الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن وبخهم فيما سلف على اتخاذهم الشركاء، وذكر أنه يسألهم عنهم يوم القيامة تهكما بهم وتقريعا لهم- أردف ذلك بتجهيلهم على اختيار ما أشركوه واصطفائهم إياه للعبادة، وأبان لهم أن تمييز بعض المخلوقات عن بعض، واصطفاءه على غيره من حق الله لا من حقكم أنتم، والله لم يصطف شركاءكم الذين اصطفيتموهم للعبادة والشفاعة، فما أنتم إلا جهال ضلال.
الإيضاح
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) أي وربك يخلق ما يشاء خلقه، وهو وحده سبحانه دون غيره يصطفى ما يريد أن يصطفيه ويختاره، فيختار أقواما لأداء الرسالة وهداية الخلق وإصلاح ما فسد من نظم العالم، ويميز بعض مخلوقاته عن بعض ويفضّله بما شاء، ويجعله مقدما عنده، وليس لهم إلا اتباع ما اصطفاه، وهو لم يصطف شركاءهم الذين اختاروهم للعبادة والشفاعة، فما هم إلا فى ضلال مبين، صدوا عن عمل ما يجب عليهم فعله طاعة لله ورسوله، وتصدّوا لما ليس من حقهم أن يفعلوه بحال.
ونحو الآية قوله: «وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ» وقال الشاعر:
العبد ذو ضجر، والرب ذو قدر
…
والدهر ذو دول والرزق مقسوم
والخير أجمع فيما اختار خالقنا
…
وفى اختيار سواه اللوم والشّوم
وروت عائشة عن أبى بكر رضى الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أمرا قال: اللهم خر لى واختر لى»
وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «يا أنس إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثم انظر إلى ما يسبق إليه قلبك، فإن الخير فيه» .
ويستحسن ألا يقدم أحد على أمر من الأمور حتى يسأل الله الخيرة فيه، وذلك بأن يصلى ركعتين صلاة الاستخارة، يقرأ فى الركعة الأولى بعد الفاتحة «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ» وفى الركعة الثانية «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» .
ثم أكد هذا وقرره بقوله:
(ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي ليس لهم أن يختاروا على الله شيئا، وله الخيرة عليهم، فله أن يرسل من يشاء رسولا بحسب ما يعلمه من الحكمة والمصلحة دون أن يكون ذلك منوطا بمال أو جاه كما خيّل إلى بعض المشركين فقالوا «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» .
ثم نزه سبحانه نفسه أن ينازعه فى سلطانه أحد فقال:
(سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) أي تنزيها له وعلوا عن إشراك المشركين، فليس لأحد أن ينازع اختياره أو يزاحمه فيه، لعلمه باستعداد خلقه وصلاحيتهم للاصطفاء، فإذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدى أحدا ممن يحب، أو أراد أهل مكة أن يرسل الله رسولا من عظمائهم قال الله لهم: ليس لكم من الأمر شىء، فلا النبي صلى الله عليه وسلم بقادر على هدى عمه، ولا أهل مكة يصلون إلى أن تكون الرسالة فى عظمائهم.