الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) أي قالت الملائكة للوط بعد أن رأوا شديد الكرب الذي لحقه بسببهم وتمنيه أن يجد قوة تدفعهم عن أضيافه: إنا رسل ربك أرسلنا لإهلاكهم وتنجيتك من شرهم.
(لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) ولا إلى ضيفك بمكروه، فهوّن عليك الأمر، وحينئذ طمس الله أعينهم فلم يعودوا يبصرون لوطا ولا من معه كما جاء فى سورة القمر:«وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ»
فانقلبوا عميا يتخبطون لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم وصاروا يقولون: النجاء النجاء فإن فى بيت لوط قوما سحرة.
(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي فاخرج من هذه القرى أنت وأهلك ببقية من الليل تكفى لتجاوز حدودها، وجاء فى سورة الذاريات:«فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ» .
(وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) أي ولا ينظر أحد إلى ما وراءه ليجدّوا فى السير أو لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقّوا لهم، وجاء فى سورة الحجر:«وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ» .
(إِلَّا امْرَأَتَكَ) فقد كان ضلعها مع القوم وكانت كافرة خائنة.
(إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) أي إنه مصيبها ذلك العذاب الذي أصابهم ومقضىّ عليها بذلك، فهو واقع لا بد منه.
ثم علل الإسراء ببقية من الليل فقال:
(إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي موعد عذابهم الصبح ابتداء من طلوع الفجر إلى الشروق كما جاء فى سورة الحجر «فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ» .
ثم أكد ما سبق فأجاب عن استعجال لوط لهلاكهم فقال:
(أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) أي أليس موعد الصبح بموعد قريب لم يبق له إلا ليلة واحدة فانج فيها بأهلك.
وحكمة تخصيص هذا الوقت أنهم يكونون مجتمعين فى مساكنهم فلا يفلت منهم أحد.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي فلما جاء أمرنا بالعذاب وقضاؤنا فيهم بالهلاك قلبنا قراها كلها وخسفنا بها الأرض.
وقد جرت سنة الله أنه إذا أراد خسف أرض فى جهة ما أحدث تحتها فراغا بتفاعل الأبخرة التي فى جوفها فيندكّ الجزء الأعلى وينهدم ويغور إلى أسفل إما عموديا إن كان الفراغ بقدر ما انخسف من الأرض وإما مائلا إلى جانب من الجوانب إن كان الفراغ تحته أوسع، وفى بعض هذه الحالات يكون عاليها سافلها ويرجع بعض علماء طبقات الأرض (الجيولوجيا) أن قرى قوم لوط خسف بها تحت الماء المعروف ببحيرة لوط أو بحر لوط، وقد عثر الباحثون على بعض آثارها من عهد قريب.
وقد روى المفسرون فى خسفها من الخرافات ما لم يثبته نقل ولا يقبله عقل، فقالوا إن جبريل عليه السلام قلعها من تخوم الأرض بجناحه وصعد بها إلى عنان السماء حتى سمع أهل السماء أصوات الكلاب والدجاج ونهيق الحمير، ثم قلبها قلبا مستويا فجعل عاليها سافلها، مع أن المشاهدة فى هذا العصر أثبتت أن الطائرات المطاردة التي تحلّق فى الجو تصل فقط إلى حيث يخفّ ضغط الهواء وتستحيل الحياة حينئذ، ومن ثم يضعون فيها من أو كسجين الهواء ما يكفى استنشاقه وتنفسه للحياة فى طبقات الجوّ العليا ثم يصعدون فيها وقد أشار الكتاب الكريم إلى ما يكون للتصعيد فى جو السماء من التأثير فى ضيق الصدر وعسر التنفس بقوله:«فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ» .
(وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) أي وأمطرنا عليهم قبل القلب أو فى أثنائه حجارة من سجيل: أي من طين متحجر كما جاء فى سورة الذاريات: «لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ» ومثل هذا المطر يحدث
عادة بإرسال الله تعالى ريحا شديدة تحمل بعض الأحجار من المستنقعات أو الأنهار فتلقيها حيث يشاء الله.
وهذا السجيل قد نضد وتراكب بعضه فى أثر بعض بحيث يقع طائفة بعد طائفة، وقد وضع على تلك الأحجار سومة: أي علامة خاصة فى علم ربك بحيث لا تصيب غير أهلها.
وقد يكون المعنى: إنه سخرها عليهم وحكّمها فى إهلاكهم بحيث لا يمنعها شىء، من قولهم: سوّمت فلانا فى الأمر إذا حكّمته فيه وخلّيته وما يريد، لا تثنى له يد فى تصرفه.
ويرى بعض المفسرين أن التسويم كان حسيا بخطوط فى ألوانها أو بأمثال الخواتيم عليها أو بأسماء أهلها، وكل ذلك من أمور الغيب التي لا تثبت إلا بسلطان ونص من خاتم الرسل، وأنى هو؟.
(وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) أي وما هذه القرى التي حل بها العذاب بمكان بعيد عنكم أيها المشركون من أهل مكة الظالمون لأنفسهم بتكذيبك والمماراة فيما تنذرهم به، بل هى قريبة منكم على طريقكم فى رحلة الصيف إلى الشام كما قال فى سورة الصافات:
«وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ»
أي وإنكم لتمرون على آثارهم ومنازلهم فى أسفاركم وقت النهار وبالليل، أفلا تعتبرون بما حل بهم.
وفى هذا عبرة للظالمين فى كل زمان وإن اختلف العذاب باختلاف الأحوال وأنواع الظلم كثرة وقلة ومقدار أثره فى الأمة من إفساد عام أو خاص.
قصة شعيب عليه السلام