الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) أرشد إبراهيم خليل الرحمن قومه إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه، بما يشاهدونه فى أنفسهم من خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا مذكورا، ثم إعطائهم السمع والبصر والأفئدة، وتصرفهم فى الحياة إلى حين، ثم موتهم بعد ذلك، والذي بدأ هذا قادر على أن يعيده، بل هو أهون عليه كما قال فى آية أخرى:«وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ» .
وخلاصة هذا: أنتم قد علمتم ذلك فكيف تنكرون الإعادة وهى أهون عليه؟
وبعد أن ساق هذا الدليل المشاهد فى الأنفس، أرشد إلى الاعتبار بما فى الآفاق من الآيات المشاهدة فقال:
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ، ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي سيروا فى الأرض وشاهدوا السموات وما فيها من الكواكب النيرة. ثوابتها وسياراتها، والأرض وما فيها من جبال ومهاد، وبراري وقفار، وأشجار وثمار، وأنهار وبحار، فكل ذلك شاهد على حدوثها فى أنفسها وعلى جود صانعها الذي يقول للشىء كن فيكون.
أو ليس من فعل هذا بقادر على أن ينشئه نشأة أخرى، ويوجده مرة ثانية وهو القادر على كل شىء؟.
وشبيه بالآية قوله فى الآية الأخرى: «سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» .
ولما أقام الدليل على الإعادة رتب عليها ما سيكون بعدها فقال:
(يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ) أي يعذب من يشاء منكم ومن غيركم فى الدنيا والآخرة بعدله فى حكمه بحسب سننه فى خلقه، ويرحم من يشاء بفضله ورحمته،
فهو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد، لا معقب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل، وهم يسألون.
(وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) أي وإليه تردّون بعد موتكم والمراد أنه إن تأخر ذلك عنكم فلا تظنوا أنه قد فات، فإن إليه إيابكم، وعليه حسابكم، وعنده يدّخر ثوابكم وعقابكم.
(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) أي إنه تعالى لا يعجزه أحد من أهل سمواته ولا أرضه، بل هو القاهر فوق عباده، فكل شىء فقير إليه، فلو صعد إلى السمّاكين، أو هبط إلى موضع السموك فى الماء ما خرج من قبضته وما استطاع الهرب منه.
ولما بين أنه مقدور عليهم جميعا لا يفلتون منه، ذكر أنه لا يستطيع أحد نصرهم فقال:
(وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي وما كان لكم أيها الناس ولى بلى أموركم، ويحرسكم من أن يصيبكم بلاء أرضى أو سماوى، ولا نصير يدفع عذاب الله عنكم إن قدّر لكم.
ولما قرر التوحيد والبعث هدد من خالفهما وتوعده فقال:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ وَلِقائِهِ أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي والذين كفروا بالدلائل التي نصبها سبحانه فى الكون دالة على توحيده، والدلائل التي أنزلها على رسله مرشدة إلى ذلك، وجحدوا لقاءه والورود إليه يوم تقوم الساعة، أولئك لا أمل لهم فى رحمته، لأنهم لم يخافوا عقابه، ولم يرجوا ثوابه، ولهم عذاب مؤلم موجع فى الدنيا والآخرة.
ونحو الآية قوله: «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ» .