الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَزَوَّجْتَ (؟ قَالَ: لَا، وَلَيْسَ مَعِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ. قَالَ: أَلَيْسَ مَعَكَ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: (ثُلُثُ الْقُرْآنِ، أَلَيْسَ مَعَكَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ)؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: (رُبْعُ الْقُرْآنِ، أَلَيْسَ مَعَكَ (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ: (رُبُعُ الْقُرْآنِ)، أَلَيْسَ مَعَكَ (إِذا زُلْزِلَتِ) (؟ قَالَ: بَلَى! قَالَ:) رُبُعُ الْقُرْآنِ. تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ (. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ حَدِيثَ سَهْلٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ تُبَيِّنُ، مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَنْكِحْ هَذِهِ)؟ فَقَامَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ:(أَلَكَ مَالٌ)؟ قَالَ: لَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:(فَهَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا)؟. قَالَ: نَعَمْ، سُورَةُ الْبَقَرَةِ، وَسُورَةُ الْمُفَصَّلِ «1». فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُقْرِئَهَا وَتُعَلِّمَهَا وَإِذَا رَزَقَكَ اللَّهُ عَوَّضْتَهَا). فَتَزَوَّجَهَا الرَّجُلُ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا نَصٌّ- لَوْ صَحَّ- فِي أَنَّ التَّعْلِيمَ لَا يَكُونُ صَدَاقًا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ عُتْبَةُ بْنُ السَّكَنِ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَ (فَرِيضَةً) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ مَفْرُوضَةً. الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ فِي الْمَهْرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ سَائِغٌ عِنْدَ التَّرَاضِي بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْفَرِيضَةِ. وَالْمُرَادُ إِبْرَاءُ الْمَرْأَةِ عَنِ الْمَهْرِ، أَوْ تَوْفِيَةُ الرَّجُلِ كُلَّ الْمَهْرِ إِنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْآيَةَ فِي الْمُتْعَةِ: هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَةٍ فِي مُدَّةِ الْمُتْعَةِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ شَهْرًا عَلَى دِينَارٍ مَثَلًا، فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ فَرُبَّمَا كَانَ يَقُولُ: زِيدِينِي فِي الْأَجَلِ أَزِدْكِ فِي الْمَهْرِ. فَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كان جائزا عند التراضي.
[سورة النساء (4): آية 25]
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25)
(1). الإضافة في سورة المفضل بمعنى من.
فِيهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) الْآيَةَ. نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْفِيفٍ فِي النِّكَاحِ «1» وَهُوَ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الطَّوْلَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ. فِي مَعْنَى الطَّوْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- السَّعَةُ وَالْغِنَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. يُقَالُ: طَالَ يَطُولُ طَوْلًا فِي الْإِفْضَالِ وَالْقُدْرَةِ. وَفُلَانٌ ذُو طَوْلٍ أَيْ ذُو قُدْرَةٍ في مال (بِفَتْحِ الطَّاءِ). وَطُولًا (بِضَمِّ الطَّاءِ) فِي ضِدِّ القصر. والمراد هاهنا القدرة على المهر فقول أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: الطَّوْلُ كُلُّ مَا يُقْدَرُ بِهِ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَلِيٍّ. قَالَ: وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْلٌ. قَالَ: وَلَيْسَتِ الزَّوْجَةُ وَلَا الزَّوْجَتَانِ وَلَا الثَّلَاثَةُ طَوْلًا. وَقَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ رضي الله عنه. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُنْكَحُ بِهَا وَلَا يَصِلُ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا إِذْ لَيْسَتْ بِمَالٍ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ. قَالَ: السَّوْطُ يُضْرَبُ بِهِ. ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: الطَّوْلُ الْحُرَّةُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحُرَّةِ هَلْ هِيَ طَوْلٌ أَمْ لَا، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَتِ الْحُرَّةُ بِطَوْلٍ تَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ سَعَةً لِأُخْرَى وَخَافَ الْعَنَتَ. وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرَّةَ بِمَثَابَةِ الطَّوْلِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ عُدِمَ السَّعَةَ وَخَافَ الْعَنَتَ، لِأَنَّهُ طَالِبُ شَهْوَةٍ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ، وَقَالَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الطَّوْلُ هُوَ وجود الحرة
(1). في ب ود وط وز وى: المناكح. وهو جمع كمقعد ومقاعد. وفى ج وا وج. النكاح.
