الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة هود (11) : الآيات 84 الى 86]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86)
المعنى الجملي
تقدم ذكر قصة شعيب فى سورة الأعراف، وذكرت هنا مرة أخرى، وقد جاء فى كل موضع منهما من العظات والأحكام والحكم ما ليس فى الآخرة مع الإحكام فى السبك وحسن الرّصف، والسلامة من التعارض والاختلاف والتفاوت.
الإيضاح
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أي وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيبا.
(قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي فلما أتاهم قال يا قوم اعبدوا الله وحده ولا تعبدوا معه غيره، فما لكم من إله إلا هو.
وقد جرت سنة الأنبياء أن يبدءوا بالدعوة إلى التوحيد، لأنه جذر شجرة الإيمان، ثم يتبعونه فالأهم بالأهم فيما يرون لدى أقوامهم، ومن ثم ثنى بالنهى عن نقص الكيل والميزان، لأن أهل مدين اعتادوا ذلك فقال:
(وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي ولا تنقصوا الناس حقوقهم فى مكيالكم وميزانكم كما هى عادتكم، وقد جاء مثل هذا النهى فى قوله:
(إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي إنى أراكم بثروة وسعة فى الرزق تغنيكم عن الدناءة فى بخس حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل بما تنقصون لهم من المبيع فى مكيل أو موزون
وكانوا تجارا مطففين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم ينقصون المكيال والميزان.
إلا أن فى هذا كفرانا لنعمة الله عليكم، إذ كان يجب عليكم شكرانها بالزيادة على سبيل الصدقة والإحسان.
(وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) أي وإنى أخشى عليكم يوما يحيط بكم عذابه إذا أنتم أصررتم على شرككم بالله بعبادة غيره، وكفرتم بنعمه بنقص المكيال والميزان.
وهذا العذاب إما فى الدنيا بعذاب الاستئصال، وإما فى يوم القيامة.
(وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أي ويا قوم أتمّوهما بالعدل بلا زيادة ولا نقصان.
وقد أمرهم بالواجب بعد أن نهاهم عن ضده لتأكيده وللتنبيه إلى كون عدم التعمد للنقص لا يكفى لتحرّى الحق، بل يجب معه تحرى الإيفاء بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقص، وإن كان التيقن من ذلك لا يكون إلا بزيادة طفيفة، وتعمدها فى الكيل والوزن للناس سخاء وفضيلة يمدح فاعلها عليها، وفي الاكتيال أو الوزن عليهم طمع فهو رذيلة مذمومة.
(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) البخس: النقص فى كل الأشياء، يقال بخسه ماله وبخسه علمه وفضله، أي لا تظلموا الناس أشياءهم، وذلك يشمل ما للأفراد وما للجماعات من مكيل وموزون ومعدود ومحدود بحدود حسية وحقوق مادية أو معنوية.
(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) الإفساد تعطيل يشمل مصالح الدنيا وأمور الدين وأخلاق النفس وصفاتها، وكل ذلك فاش فى عصرنا أي لا تفسدوا فى الأرض وأنتم تتعمدون الإفساد، وإنما اشترط فى النهى تعمد الإفساد، لأن بعض ما هو إفساد فى الظاهر قد يراد به الإصلاح أو دفع أخف الضررين كما يقع فى الحرب من قطع