الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموكّل بحراستها، والاستجابة للداعى: إجابته، والإسلام: الإذعان والخضوع والانقياد:
المعنى الجملي
بعد أن ذكر عز اسمه فى بدء السورة قولهم فى القرآن: إنه سحر مبين، وأنهم يستغشون ثيابهم كى لا يسمعوه- قفّى على ذلك بذكر تكذيبهم للرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن وبيان أن همه وحزنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ من كلامهم كل مبلغ، ثم أعقبه بتحدّيه لهم بالقرآن كى يأتوا بعشر سور مثله، حتى إذا ما عجزوا علم أنه وحي من عند الله.
روى عن ابن عباس أن الآية نزلت حين قال رؤساء مكة: يا محمد اجعل لنا جبال مكة ذهبا إن كنت رسولا، وقال آخرون: ائتنا بالملائكة يشهدون بنبوّتك فقال لا أقدر على ذلك.
الإيضاح
(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) أي أفتارك أنت أيها الرسول بعض ما يوحى إليك، مما يشقّ سماعه على المشركين من الأمر بالتوحيد والنهى عن الشرك والإنذار والوعيد لهم، والنعي على معبوداتهم وتسفيه أحلامهم، وضائق به صدرك أن تبلّغهم إياه كما أنزل.
ذاك أنهم كانوا يتهاونون به فيضيق صدره أن يلقى إليهم ما لا يقبلون وما يضحكون منه، فاستحثه سبحانه على أداء الرسالة وعدم المبالاة باستهزائهم، وطرح مقالاتهم الساخرة وراءه ظهريا.
وخلاصة ذلك- تحمّل أخف الضررين وهو تحمل سفاهتهم، على ترك بعض الوحى والوقوع فى الخيانة فيه
(أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ) أي كراهة أن يقولوا:
هلا أعطاه ربه كنزا من عنده يغنيه ويمتاز به عن غيره، أو جاء معه ملك يؤيده فى دعوته كما حكى الله عنهم فى سورة الفرقان «وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً. أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها» .
وجملة المعنى- إن عنادهم وجحودهم وإعراضهم عن الإيمان وشدة اهتمامك بأمرهم مما من شأنه أن يقتضى ضيق الصدر بحسب الطباع البشرية أو أن يخطر على البال ترك بعض الوحى، ولولا عصمتنا إياك وتثبيتنا لك لاجترحت ذلك واستسلمت لما لمثله جرت العادة، ولكن الله حفظك حتى تؤدى رسالته وترحم العالمين بنور نبوتك كما قال:«وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا» .
وقد جاء بمعنى الآية قوله تعالى: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً» وقوله: «وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ» وقوله: «المص. كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» .
(إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي ليس عليك إلا إنذارهم بما أوحى إليك غير مبال بما يصدر منهم ويطلق ألسنتهم، والله هو الرقيب على عباده وليس عليك من أعمالهم شىء.
وقد جاء بمعنى الآية قوله: «لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» وقوله «فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» وقوله: «نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ» .
وبعد أن ذكر ضيق صدره لتكذيب المشركين له، قفى على ذلك بذكر ما قالوه فى القرآن فقال:
(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي بل أيقول هؤلاء المشركون من أهل مكة إن محمدا قد افترى هذا القرآن؟ فقل لهم إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله مفتريات من عند أنفسكم لا تدّعون أنها من عند الله، فإنكم أهل اللّسن والبيان والمران على المفاخرة بالفصاحة والبلاغة وفنون الشعر والخطابة، ولم يسبق لى مع العمر الطويل الذي عشته بينكم أن أزاول شيئا من ذلك، فإن كان من كلام البشر فأنتم على مثله أقدر، وإنكم لتعلمون أنى لم أكذب على بشر قط، فكيف أفترى على الله، وإن زعمتم أن لى من يعيننى على تأليفه ووصفه، فادعوا من استطعتم ممن تعبدون غير الله، ومن جميع خلقه ليساعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر، ولتكن مثله مفتريات تشتمل على مثل ما فيه من تشريع دينى ومدنى وحكم ومواعظ، وآداب وأنباء غيبية إخبارا عن ماض، وأنباء غيبية إخبارا عن مستقبل، بمثل هذا النظام البديع والأسلوب البالغ حد الإعجاز، والبلاغة الساحرة للألباب، والسلطان الحاكم على الأنفس والأرواح- إن كنتم صادقين فى دعواكم.
والخلاصة- إن مشركى مكة المعاندين لم يجدوا شهة فى القرآن بعد شبهة السحر التي لم تجد آذانا صاغية عند العرب، لأنهم أرباب الفصاحة واللسن فعرفوا فضله على سائر الكلام- إلا زعمهم أن محمدا قد افتراه جملة وليس بوحي من عند الله، فتحداهم بالإتيان بعشر سور مثله فى النظم والأسلوب، محتوية على التشريع القيّم من دينى ومدنى وسياسى، وحكم ومواعظ وآداب، وكلّفهم دعوة من استطاعوا من دون الله ليظاهروهم ويعاونوهم على ذلك، فعجزوا ولم يجدوا من فصحائهم من يستجيب لهم، فقامت الحجة عليهم وعلى غيرهم إلى يوم الدين، وهذا معنى قوله:
(فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ) أي فإن لم يستجب لكم من