تَحْتَهُ، فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَهُوَ ذُو طَوْلٍ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: الطَّوْلُ الْجَلَدُ وَالصَّبْرُ لِمَنْ أَحَبَّ أَمَةً وهويها حتى صار لذلك لا يستطع أَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ هَوَاهَا وَخَافَ أَنْ يَبْغِيَ بِهَا وَإِنْ كَانَ يَجِدُ سَعَةً فِي الْمَالِ لِنِكَاحِ حُرَّةٍ، هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى:(لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ عَدَمِ الْجَلَدِ. وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ تَزْوِيجُ الْأَمَةِ مُعَلَّقًا بِشَرْطَيْنِ: عَدَمُ السَّعَةِ فِي الْمَالِ، وَخَوْفُ الْعَنَتِ، فَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا. وَهَذَا هُوَ نَصُّ مَذْهَبِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ زِيَادٍ. قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً، وَلَا يُقَرَّانِ إِلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ الشَّرْطَانِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى. وقال أَصْبَغُ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ وَجَدَ الْمَهْرَ وَعَدِمَ النَّفَقَةَ فَقَالَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً. وَقَالَ أَصْبَغُ: ذَلِكَ جَائِزٌ، إِذْ نَفَقَةُ الْأَمَةِ عَلَى أَهْلِهَا إِذَا لَمْ يَضُمَّهَا إِلَيْهِ. وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ رَابِعٌ: قَالَ مُجَاهِدٌ: مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا. وَقَالَ بِذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ خَوْفَ الْعَنَتِ، إِذَا لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ. قَالُوا: لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ الْأَمَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهِ الْحُرَّةَ، فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا أَصْلٌ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الْأَمَةِ مُطْلَقًا. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ، وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْتُهُ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ فَحَدَّثَنِي. عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: إِذَا نُكِحَتِ الْحُرَّةُ عَلَى الْأَمَةِ كَانَ لِلْحُرَّةِ يَوْمَانِ وَلِلْأَمَةِ يَوْمٌ. قَالَ: وَلَمْ يَرَ عَلِيٌّ بِهِ بَأْسًا. وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ). وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) إِلَى قَوْلِهِ: (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ)، لِقَوْلِهِ عز وجل:(فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً). وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا وَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ لَهُ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ غَيْرَ خَائِفٍ لِلْعَنَتِ. وَقَدْ
رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَجِدُ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ أَمَةً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى طول الحرة، وذلك ضعيف من قول. وَقَدْ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى: مَا هُوَ بِالْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَأُجَوِّزُهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً غَيْرَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ، وَلَا لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ إِلَّا بِالشَّرْطَيْنِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِمَا كَمَا بَيَّنَّا. وَالْعَنَتُ الزِّنَى، فَإِنْ عَدِمَ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَكَذَلِكَ إِنْ وَجَدَ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى طَوْلِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ: الثَّانِيةُ- فَهَلْ يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ، اخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ، فَقِيلَ: يَتَزَوَّجُ الْأَمَةَ فَإِنَّ الْأَمَةَ الْمُسْلِمَةَ لَا تَلْحَقُ بِالْكَافِرَةِ، فَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ حُرَّةٍ مُشْرِكَةٍ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقِيلَ: يَتَزَوَّجُ الْكِتَابِيَّةُ، لِأَنَّ الْأَمَةَ وَإِنْ كَانَتْ تَفْضُلُهَا بِالْإِيمَانِ فَالْكَافِرَةُ تَفْضُلُهَا بِالْحُرِّيَّةِ وَهِيَ زَوْجَةٌ. وَأَيْضًا فَإِنَّ وَلَدَهَا يَكُونُ حُرًّا لَا يُسْتَرَقُّ، وَوَلَدُ الْأَمَةِ يَكُونُ رَقِيقًا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَمَشَّى عَلَى أَصْلِ الْمَذْهَبِ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: النِّكَاحُ ثَابِتٌ. كَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءُ بن أبرباح وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: لِلْحُرَّةِ الْخِيَارُ إِذَا عَلِمَتْ. ثُمَّ في أي شي يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ أَوْ تُفَارِقَهُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فِي أَنْ تُقِرَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ أَوْ تَفْسَخَهُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إِذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ فَارَقَ الْأَمَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: يُفْسَخُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، لِأَنَّهُ أَمْرٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ كَالْمَيْتَةِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتِ الضَّرُورَةُ ارْتَفَعَتِ الْإِبَاحَةُ. الرَّابِعَةُ- فَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَتَانِ عَلِمَتِ الْحُرَّةُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَمْ تَعْلَمْ بِالْأُخْرَى فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ حُرَّةً تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَرَضِيَتْ، ثُمَّ تَزَوَّجَ
عَلَيْهَا أُخْرَى فَأَنْكَرَتْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا، فَكَذَلِكَ هَذِهِ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ بِالْأَمَتَيْنِ وَعَلِمَتْ بِوَاحِدَةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْخِيَارَ لِلْحُرَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِمَا قَالَتِ الْعُلَمَاءُ قَبْلِي.
يُرِيدُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَابْنَ شِهَابٍ وَغَيْرَهُمَا. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْلَا مَا قَالُوهُ لَرَأَيْتُهُ حَلَالًا، لِأَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَلَالٌ. فَإِنْ لَمْ تَكْفِهِ الْحُرَّةُ وَاحْتَاجَ إِلَى أُخْرَى وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى صَدَاقِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى أَرْبَعٍ بِالتَّزْوِيجِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ. رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: يُرَدُّ نِكَاحُهُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ فِي الدَّلِيلِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِالسَّبَبِ الْمُحَقَّقِ رَضِيَ بِالْمُسَبَّبِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ، وَأَلَّا يَكُونَ لَهَا خِيَارٌ، لِأَنَّهَا قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ لَهُ نِكَاحَ الْأَرْبَعِ، وَعَلِمَتْ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ تَزَوَّجَ أَمَةً، وَمَا شَرَطَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهَا كَمَا شَرَطَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي شُرُوطِ اللَّهِ سبحانه وتعالى عِلْمُهَا. وَهَذَا غَايَةُ التَّحْقِيقِ فِي الْبَابِ وَالْإِنْصَافِ فِيهِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(الْمُحْصَناتِ) يُرِيدُ الْحَرَائِرَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّقْسِيمُ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الْإِمَاءِ فِي قَوْلِهِ:(مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ). وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنَاهُ الْعَفَائِفُ. وَهُوَ ضَعِيفٌ، لِأَنَّ الْإِمَاءَ يَقَعْنَ تَحْتَهُ فَأَجَازُوا نِكَاحَ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَحَرَّمُوا الْبَغَايَا مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْكِتَابِيَّاتِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَيْسَرَةَ وَالسُّدِّيِّ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ الَّذِي لَا يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ «1»: لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ إِلَّا وَاحِدَةً. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَسْرُوقٍ وَجَمَاعَةٍ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:(ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) وَهَذَا الْمَعْنَى يَزُولُ بِنِكَاحِ وَاحِدَةٍ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أَيْ فَلْيَتَزَوَّجْ بِأَمَةِ الْغَيْرِ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ نَفْسِهِ، لِتَعَارُضِ الْحُقُوقِ وَاخْتِلَافِهَا. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(مِنْ فَتَياتِكُمُ) أَيِ الْمَمْلُوكَاتِ، وَهِيَ جَمْعُ فَتَاةٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَمْلُوكِ: فَتًى، وَلِلْمَمْلُوكَةِ فَتَاةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي
(1). العكلي: بالضم والسكون نسبة الى عكل بطن من تميم.
