الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخلق: بثهم وكثّرهم، مقاليد: واحدها مقلاد أو مقليد أو إقليد، وهو المفتاح، يبسط أي يوسع، يقدر: أي يقتّر ويضيق.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم- طلب إليه هنا أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع فى ايمانهم، مبينا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقا، القادر على كل شىء، فقد عدلوا عنه إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
الإيضاح
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي إن هؤلاء المشركين من قومك، قد اتخذوا أولياء ينصرونهم من دون الله، وقد ضلوا ضلالا بعيدا، فهؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فإن أرادوا وليّا بحق يدفع عنهم الملمات، ويجلب لهم الخيرات، فالله هو القادر على ذلك، وهو المحيي الموتى، ويحشرهم يوم القيامة، فجدير بمثله أن يتّخذ وليّا، لا من يستطيع دفع الضر عن نفسه ولا جلب الخير لها.
ونحو الآية قوله: «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ» .
وبعد أن منع رسوله أن يحمل الكفار على الإيمان قسرا- منع المؤمنين أن يتنازعوا معهم فى شأن من شؤون الدين فقال:
(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) أي وما اختلف فيه العباد من أمر الدين فحكمه ومرجعه إلى الله، يحكم فيه يوم القيامة بحكمه، ويفصل بين المختصمين، وحينئذ يظهر المحق من المبطل، ويتميز أهل الجنة وأهل النّار.
وقد يكون المعنى- إن حكمه مردود إلى كتاب الله، فقد اشتمل على الحكم بين عباده فيما فيه يختلفون، فالآية عامة فى كل اختلاف يتعلق بأمر الدين وأنه مردود إلى كتاب الله.
ونحو الآية قوله: «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ» .
وقد حكم سبحانه فى كتابه، بأن الدين هو الإسلام، وأن القرآن حق، وأن المؤمنين فى الجنة والكافرين فى النار، ولكن لما كان الكفار لا يذعنون بأن ذلك حق إلا فى الدار الآخرة وعدهم بذلك يوم القيامة.
ثم أمره أن يقول لهم:
(ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي ذلكم الموصوف بهذه الصفات، من الإحياء والإماتة، والحكم بين المختلفين، هو ربى وحده، لا آلهتكم التي تدعون من دونه، عليه توكلت فى دفع كيد الأعداء وفى جميع شئونى، وإليه أرجع فى كل المهمات، وإليه أتوب من الذنوب.
وفى هذا تعريض لهم بأن ما هم عليه من اتخاذ غير الله وليّا لا يجديهم نفعا، ولا يدفع عنهم ضرا، فالأجدر بهم أن يقلعوا عنه، إذ من شأن العاقل ألا يفعل إلا ما يفيده فى دين أو دنيا.
ثم بين الأسباب التي تحمله على أن يلتجىء إليه وتجعله الحقيق بذلك فقال:
(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي إنه الجدير بأن يعتمد عليه، ويستعان به، لأنه خالق العوالم جميعها، علويها وسفليها، على عظمتها التي ترونها، لا آلهتكم التي لا تستطيع أن تخلق شيئا.
ثم بين بعض ما خلقه وأنعم به فقال:
(جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) أي ومن حكمته لبقاء العمران فى هذه الحياة إلى الأجل الذي حدده فى علمه- أن خلق لكم
من جنسكم زوجات، لتتوالدوا، ويكثر النسل، ويستمر بقاء هذا النوع، وجعل للأنعام مثل هذا، وبذا تنتظم شئون الحياة لهذا الخليفة الذي جعله الله فى الأرض، وتقضى مآربه الدنيوية من مأكول ومشروب، وتستمر تغذيته على أتم النظم، وأكمل الوجوه، فيشكر ربه على ما أولى، ويعبده على ما أنعم، فيفوز بالسعادة فى الحياة الآخرة كما فاز بها فى الدنيا.
وقوله «فيه» أي فى هذا التدبير وهو التزويج، فهو سبحانه جعل الناس والأنعام أزواجا ليكون بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، فيكون هذا التدبير كالمنبع والمعدن لهذا التكثير فى النسل.
وبعد أن ذكر بعض صنعه الدال على عظمته أرشد إلى بعض صفاته العظيمة فقال:
(1)
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أي ليس كخالق الأزواج شىء يزاوجه، لأنه الفرد الصمد، وقد يكون المعنى ليس مثله شىء فى شئونه التي يدبرها بمقتضى قدرته الشاملة، وعلمه الواسع، وحكمته الكاملة، ومن ثم جعل هذا التدبير المحكم لإحاطة علمه بكل شىء.
(2)
(وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي وهو السميع لما ينطق به خلقه من قول، البصير بأعمالهم لا يخفى عليه شىء مما كسبت أيديهم من خير أو شر.
(3)
(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له تعالى مفاتيح خزائن السموات والأرض فبيده مقاليد الخير والشر، فما يفتح من رحمة فلا ممسك لها، وما يمسك منها فلا مرسل له من بعده، وقد بين هذا بقوله:
(يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه ويقتّر على من يريد، بحسب السنن والنواميس التي وضعها بين عباده فى هذه الحياة.
ثم ذكر سبب هذا البسط والتقتير فقال:
(إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى عليم بكل ما يفعله من توسعة على من يوسع