الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر تبليغ هود عليه السلام قومه دعوة ربه، ذكر هنا ردّ قومه لتلك الدعوة فى جحودهم للبينة، ثم إنذاره لهم.
الإيضاح
(قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) أي قالوا يا هود: ما جئتنا بحجة واضحة تدل على صحة دعواك أنك مرسل من عند الله، وقد قالوا ذلك عنادا منهم وجحودا للحق، وما نحن بتاركي عبادة آلهتنا بسبب قولك الذي لا بيّنة عليه، وما نحن بمصدقين ما جئت به.
ثم بالغوا فى الردّ وقالوا:
(إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) أي لا نجد من قول نقوله فيك إلا أن بعض آلهتنا أصابك بمسّ من جنون أو خبل لإنكارك لها وصدّك إيانا عن عبادتها.
والخلاصة- إن ما تقوله لا يصدر إلا عمن أصيب بشىء اقتضى خروجه عن قانون العقل، فلا يعتدّ به لأنه من قبيل الخرافات والهذيانات التي لا تصدر إلا عن المجانين فكيف نؤمن بك؟.
والخلاصة- إنهم ترقوا فى حجاجهم من سيئ إلى أسوأ، إذ قالوا أولا ما جئتنا بالبينة: ثم نفوا تصديقهم له مع كونه مما يقبل التصديق، ثم نفوا عنه تلك المرتبة أيضا.
ثم ذكر رده عليهم على طريق الحكاية.
(قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) .
هذا جواب منه عن مقالتهم وهو يتضمن جملة أمور:
(1)
البراءة من إشراكهم الذي اقترفوه ولا حقيقة له.
(2)
إشهاد الله على ذلك ثقة منه بأنه على بيّنة من ربه.
(3)
إشهادهم أيضا على ذلك إعلاما منه بعدم مبالاته بهم وبما يزعمون من قدرة شركائهم على إيذائه وضرره:
(4)
طلبه منهم أن يجمعوا كلهم على الكيد له والإيقاع به بلا إمهال ولا تأخير إن استطاعوا.
وفى هذا دليل واضح على أنه لا يخافهم ولا يخاف آلهتهم، وقد صدرت مثل هذه المقالة عن نوح عليه السلام إذ قال «فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ» كما لقن الله نبيه مثل هذا بقوله «قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ» .
(5)
عدم الخوف منهم ومن آلهتهم، إذ وكل أمر حفظه وخذلانهم إلى ربه وربهم، ومالك أمره وأمرهم، المتصرف فى كل مادب على وجه الأرض والمسخر له وهو سبحانه مطلع على أمور العباد، مجاز لهم بالثواب والعقاب، كاف لمن اعتصم به، وهو لا يسلّط أهل الباطل من أعدائه على أهل الحق من رسله ولا يفوته ظالم.
(فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) أي فإن استمررتم على ما أنتم عليه من التولّى والإعراض وأبيتم إلا تكذيبى، فقد أبلغتكم رسالة ربى التي أرسلنى بها إليكم، وليس علىّ غير البلاغ وقد لزمتكم الحجة وحقت عليكم كلمة العذاب.
(وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) أي إن الله يهلككم ويستخلف فى دياركم وأموالكم قوما آخرين.
(وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) بتوليكم عن الإيمان، فإنه غنىّ عنكم وعن إيمانكم، وهو بمعنى قوله «إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ» .
(إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي إن ربى رقيب على كل شىء قائم بالحفظ