وَلَكِنْ لِيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي) وَسَيَأْتِي. وَلَفْظُ الْفَتَى وَالْفَتَاةِ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى «1» الْأَحْرَارِ فِي ابْتِدَاءِ الشَّبَابِ، فَأَمَّا فِي الْمَمَالِيكِ فَيُطْلَقُ فِي الشَّبَابِ وَفِي الْكِبَرِ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(الْمُؤْمِناتِ) بَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، فَهَذِهِ الصِّفَةُ مُشْتَرَطَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَمُجَاهِدٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَا أَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي قَوْلِهِمْ، إِلَّا أَبَا مَيْسَرَةَ عَمْرَو بْنَ شُرَحْبِيلَ فَإِنَّهُ قَالَ: إِمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِرِ مِنْهُنَّ. قَالُوا: وَقَوْلُهُ (الْمُؤْمِناتِ) عَلَى جِهَةِ الْوَصْفِ الْفَاضِلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ أَلَّا يَجُوزَ غَيْرُهَا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) فَإِنْ خَافَ أَلَّا يَعْدِلَ فَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ جَازَ، وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَلَّا يَتَزَوَّجَ، فَكَذَلِكَ هُنَا الْأَفْضَلُ أَلَّا يَتَزَوَّجَ إِلَّا مُؤْمِنَةً، وَلَوْ تَزَوَّجَ غَيْرَ الْمُؤْمِنَةِ جَازَ. وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَرَائِرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ قَوْلَهُ:(الْمُؤْمِناتِ) فِي الْحَرَائِرِ مِنْ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَوْلَهُ: (الْمُؤْمِناتِ) فِي الْإِمَاءِ مِنْ نِكَاحِ إِمَاءِ الْكِتَابِيَّاتِ. وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ: جَائِزٌ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً كتابية. فالمنع عده أَنْ يُفَضَّلَ الزَّوْجُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ مَعًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ نِكَاحَ مَجُوسِيَّةٍ وَلَا وَثَنِيَّةٍ، وَإِذَا كَانَ حَرَامًا بِإِجْمَاعٍ نِكَاحُهُمَا فَكَذَلِكَ وَطْؤُهُمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ قِيَاسًا وَنَظَرًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَأْسَ بِنِكَاحِ الْأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ مَهْجُورٌ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ «2» الْأَمْصَارِ. وَقَالُوا: لَا يَحِلُّ أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تُسْلِمَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي (الْبَقَرَةِ «3») مُسْتَوْفًى. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِبَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَلَكُمْ ظَوَاهِرُهَا، وَكُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ وَأَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ التَّزَوُّجِ بِالْإِمَاءِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِسِبَاءٍ أَوْ كَانَتْ خَرْسَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. فَفِي اللَّفْظِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ إِيمَانُ أَمَةٍ أَفْضَلَ من إيمان بعض الحرائر.
(1). في ج وط وى: في الأحرار.
(2)
. في ج وط: من الفقهاء في الأمصار.
(3)
. راجع ج 3 ص 69
الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، كَقَوْلِكَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ. وَالْمَعْنَى أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ. وَقِيلَ: أَنْتُمْ مُؤْمِنُونَ. وَقِيلَ: فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، الْمَعْنَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَلْيَنْكِحْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ: هَذَا فَتَاةُ هَذَا، وَهَذَا فَتَاةُ هَذَا. فَبَعْضُكُمْ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَرْفُوعٌ بِفِعْلِهِ وَهُوَ فَلْيَنْكِحْ. وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ تَوْطِئَةُ نُفُوسِ الْعَرَبِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَهْجِنُ وَلَدَ الْأَمَةِ وَتُعَيِّرُهُ وَتُسَمِّيهِ الْهَجِينَ «1» ، فَلَمَّا جَاءَ الشَّرْعُ بِجَوَازِ نِكَاحِهَا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ التَّهْجِينَ لَا مَعْنَى لَهُ، وَإِنَّمَا انْحَطَّتِ الْأَمَةُ فَلَمْ يَجُزْ لِلْحُرِّ التَّزَوُّجُ بِهَا إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إِلَى إِرْقَاقِ الْوَلَدِ، وَأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَفْرُغُ لِلزَّوْجِ عَلَى الدَّوَامِ، لِأَنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى. الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) أَيْ بِوِلَايَةِ أَرْبَابِهِنَّ الْمَالِكِينَ وَإِذْنِهِمْ. وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَنْكِحُ إِلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْلُوكٌ لَا أَمْرَ لَهُ، وَبَدَنُهُ كُلُّهُ مُسْتَغْرَقٌ، لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَزَوَّجَ بغير إذن سيده فإن أجاز السَّيِّدُ جَازَ، هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وهو قول الحسن البصري وعطاء بن أبن رباح وسعيد ابن الْمُسَيَّبِ وَشُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ. وَالْأَمَةُ إِذَا تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا فُسِخَ وَلَمْ يَجُزْ بِإِجَازَةِ السَّيِّدِ، لِأَنَّ نُقْصَانَ الْأُنُوثَةِ فِي الْأَمَةِ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ الْبَتَّةَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فُسِخَ نِكَاحُهُ، هَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، قَالُوا: لَا تَجُوزُ إِجَازَةُ الْمَوْلَى إِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ، لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ لَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُ، فَإِنْ أَرَادَ النِّكَاحَ اسْتَقْبَلَهُ عَلَى سُنَّتِهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ. وَقَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَعُدُّ الْعَبْدَ بِذَلِكَ زَانِيًا وَيَحُدُّهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ «2» بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع عن ابن عمر أنه أخذ عبد اله نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَضَرَبَهُ الْحَدَّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقَهَا. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الحد،
(1). الهجين: الذي أبوه عربي وأمه غير محصنة، المبرد: ولد العربي، من غير العربية.
