الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال كفار قريش إذ قابلوا الرحمة بالكفران ولم ينتفعوا بالمنزّل ولا بالمنزّل عليه- أردف هذا أن أمر نبيّه بالانتظار حتى يحل بهم بأسه، لأنهم أهل الخذلان والعذاب، لا أهل الإكرام والغفران.
وفى هذا تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم وتهديد للمشركين.
ثم حكى عنهم مقالهم فى شأن لرسول، فتارة يقولون: إنه معلّم، وأخرى يقولون إنه مجنون، ثم أوعدهم بأنه سينتقم منهم يوم البطشة الكبرى وهو يوم القيامة، ويجازيهم بما قالوا وبما فعلوا ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
الإيضاح
(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) أي فانتظر يوم يأتى الجدب والمجاعة التي تجعل الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان المنتشر فى الفضاء.
ومن خبر هذا ما
رواه البخاري عن مسروق قال: إن قريشا لما أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسنى يوسف، فأصابهم الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان، فأنزل الله تعالى «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ- إلى أَلِيمٌ» فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله: استسق الله تعالى، فاستسقى لهم فسقوا، فأنزل الله «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم الأولى فأنزل الله «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ» فانتقم الله منهم يوم بدر.
(يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي يحيط بهم من كل جانب، فيقولون: هذا عذاب مؤلم يقضّ المضاجع وينتهى إلى موت محقق إن دام.
ثم بين أنهم وعدوا الرسول أن يؤمنوا إذا كشف عنهم العذاب كما كان يحدث من قوم فرعون حين نزول الرجز بهم فقال:
(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي ربنا إنا سنؤمن إن كشفت عنا العذاب، وهذه هى طبيعة البشر إذا هم وقعوا فى شدة أيا كانت أن يعدوا بالتوبة والإقلاع عما هم فيه، ولكن النفوس الشريرة، لاتتجه إلى فعل الخير، ولا تفعل ما تتقرب به إلى ربها، انتظارا لمثوبته، ورجاء فى غفرانه ورحمته.
روى أنه لما اشتد القحط بقريش مشى أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الرحم وواعده إن دعا لهم وزال ما بهم أن يؤمنوا.
ثم نفى صدقهم فى الوعد وبين أن غرضهم كشف العذاب فحسب فقال:
(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ. ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ؟) أي كيف يتذكرون ويتعظون ويفون بما وعدوا به من الإيمان حين يكشف عنهم العذاب، وقد جاءهم الرسول بما هو كاف فى رجوعهم إلى الحق فلم يرجعوا، بل قال بعضهم:
إن القرآن إنما يعلمه له غلام رومىّ لبعض ثقيف، وقال آخرون: إنه أصيب بخبل إذ تلقى إليه الجن هذه الكلمات حين يعرض له الغشي.
والخلاصة- إن التوبة إما أن تكون بما ينال الناس من النوائب، وإما أن تكون بما يتضح لهم من الحقائق، وهؤلاء قد اتضحت لهم وجوه الصواب فلم يفقهوا، فأخذناهم بالعذاب، ولكن كيف يرجعون به وقد ذكرناهم بالآيات وأريناهم الحقائق وهى أنجع أثرا من العقاب فلم يؤمنوا وقالوا ما قالوا.
ثم نبه إلى أنهم لا يوفون بعهدهم، بل إذا زال الخوف نكصوا على أعقابهم ورجعوا سيرتهم الأولى وعضّوا على الكفر بالنواجذ، وساروا على طريق الآباء والأجداد فقال:
(إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ) أي إنا رافعو هذا الضر النازل بهم بالخصب الذي نوجده لهم زمنا يسيرا، وإنا لنعلم أنهم عائدون إلى سيرتهم الأولى من