الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أردف ذلك بيان الحاجة إلى إرسال رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لمثل تلك الدواعي التي دعت إلى إرسال موسى عليه السلام، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولأن رحمته اقتضت ألا يعذب أحدا إلا إذا أرسل رسولا، ويتضمن ذلك كون القرآن وحيا من عند الله، لأن ما فصل فيه من الأحوال لا يتسنى إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها، وقد انتفى كلاهما فتبين أنه بوحي من علام الغيوب.
الإيضاح
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي وما كنت حاضرا بجانب الجبل الغربي الذي وقع فيه الميقات وأعطى الله فيه ألواح التوراة لموسى حين عهدنا إليه أمر النبوة، وما كنت من جملة السبعين الذين اختيروا لسماع تفاصيل ذلك الأمر الذي أوحينا به إلى موسى حتى تخبر به كله على الوجه الذي أتيناك به فى هذه الأساليب المعجزة.
وخلاصة ذلك- إن إخبارك بالغيوب الماضية التي لم تشهدها وقد قصصتها كأنك سامع راء لها وأنت أمي لا نقرأ ولا تكتب، وقد نشأت بين قوم أميين لا يعرفون شيئا من ذلك- لهو من أعظم البراهين على نبوتك، وإن إخبارك بذلك إنما هو بوحي من الله كما قال:«أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى» .
(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) أي ولكنا أنشأنا من عهد موسى إلى عهدك قرونا كثيرة فتطاول عليهم العمر إلى أن وجد القرن الذي أنت فيه فدرست العلوم فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وعرّفناك أحوال الأنبياء، وأحوال موسى، وأرسلناك بما فيه سعادة البشر.
والخلاصة- إنك ما كنت شاهدا موسى وما جرى له ولكنا أوحيناه إليك، وفى هذا تنبيه إلى المعجزة كأنه قال: إن فى إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة ولا تعلّم من أهله- لدلالة ظاهرة على نبوتك.
ثم ذكر ما هو كالدليل على ذلك فقال:
(1)
(وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي وما كنت مقيما بين أهل مدين تتلقف القصة ممن شاهدها، وتقرؤها عليهم بطريق التعلم منهم كما يقرأ المتعلم على معلمه، فتفهّم أخبار موسى بهذا الطريق ونحوه.
(وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) لك موحين إليك تلك الآيات ونظائرها، ولولا ذلك ما علمتها وما أخبرتهم بها.
(2)
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) أي وما كنت بجانب الطور ليلة المناجاة وتكليم الله موسى حتى تحدّث أخبارها، وتفصل أحوالها، حديث الخبير العليم ببواطن أمورها وظواهرها.
(وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بتلك الأخبار وبغيرها مما فيه صلاح البشر وسعادتهم فى معاشهم ومعادهم، لتنذر قوما لم يأتهم قبلك نذير، وتحذّرهم بأس الله وشديد عقابه على إشراكهم به وعبادتهم الأوثان والأنداد، لعلهم يرجعون عن غيهم، ويتذكرون عظيم خطئهم، وكبير جرمهم، فينيبوا إلى ربهم، ويقروا بوحدانيته، ويفردوه بالعبادة دون سواه من الآلهة.
ثم ذكر الحكمة فى إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم، وأن فى ذلك قطعا لمعذرتهم، حتى إذا جاءهم بأسنا لم يجدوا حجة فقال:
(وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا: رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي ولولا أن يقول هؤلاء الذين أرسلناك إليهم حين يحلّ بهم بأسنا ويأتيهم عذابنا على كفرهم بربهم واجتراحهم للمعاصى قبل أن نرسلك إليهم: ربنا هلّا أرسلت إلينا رسولا قبل أن يحلّ بنا سخطك وينزل بنا عذابك، فنتبع أدلتك وآي كتابك التي تنزلها عليه، ونكون من المؤمنين بألوهيتك المصدقين برسولك- لعاجلناهم العقوبة على شركهم، لكنا بعثناك إليهم نذيرا ببأسنا