(2)
. هو: ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.
وَيُعَاقِبُ الَّذِينَ أَنْكَحُوهُمَا. قَالَ: وَأَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ). وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: هُوَ نِكَاحٌ حَرَامٌ، فَإِنْ نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلَاقُ بِيَدِ مَنْ يَسْتَحِلُّ الْفَرْجَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: عَلَى هَذَا مَذْهَبُ جَمَاعَةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ، وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ السَّيِّدِ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَفِرْقَةٌ. وَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ شُذُوذٌ لَا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، وَأَظُنُّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَأَوَّلَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لَا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ «1»). وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ جَائِزٌ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ، فَإِنْ نَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنْ لَمْ يَكُنْ دخل فلا شي لها، أن كَانَ دَخَلَ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ إِذَا عُتِقَ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا مَهْرَ عَلَيْهِ حَتَّى يُعْتَقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فَلَهَا الْمَهْرُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: إِذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي النِّكَاحِ فَنَكَحَ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ، فَأَمَّا الْأَمَةُ إِذَا آذَنَتْ أَهْلَهَا فِي النِّكَاحِ فَأَذِنُوا جَازَ، وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرِ الْعَقْدَ لَكِنْ تُوَلِّيَ مَنْ يَعْقِدُهُ عَلَيْهَا. الثَّانِيةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ، وَأَنَّهُ لِلْأَمَةِ. (بِالْمَعْرُوفِ) مَعْنَاهُ بِالشَّرْعِ وَالسُّنَّةِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُنَّ أَحَقُّ بِمُهُورِهِنَّ مِنَ السَّادَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ. قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ: لَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْخُذَ مَهْرَ أَمَتِهِ وَيَدَعَهَا بِلَا جِهَازٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الصَّدَاقُ لِلسَّيِّدِ، لِأَنَّهُ عِوَضٌ فَلَا يَكُونُ لِلْأَمَةِ. أَصْلُهُ إِجَازَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي الرَّقَبَةِ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ لِأَنَّ الْمَهْرَ وَجَبَ بِسَبَبِهَا. وَذَكَرَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي أَحْكَامِهِ: زَعَمَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَلَا مَهْرَ. وَهَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَطْنَبَ فِيهِ. الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ- قوله تعالى: (الْمُحْصَناتِ) أَيْ عَفَائِفَ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ (مُحْصِنَاتٍ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ، إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ). وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالنَّصْبِ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. ثُمَّ قَالَ: (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) أَيْ غَيْرَ زَوَانٍ، أَيْ مُعْلِنَاتٍ بِالزِّنَى، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ فِيهِمُ الزَّوَانِي فِي الْعَلَانِيَةِ، وَلَهُنَّ رايات منصوبات كراية البيطار.
