الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنجيهم من العذاب الذي لا مفر لهم منه، ولا يستطيع بعضهم أن يسأل بعضا عما يلقنه من حجة لهول الموقف واشتداد الخطب، ثم ذكر بعدئذ حال المؤمنين بربهم الذين عملوا صالح الأعمال، وبين أنهم يلقون الفوز والظفر بالمراد فضلا من ربهم ورحمة.
الإيضاح
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟) أي واذكر أيها الرسول لقومك يوم ينادى رب العزة هؤلاء الذين يضلّون الناس ويصدون عن سبيل الله فيقول لهم: أين شركائى من الملائكة والجن والكواكب والأصنام الذين كنتم تزعمون فى الدنيا أنهم لى شركاء- ليخلّصوكم من هذا الذي نزل بكم من العذاب.
وهذا السؤال للإهانة والتحقير، لأنهم عرفوا بطلان ما كانوا يفعلون.
ثم ذكر جواب هؤلاء الرؤساء الدعاة إلى الضلال فقال:
(قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ: رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا) أي قال رؤساء الضلال والدعاة إلى الكفر الذين حق عليهم غضب الله، ولزمهم الوعيد بقوله:«لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» فدخلوا النار: ربنا إن هؤلاء الأتباع الذين أضللناهم، أغويناهم باختيارهم كما غوينا نحن كذلك، ولم يكن منا لهم إلا الوسوسة والتسويل لا القسر والإلجاء- فهم كانوا مختارين حين أقدموا على تلك العقائد وهذه الأعمال.
وخلاصة ذلك- إن تبعة غيّهم واقعة عليهم لا علينا، إذ لم نلجئهم إلى ذلك، بل كان منا مجرد الوسوسة فحسب، فإن كان تسويلنا لهم داعيا إلى الكفر، فقد كان فى مقابلته دعاء الله لهم إلى الإيمان، بما وضع من الأدلة العقلية، وبعث إليهم من الرسل، وأنزل إليهم من الكتب المشحونة بالوعد والوعيد والمواعظ والزواجر، وناهيك بذلك صارفا عن الكفر داعيا إلى الإيمان.
ونحو ذلك قوله حكاية عن الشيطان «إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» وقوله لإبليس: «إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» فقوله: إلا من اتبعك يدل على أن ذلك الاتباع من قبل أنفسهم، لا من إلجاء الشيطان إلى ذلك.
ثم زاد الجملة الأولى توكيدا بقوله:
(تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) منهم ومما اختاروه من الكفر والمعاصي اتباعا لهوى أنفسهم، فلا لوم علينا فى الحقيقة بسببهم.
ونحو الآية قوله: «إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ» .
ثم ذكر ما هو كالعلة لنفى الشبهة عنهم فقال:
(ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي هم ما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون الأوثان بما زيّنت لهم أهواؤهم.
ثم طلب إليهم دعاء الشركاء توبيخا لهم وتهكما بهم فقال:
(وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) أي وقيل للمشركين بالله الآلهة والأنداد فى الدنيا: ادعوا آلهتكم الذين زعمتم جهلا منكم شركتهم لله ليدفعوا العذاب عنكم، فدعوهم لفرط الحيرة وغلبة الدهشة، فلم يجيبوهم عجزا منهم عن الإجابة.
والمقصد من طلب ذلك منهم فضيحتهم على رءوس الأشهاد، بدعاء من لا نفع له، ولا فائدة منه.
ثم بين حالهم حينئذ وتمنيهم أن لو كانوا وفّقوا فى الدنيا إلى سلوك طريق الهدى والرشاد فقال:
(وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ) أي وأيقن الداعون والمدعوون أنهم صائرون إلى النار لا محالة، وودّوا حين عاينوا العذاب لو أنهم كانوا من المهتدين المؤمنين فى الدنيا.
ونحو الآية قوله: «وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً» .
وبعد أن سئلوا عن إشراكهم بالله توبيخا لهم، سئلوا عن تكذيبهم للأنبياء كما أشار إلى ذلك بقوله:
(وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟) أي ويوم ينادى المشركين ربهم وقد برز الناس فى صعيد واحد، منهم المطيع ومنهم العاصي، وقد أخذ بأنفاسهم الزحام، وتراكبت الأقدام على الأقدام، فيقول لهم: ماذا أجبتم المرسلين فيما أرسلناهم به إليكم من دعائكم إلى التوحيد والبراءة من الأوثان والأصنام؟.
ثم بين أنهم لا يحارون جوابا، ولا يجدون من الحجج ما يدافعون به عن أنفسهم فقال:
(فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي فخفيت عليهم الحجج ولم يجدوا معذرة يجيبون بها، فلم يكن لهم إلا السكوت جوابا.
ثم ذكر أنه تخفى عليهم كل طرق العلم التي كانت تجديهم فى الدنيا فقال:
(فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي فلا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس فى المشكلات لما اعتراهم من الدهشة وعظيم الهول، ولتساويهم جميعا فى عمى الأنباء عليهم والعجز عن الجواب.