الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) أي إن المتقين لله فى الدنيا الخائفين عقابه، المنتظرين فضله وثوابه- يكونون فى الآخرة فى مجالس يأمنون فيها من الموت ومن كل ما يحزنهم ويصيبهم من الآفات والآلام.
وقد ذكر سبحانه من ضروب نعيمهم خمسة ألوان:
(1)
مساكنهم كما قال «فِي مَقامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» والمسكن يطيب بأمرين:
(ا) أن يكون من فيه آمنا من جميع ما يخافه ويحذر منه، وهو المقام الأمين.
(ب) أن يكون فيه أسباب النزهة من الجنات والعيون، وذلك قوله: ِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ» .
(2)
ملابسهم، وهى التي عناها سبحانه بقوله:
(يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) وقد تقدم بسط الكلام فى ذلك فى سورة الكهف.
(3)
استئناس بعضهم ببعض بجلوسهم على جهة التقابل، وهو ما أشار إليه بقوله:
(مُتَقابِلِينَ) أي ينظر بعضهم إلى بعض، وهو أتمّ للأنس.
(4)
الأزواج كما قال:
(كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) أي وهذا العطاء مع ما قد منحناهم من الزوجات الحور العين اللاتي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جانّ.
(5)
المأكول كما قال:
(يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) أي يطلبون ما يشتهون من أنواع الفاكهة، وهم آمنون من انقطاعها، ومن غائلة أذاها ومكروهها، فهى ليست كفاكهة الدنيا التي نأكلها ونخاف مكروه عاقبتها، أو نخاف نفادها فى بعض الأحايين.
وبعد أن وصف ما هم فيه من نعيم مقيم، بيّن أن حياتهم فى هذا النعيم دائمة لا يلحقها موت ولا فناء فقال:
(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) أي لا يخشون فى الجنة موتا ولا فناء أبدا.
وقد ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يؤتى بالموت فى صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم يذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت»
وقد تقدم هذا فى سورة مريم.
وروى أبو هريرة وأبو سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقال لأهل الجنة إن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدا، وإن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا، وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدا» رواه مسلم.
وخلاصة ذلك- لا يذوقون فيها الموت، لكن الموتة الأولى قد ذاقوها فى الدنيا كذا قال الزجاج والفرّاء.
(وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وهم مع هذا النعيم قد نجاهم من العذاب الأليم، فى دركات الجحيم، فأعطاهم ما يطلبون، ونجاهم مما يهزبون.
(فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ) أي نجاهم من ذلك تفضلا منه وإحسانا.
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي ذلك الذي أعطيناه هؤلاء المتقين من الكرامة، هو الفوز العظيم بما كانوا يطلبون إدراكه فى الدنيا، بأعمالهم، وطاعتهم لربهم، واتقائهم إياه، فيما امتحنهم به من الطاعات، واجتنابهم للمحرمات.
ولما أتمّ المقاصد التي أراد ذكرها فى هذه السورة لخصها بقوله:
(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) أي إنما سهلنا إليك قراءة القرآن الذي أنزلناه إليك بلسانك، ليتذكر به قومك ويتعظوا بعظاته، ويتفكروا فى آياته إذا تلوتها عليهم، فينيبوا إلى ربهم، ويذعنوا للحق الذي تبيّنوه.
ولما كان القرآن مع هذا الوضوح والبيان قد خالف فيه بعض الناس وعاند، قال تعالى مسليّا رسوله وواعدا له بالنصر، ومتوعدا من كذبه بالهلاك.