(1). راجع ج 10 ص 146
(وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أَصْدِقَاءَ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَاحِدُهُمْ خِدْنٌ وَخَدِينٌ، وَهُوَ الَّذِي يُخَادِنُكَ، وَرَجُلٌ خُدَنَةٌ، إذا اتخذ أخذ انا أَيْ أَصْحَابًا، عَنْ أَبِي زَيْدٍ. وَقِيلَ: الْمُسَافِحَةُ الْمُجَاهِرَةُ بِالزِّنَى، أَيِ الَّتِي تُكْرِي نَفْسَهَا لِذَلِكَ. وَذَاتُ الْخِدْنِ هِيَ الَّتِي تَزْنِي سِرًّا. وَقِيلَ: الْمُسَافِحَةُ الْمَبْذُولَةُ، وَذَاتُ الْخِدْنِ الَّتِي تَزْنِي بِوَاحِدٍ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَعِيبُ الْإِعْلَانَ بِالزِّنَى، وَلَا تَعِيبُ اتِّخَاذَ الْأَخْدَانِ، ثُمَّ رَفَعَ الْإِسْلَامُ جَمِيعَ ذَلِكَ، وَفِي ذَلِكَ نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ «1»)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(فَإِذا أُحْصِنَّ) قِرَاءَةُ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ. الْبَاقُونَ بِضَمِّهَا. فَبِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ أَسْلَمْنَ، وَبِالضَّمِّ زُوِّجْنَ. فَإِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ جُلِدَتْ نِصْفَ جَلْدِ الْحُرَّةِ، وَإِسْلَامُهَا هُوَ إِحْصَانُهَا فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ: ابْنِ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَعَلَيْهِ فَلَا تُحَدُّ كَافِرَةٌ إِذَا زَنَتْ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِحْصَانُهَا التَّزَوُّجُ بِحُرٍّ. فَإِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ الْمُسْلِمَةُ التي لم تتزوج فلا حد عليها، قاله سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَدِّ الْأَمَةِ فَقَالَ: إِنَّ الْأَمَةَ أَلْقَتْ فَرْوَةَ رَأْسِهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ. قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: الْفَرْوَةُ جِلْدَةُ الرَّأْسِ. قَالَ أبو عبيد: وَهُوَ لَمْ يُرِدِ الْفَرْوَةَ بِعَيْنِهَا، وَكَيْفَ تُلْقِي جِلْدَةَ رَأْسِهَا مِنْ وَرَاءِ الدَّارِ، وَلَكِنَّ هَذَا مَثَلٌ! إِنَّمَا أَرَادَ بِالْفَرْوَةِ الْقِنَاعَ، يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهَا قِنَاعٌ وَلَا حِجَابٌ، وَأَنَّهَا تَخْرُجُ إِلَى كُلِّ مَوْضِعٍ يُرْسِلُهَا أَهْلُهَا إِلَيْهِ، لَا تَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ، فَتَصِيرُ حَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنَ الْفُجُورِ، مِثْلَ رِعَايَةِ الْغَنَمِ وَأَدَاءِ الضَّرِيبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهَا إِذَا فَجَرَتْ، لِهَذَا الْمَعْنَى. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِحْصَانُهَا التَّزَوُّجُ، إِلَّا أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ عَلَى الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ غَيْرِ الْمُتَزَوِّجَةِ بِالسُّنَّةِ، كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْأَمَةُ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ؟ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْحَدَّ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَالْمُتَزَوِّجَةُ مَحْدُودَةٌ بِالْقُرْآنِ، وَالْمُسْلِمَةُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ مَحْدُودَةٌ بِالْحَدِيثِ. قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي قَوْلِ مَنْ قال (فَإِذا أُحْصِنَّ) أسلمن: بعد، لان ذكر
(1). راجع ج 7 ص 133 وص 200
الْإِيمَانِ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ). وأما من قال: (فَإِذا أُحْصِنَّ) تَزَوَّجْنَ، وَأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ حَتَّى تَتَزَوَّجَ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَحْسَبُهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا هَذَا الْحَدِيثَ. وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا. زَنَتْ وَقَدْ أُحْصِنَتْ مَجْلُودَةٌ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَإِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ مَجْلُودَةٌ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا رَجْمَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: ظَاهِرُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل يَقْتَضِي أَلَّا حَدَّ عَلَى أَمَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً إِلَّا بَعْدَ التَّزْوِيجِ، ثُمَّ جَاءَتِ السُّنَّةُ بِجَلْدِهَا وَإِنْ لَمْ تُحْصَنْ، فَكَانَ ذَلِكَ زِيَادَةَ بَيَانٍ. قُلْتُ: ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى لَا يُسْتَبَاحُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَلَا يَقِينَ مَعَ الِاخْتِلَافِ، لَوْلَا مَا جَاءَ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ مِنَ الْجَلْدِ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَإِنْ كَانُوا اخْتَلَفُوا فِي رَجْمِهِمَا فَإِنَّهُمَا يُرْجَمَانِ إِذَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَإِنْ كَانَ إِجْمَاعٌ فَالْإِجْمَاعُ أَوْلَى. الْخَامِسَةُ عَشْرَةَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَحُدَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ أَهْلُوهُمْ فِي الزِّنَى، إِلَّا أَنْ يُرْفَعَ أَمْرُهُمْ إِلَى السُّلْطَانِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْتَاتَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ عليه السلام:(إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّهَا الْحَدَّ). وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي خُطْبَتِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمُ الْحَدَّ، مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَتْ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَقْتُلُهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(أَحْسَنْتَ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ. وَأَسْنَدَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ فِيهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ) وَهَذَا نَصٌّ فِي إِقَامَةِ السَّادَةِ الْحُدُودَ عَلَى الْمَمَالِيكِ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ. قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: يَحُدُّ الْمَوْلَى عَبْدَهُ فِي الزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْقَذْفِ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ بِذَلِكَ، وَلَا يَقْطَعُهُ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنَّمَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ. وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْحُدُودَ عَلَى عَبِيدِهِمْ، مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ بَقَايَا الْأَنْصَارِ يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَةَ مِنْ وَلَائِدِهِمْ إِذَا
زَنَتْ، فِي مَجَالِسِهِمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ السُّلْطَانُ دُونَ الْمَوْلَى فِي الزِّنَى وَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَحُدُّهُ الْمَوْلَى فِي كُلِّ حَدٍّ وَيَقْطَعُهُ، وَاحْتَجَّ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: يَحُدُّهُ فِي الزِّنَى، وَهُوَ مُقْتَضَى الْأَحَادِيثِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي تَغْرِيبِ الْعَبِيدِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ. السَّادِسَةُ عَشْرَةَ- فَإِنْ زَنَتِ الْأَمَةُ ثُمَّ عُتِقَتْ قَبْلَ أَنْ يَحُدَّهَا سَيِّدُهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ إِلَى حَدِّهَا، وَالسُّلْطَانُ يَجْلِدُهَا إِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ، فَإِنْ زَنَتْ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهَا أَنْ يَجْلِدَهَا أَيْضًا لِحَقِّ الزَّوْجِ، إِذْ قَدْ يَضُرُّهُ ذَلِكَ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ إِذَا لَمْ يَكُنِ الزَّوْجُ مِلْكًا لِلسَّيِّدِ، فَلَوْ كَانَ، جَازَ لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّهُمَا حَقُّهُ. السَّابِعَةُ عَشْرَةَ- فَإِنْ أَقَرَّ الْعَبْدُ بِالزِّنَى وَأَنْكَرَهُ الْمَوْلَى فَإِنَّ الْحَدَّ يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ لِإِقْرَارِهِ، وَلَا الْتِفَاتَ لِمَا أَنْكَرَهُ الْمَوْلَى، وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ. وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ «1» وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ. وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِذَا زَنَتْ ثُمَّ أُعْتِقَتْ حُدَّتْ حَدَّ الْإِمَاءِ، وَإِذَا زَنَتْ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِالْعِتْقِ ثُمَّ عَلِمَتْ وَقَدْ حُدَّتْ أُقِيمَ عَلَيْهَا تَمَامُ حَدِّ الْحُرَّةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. الثَّامِنَةُ عَشْرَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي عَفْوِ السَّيِّدِ عَنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ إِذَا زَنَيَا، فَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقُولُ: لَهُ أَنْ يَعْفُوَ. وَقَالَ غَيْرُ الْحَسَنِ: لَا يَسَعُهُ إِلَّا إِقَامَةُ الْحَدِّ، كَمَا لَا يَسَعُ السُّلْطَانَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ حَدٍّ إِذَا عَلِمَهُ، لَمْ يَسَعِ السَّيِّدَ كَذَلِكَ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ أَمَتِهِ إِذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ، وَهَذَا [عَلَى «2»] مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَبِهِ نَقُولُ. التَّاسِعَةُ عشرة- قوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي الجلد ويعني بالمحصنات ها هنا الْأَبْكَارَ الْحَرَائِرَ، لِأَنَّ الثَّيِّبَ عَلَيْهَا الرَّجْمُ وَالرَّجْمُ لَا يَتَبَعَّضُ، وَإِنَّمَا قِيلَ لِلْبِكْرِ مُحْصَنَةٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً، لِأَنَّ الْإِحْصَانَ يَكُونُ بِهَا، كَمَا يُقَالُ: أُضْحِيَةٌ قَبْلَ أَنْ يُضَحَّى بِهَا، وَكَمَا يُقَالُ لِلْبَقَرَةِ: مُثِيرَةٌ قَبْلَ أَنْ تُثِيرَ. وَقِيلَ: (الْمُحْصَنَاتُ) الْمُتَزَوِّجَاتُ، لِأَنَّ عَلَيْهَا الضَّرْبَ وَالرَّجْمَ فِي الْحَدِيثِ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَبَعَّضُ
فَصَارَ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ الضَّرْبِ. وَالْفَائِدَةُ فِي نُقْصَانِ حَدِّهِنَّ أَنَّهُنَّ أَضْعَفُ مِنَ الْحَرَائِرِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُنَّ لَا يَصِلْنَ إلى مرادهن كما تصل الحرائر. وقيل «3» :
(1). في ج وط وز: المدبرة.
