَمِيعَ الدِّينِ وَالشَّرْعِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ مَنِ الْمُخَاطَبُ بها، فقال علي بن أبى طالب

(1). الخلف (بسكون اللام): الاردياء الأخساء. والمجانة: الا يبالى الإنسان بما صنع وما قيل له. ويروى: يتحدثون مخانة وملاذه. والمخانة مصدر من الخيانة والميم زائدة. ويشغب: يميل عن الطريق والقصد.

(2)

. في ج وط وز: من أهلها.

ص: 255

وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَابْنُ زَيْدٍ: هَذَا خِطَابٌ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، فَهِيَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَرَائِهِ، ثُمَّ تَتَنَاوَلُ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: ذَلِكَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً فِي أَمْرِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ حِينَ أَخَذَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ الْعَبْدَرِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَمِنَ ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَا كَافِرَيْنِ وَقْتَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَطَلَبَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِتَنْضَافَ لَهُ السِّدَانَةُ إِلَى السِّقَايَةِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ فَكَسَرَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَخْرَجَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَمَا كُنْتُ سَمِعْتُهَا قَبْلُ مِنْهُ، فَدَعَا عُثْمَانَ وَشَيْبَةَ فَقَالَ:(خُذَاهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ). وَحَكَى مَكِّيٌّ: أَنَّ شَيْبَةَ أَرَادَ أَلَّا يَدْفَعَ الْمِفْتَاحَ، ثُمَّ دَفَعَهُ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: خُذْهُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْآيَةُ فِي الْوُلَاةِ خَاصَّةً فِي أَنْ يَعِظُوا النِّسَاءَ فِي النُّشُوزِ وَنَحْوِهِ وَيَرُدُّوهُنَّ إِلَى الْأَزْوَاجِ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النَّاسِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ فِيمَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ وَرَدِّ الظُّلَامَاتِ وَالْعَدْلِ فِي الْحُكُومَاتِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَتَتَنَاوَلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَالتَّحَرُّزِ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَالرَّجُلِ يَحْكُمُ فِي نَازِلَةٍ مَا وَنَحْوَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يكفر الذنوب كلها) أو قال: (كل شي إِلَّا الْأَمَانَةَ «1» - وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ). ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي الْحِلْيَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ ابن كعب قالوا: الأمانة في كل شي فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْوَدَائِعِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُرَخِّصِ اللَّهُ لِمُعْسِرٍ وَلَا لِمُوسِرٍ أَنْ يُمْسِكَ الْأَمَانَةَ. قُلْتُ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمَانَاتِ مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا الْأَبْرَارِ مِنْهُمْ وَالْفُجَّارِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالْأَمَانَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَلِذَلِكَ جمع. ووجه النظم بما

(1). تقدم الحديث (القتل في سبيل الله يكفر كل شي الا الدين) راجع ص 272 ج 4 فما بعد.

ص: 256

تَقَدَّمَ أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ كِتْمَانِ أَهْلِ الْكِتَابِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا، فَكَانَ ذَلِكَ خِيَانَةً مِنْهُمْ فَانْجَرَّ الْكَلَامُ إِلَى ذِكْرِ جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ، فَالْآيَةُ شَامِلَةٌ بِنَظْمِهَا لِكُلِّ أَمَانَةٍ وَهِيَ أَعْدَادٌ كَثِيرَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأُمَّهَاتُهَا فِي الْأَحْكَامِ: الْوَدِيعَةُ وَاللُّقَطَةُ وَالرَّهْنُ وَالْعَارِيَةُ. وَرَوَى أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ). أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَرَوَاهُ أَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ «1») مَعْنَاهُ. وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ: (الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ وَالْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ وَالزَّعِيمُ غَارِمٌ). صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ. وَزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَقَالَ رَجُلٌ: فَعَهْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: (عَهْدُ اللَّهِ أَحَقُّ مَا أُدِّيَ). وَقَالَ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَأَنَّهَا مَضْمُونَةٌ- عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَتْ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهَا أَوْ لَا يُغَابُ تَعَدَّى فِيهَا أَوْ لَمْ يَتَعَدَّ- عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَشْهَبُ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما ضَمَّنَا الْوَدِيعَةَ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ فَتَلِفَ عِنْدَهُ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي تَلَفِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ) هُوَ كَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها). فَإِذَا تَلِفَتِ الْأَمَانَةُ لَمْ يَلْزَمِ الْمُؤْتَمَنَ غُرْمُهَا لِأَنَّهُ مُصَدَّقٌ، فَكَذَلِكَ الْعَارِيَةُ إِذَا تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهَا عَلَى الضَّمَانِ، فَإِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ قِيمَتُهَا لِجِنَايَتِهِ عَلَيْهَا. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي الْعَارِيَةِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ، عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ). وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ بِقَوْلِ صَفْوَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا اسْتَعَارَ مِنْهُ الْأَدْرَاعَ: أَعَارِيَةٌ مَضْمُونَةٌ أَوْ عَارِيَةٌ مؤداة؟ فقال: (بل عارية مؤداة).

(1). راجع ج 3 ص 406 فما بعدها ..

ص: 257