الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة يوسف (12) : الآيات 39 الى 40]
يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (39) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلَاّ تَعْبُدُوا إِلَاّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)
المعنى الجملي
بعد أن أبطل يوسف عليه السلام ما هما عليه من الشرك فيما سلف، وذكر أنه قد اتبع ملة آبائه إبراهيم وإسحق ويعقوب، وبين أن هذا فضل من الله ومنة عليهم وعلى الناس، وكثير من الناس لا يشكرون الخالق لهذه النعم فيعبدوه وحده دون أن يشركوا به أحدا- دعاهما هنا إلى التوحيد الخالص وأيده بالبرهان الذي لا يجد العقل محيصا من التسليم به والإقرار بصحته فقال:
الإيضاح
(يا صاحِبَيِ السِّجْنِ) أي يا صاحبىّ فى السجن، وناداهما بعنوان الصحبة فى هذه الدار التي هى دار الأشجان وموضع الهموم والأحزان، وفيها تصفو المودة وتخلص النصيحة ليصغيا إلى مقاله، ويقبلا على استماع ما يلقى إليهما به، فالآذان حينئذ مرهفة، والقلوب قد انصرفت عن الدنيا ولذاتها، وتفرغت لعالم آخر غير ما يشغل الناس من زبرج هذه الحياة وزخرفها.
(أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) هذا استفهام لتقرير ما يذكر بعده وتوكيده، والمراد بالتفرق فى الذوات والصفات المعنوية التي ينعتونهم بها، والصفات الحسية التي يصورها لهم بها الكهنة والرؤساء من رسوم منقوشة، وتماثيل منصوبة، فى المعابد والهياكل، والقهار: الغالب على أمره الذي لا يغلبه أحد.
والمعنى- أأرباب كثيرون هذا شأنهم فى التفرق والانقسام، وما يقتضيه ذلك من التنازع والاختلاف فى الأعمال والتدبير الذي يفسد النظام- خير لكما ولغيركما فيما تطلبون من كشف الضر وجلب النفع وكل ما تحتاجون فيه إلى المعونة من عالم الغيب، أم الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا ينازع ولا يعارض فى تصرفه وتدبيره، وله القدرة التامة والإرادة العامة، وهو المسخر لجميع القوى والنواميس الظاهرة التي تقوم بها نظم العوالم السماوية والأرضية من نور وهواء وماء، والغائبة عنا كالملائكة والشياطين مما كان الجهل بحقيقتها هو سبب عبادتها والقول بربوبيتها؟ ولا شك أن الجواب عن هذا مما لا يختلف فيه عاقل، فلا خير فى تفرق المعبودات التي لا تستطيع ضرّا فى الأرض والسموات.
ثم بين لهما أن ما يعبدونه ويسمونه آلهة إنما هى جعل منهم، وتسمية من تلقاء أنفسهم، تلقاها خلف عن سلف ليس لها مستند من العقل ولا الوحى السماوي فقال:
(ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) أي ما تعبدون من دون الواحد القهار إلا أسماء لمسميات وضعتموها أنتم وآباؤكم من قبلكم ونحلتموها صفات الربوبية وأعمالها، وما هى بأرباب تخلق وترزق، وتضر وتنفع، ما أنزل الله حجة وبرهانا على أحد من رسله بتسميتها أربابا، حتى يقال إنكم تتبعونها تعبدا له وحده وطاعة لرسله.
والخلاصة- إنها تسمية لا دليل عليها من نقل سماوى فتكون أصلا من أصول الإيمان، ولا دليل عليها من عقل فتكون من نتاج الحجة والبرهان.
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أي ما الحكم الحق فى الربوبية والعبادة إلا لله وحده يوحيه لمن اصطفاه من رسله ولا يمكن بشرا أن يحكم فيه بهواه ورأيه، ولا بعقله واستدلاله، ولا باجتهاده واستحسانه، وهذه قاعدة اتفقت عليها كل الأديان، دون اختلاف فى الأمكنة والأزمان.
ثم بين ما حكم به الله فقال:
(أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) أي أمر ألا تعبدوا غيره ولا تدعوا سواه، فله وحده