(2)
. من ب وط.
(3)
. في ب وج وط: ويقال.
لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ تَجِبُ عَلَى قَدْرِ النِّعْمَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:(يَا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ «1») فَلَمَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُنَّ أَكْثَرَ جَعَلَ عُقُوبَتَهُنَّ أَشَدَّ، وَكَذَلِكَ الْإِمَاءُ «2» لَمَّا كَانَتْ نِعْمَتُهُنَّ أَقَلَّ فَعُقُوبَتُهُنَّ أَقَلُّ. وَذَكَرَ «3» فِي الْآيَةِ حَدَّ الْإِمَاءِ خَاصَّةً، وَلَمْ يَذْكُرْ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَلَكِنَّ حَدَّ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ سَوَاءٌ: خَمْسُونَ جَلْدَةً فِي الزِّنَى، وَفِي الْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَرْبَعُونَ، لِأَنَّ حَدَّ الْأَمَةِ إِنَّمَا نَقَصَ «4» لِنُقْصَانِ الرِّقِّ فَدَخَلَ الذُّكُورُ مِنَ الْعَبِيدِ فِي ذَلِكَ بِعِلَّةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ، كَمَا دَخَلَ الْإِمَاءُ تَحْتَ قَوْلِهِ عليه السلام:(مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا «5» لَهُ فِي عَبْدٍ). وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعُلَمَاءُ الْقِيَاسَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ
«6» ) الْآيَةَ. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْمُحْصِنِينَ قَطْعًا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ (النُّورِ «7») إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ- وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ لَيْسَ [بَيْعُهَا «8»] بِوَاجِبٍ لَازِمٍ عَلَى رَبِّهَا، وَإِنِ اخْتَارُوا لَهُ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:(إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ «9» عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ). أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ بِوُجُوبِ بَيْعِهَا فِي الرَّابِعَةِ. مِنْهُمْ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ، لِقَوْلِهِ:(فَلْيَبِعْهَا) وَقَوْلِهِ: (ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ). قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَلَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرابعة، والضفير الحبل. فإذا باعها عرف بِزِنَاهَا، لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَلَا يَحِلُّ أَنْ يَكْتُمَ. فإن يَكْتُمَ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ مَقْصُودُ الْحَدِيثِ إِبْعَادَ الزَّانِيَةِ وَوَجَبَ عَلَى بَائِعِهَا التَّعْرِيفُ بِزِنَاهَا فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ أُمِرْنَا بِإِبْعَادِهَا. فَالْجَوَابُ أَنَّهَا مَالٌ وَلَا تُضَاعُ، لِلنَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَا تُسَيَّبُ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِغْرَاءٌ لَهَا بِالزِّنَى وَتَمْكِينٌ مِنْهُ، وَلَا تُحْبَسُ دَائِمًا، فَإِنَّ فِيهِ تَعْطِيلَ مَنْفَعَتِهَا عَلَى سَيِّدِهَا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا بَيْعُهَا. وَلَعَلَّ السيد الثاني يعفها بالوطي أَوْ يُبَالِغُ فِي التَّحَرُّزِ فَيَمْنَعُهَا مِنْ ذَلِكَ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَعِنْدَ تَبَدُّلِ الْمُلَّاكِ تَخْتَلِفُ عَلَيْهَا الأحوال. والله أعلم.
(1). راجع ج 14 ص 173. [ ..... ]
(2)
. في ب وط: الامة، نعمتها: فعقوبتها.
(3)
. في ج: ولذلك ذكر.
(4)
. في ب: تعين.
(5)
. أي حصة ونصيبا.
(6)
. راجع ج 12 ص 171.
(7)
. راجع ج 12 ص 171.
(8)
. من ب وج وط.
(9)
. لا يثرب: لا يوبخها ولا يقرعها بالزنى بعد الضرب.