الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسمين: مطيعين يعملون الحسنات فيثابون عليها بما هو خير منها ويأمنون الفزع والخوف ساعتئذ، وعاصين يكبّون فى النار على وجوههم ويقال لهم حينئذ هذا جزاء ما كنتم تعملون.
الإيضاح
(وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) يخبر سبحانه بأنه حين فساد الناس وتركهم أوامره وتبديلهم الدين الحق قرب مجىء الساعة- تخرج دابة من الأرض تحدّث الناس بأنهم كانوا لا يوقنون بآياته الدالة على مجىء الساعة ومقدّماتها.
والمقصود من هذا التحديث: التشنيع عليهم بهذه المقالة، وفى التعبير بكلمة (النَّاسَ) الإشارة إلى كثرتهم وأنهم جمّ غفير منهم.
وما جاء فى وصف الدابة والمبالغة فى طولها وعرضها، وزمان خروجها ومكانه- مما لا يركن إليه، فإن أمور الغيب لا يجب التصديق بها إلا إذا ثبتت بالدليل القاطع عن الرسول المعصوم.
ثم بين سبحانه حال المكذبين حين مجىء الساعة بعد بيان بعض مباديها وأشراطها فقال:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟) أي ويوم نجمع من كل أهل قرن جماعة كثيرة ممن كذبوا بآياتنا ودلائلنا، ونحبس أولهم على آخرهم، ليجتمعوا فى موقف التوبيخ والإهانة، حتى إذا جاءوا ووقفوا بين يدى الله فى مقام السؤال والجواب، ومناقشة الحساب، قال لهم ربهم مؤنبا وموبخا لهم على تكذيبهم:
أكذبتم بآياتى الناطقة بلقاء يومكم هذا بادى الرأى غير ناظرين فيها نظرا يوصلكم إلى العلم بحقيقتها، أم ماذا كنتم تعملون فيها من تصديق وتكذيب؟.
(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) أي وحلّ بأولئك المكذبين بآيات الله- السخط والغضب بتكذيبهم بها. فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حل بهم من العذاب الأليم.
ونحو الآية قوله: «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» .
وبعد أن خوّفهم من أهوال يوم القيامة ذكر الدليل على التوحيد والحشر والنبوة فقال:
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار ومخالفتنا بينهما يجعل ذاك سكنا لهم يسكنون فيه، ويهدءون راحة لأبدانهم من تعب التصرف والتقلب نهارا، وجعل هذا مضيئا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها، فيتقلبون فيه لمعايشهم- فيتفكرون فى ذلك ويتدبرون ويعلمون أن مصرّف ذلك كذلك، هو الإله الذي لا يعجزه شىء، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء، وإحياء الأموات بعد الممات.
وفى ذلك أيضا دليل على النبوة، لأنه كما يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين ففى بعثة الأنبياء منافع عظيمة للناس فى دنياهم ودينهم، فما المانع إذا من بعثهم إليهم؟
بل الحاجة إلى ذلك ملحّة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن فيما ذكر لدلالة على قدرته على البعث بعد الموت، وعلى توحيده لمن آمن به وصدّق برسله، فإن من تأمل فى تعاقبهما واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم تحار فى فهمها العقول، ولا يحيط بعلمها إلا الله وشاهد فى الآفاق تبدل ظلمة الليل الحالكة المشابهة للموت، بضياء النهار المضاهي للحياة، وعاين فى نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالانتباه الذي هو مثل الحياة- قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من فى القبور، وجزم بأن الله جعل هذا دليلا على تحققه، وأن الآيات الناطقة به حق، وأنها من عند الله.
وبعد أن ذكر الحشر الخاصّ وأقام الدليل عليه- ذكر الحشر العام فقال:
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ) أي واذكر أيها الرسول لهم هول يوم النفخ فى الصور، إذ يفزع من فى السموات ومن في الأرض، لما يعتريهم من الرعب حين البعث والنشور، بمشاهدة الأهوال الخارقة لعادة فى الأنفس والآفاق، إلا من ثبّت الله قلبه.
ويرى أكثر أهل العلم أن هناك نفختين، نفخة الفزع المذكورة فى هذه الآية وهى نفخة الصعق المذكورة فى قوله تعالى:«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» لأن كلا الأمرين الفزع والخوف، والصعق وهو الموت يحصلان بها، ونفخة البعث المذكورة فى قوله تعالى:«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» .
(وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) أي وكل هؤلاء الفزعين المبعوثين، حين النفخة يحضرون الموقف بين يدى رب العزة للسؤال والجواب، والمناقشة والحساب، أذلاء صاغرين، لا يتخلف أحد عن أمره كما قال:«يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ» .
وقال: «ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» وقال:
«يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ» .
ولما ذكر دخورهم أتبعه بدخور ما هو أعظم منهم فقال:
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي وترى الجبال كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه وهى تزول عن أماكنها وتسير حثيثا كمر السحاب، لأن الأجرام الكبار إذا تحركت فى سمت واحد لا تكاد تبين حركتها.
ونحو الآية قوله: «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً. وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً» وقوله:
«وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً» وقوله: «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» وهذا يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق، فيبدل الله الأرض غير الأرض ويغيّر هيئتها ويسيّر الجبال عن مقارّها ليشاهدها أهل المحشر، وهى وإن
دكت عند النفخة الأولى، فتسييرها إنما يكون لدى النفخة الثانية كما نطق به قوله:
«فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً» وقوله: «يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ» .
ثم علل إمكان ذلك وسرعة حصوله بقوله:
(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي ذلك الصنع العظيم صنع الله الذي أحكم كل شىء وأودع فيه من الحكمة ما أودع.
ثم علل ما تقدم من النفخ فى الصور والقيام للحساب ومجازاة العباد على أعمالهم بقوله:
(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) أي إنه تعالى ذو علم وخبرة بما يفعل عباده من خير وشر، وطاعة ومعصية، وهو مجازيهم على ذلك أتم الجزاء.
ثم بين حال السعداء والأشقياء يومئذ فقال:
(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي من آمن بالله وعمل صالحا فله على ذلك جزيل الثواب من عند ربه فى جنات النعيم، يأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة كما جاء فى الآية:«لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ» وقال: «أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ؟» وقال: «وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ» وقد صح تفسير الحسنة هنا بشهادة أن لا إله إلا الله، على ما رواه ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والحسن.
(وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) أي ومن أشركوا بالله وعملوا السيئات يكبّون على وجوههم فى جهنم ويطرحون فيها.
ونحو الآية قوله: «فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ» .
ثم ذكر ما يقال لهم حينئذ فقال:
(هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ؟) أي ويقال لهم: هل هذا إلا جزاء ما كنتم تعملون فى الدنيا، مما يسخط ربكم ويغضبه منكم من شرك به ومعصية له.