الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح المفردات
نودى للصلاة: أي النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر، أما النداء الأول على الزوراء (أعلى دار بالمدينة حينئذ بقرب المسجد) فقد زاده عثمان لكثرة الناس، فاسعوا: أي فامشوا، وذكر الله: هو الصلاة، وذروا البيع: أي اتركوه، فانتشروا: أي فتفرقوا، من فضل الله:
أي من رزقه، والمراد باللهو: الطبول والمزامير ونحوها، انفضّوا: أي انصرفوا، قائما:
أي على المنبر وأنت تخطب.
المعنى الجملي
بعد أن نعى على اليهود فرارهم من الموت حبّا فى الدنيا والتمتع بطيباتها- ذكر هنا أن المؤمن لا يمنع من اجتناء ثمار الدنيا وخيراتها مع السعى لما ينفعه فى الآخرة كالصلاة يوم الجمعة فى المسجد مع الجماعة، فعليه أن يعمل للدنيا والآخرة معا، فما الدنيا إلا مزرعة الآخرة كما
ورد فى الأثر «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» .
ثم نعى على المسلمين فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم تشاغلهم عن سماع عظاته وهو يخطب على المنبر بأمور الدنيا من تجارة وضرب دفّ وغناء بالمزامير ونحو ذلك، وأبان لهم أنّ ما عند الله من الثواب والنعيم المقيم خير لهم من خيرات الدنيا والتمتع بلذاتها الفانية.
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي إذا أذّن المؤذن بين يدى الإمام وهو على المنبر فى يوم الجمعة للصلاة
فاتركوا البيع واسعوا لتسمعوا موعظة الإمام فى خطبته، وعليكم أن تمشوا الهوينى بسكينة ووقار حتى تصلوا إلى المسجد.
روى الشيخان عن أبى هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون (تسرعون) وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» .
وعن أبى قتادة قال: «بينما نحن نصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتموا» رواه البخاري ومسلم.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي ذلكم السعى وترك البيع خير لكم من التشاغل بالبيع وابتغاء النفع الدنيوي فإن منافع الآخرة خير لكم وأبقى، فهى المنافع الباقية، أما منافع الدنيا فهى زائلة، وما عند الله خير لكم إن كنتم من ذوى العلم الصحيح بما يضر وما ينفع.
ثم ذكر ما يفعلون بعد الصلاة فقال:
(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي فإذا أديتم الصلاة فتفرقوا لأداء مصالحكم الدنيوية بعد أن أديتم ما ينفعكم فى آخرتكم، واطلبوا الثواب من ربكم، واذكروا الله وراقبوه فى جميع شئونكم، فهو العليم بالسر والنجوى، لا تخفى عليه خافية من أموركم، لعلكم تفوزون بالفلاح فى دنياكم وآخرتكم.
وفى هذا إيماء إلى شيئين:
(1)
مراقبة الله فى أعمال الدنيا حتى لا يطغى عليهم حبها بجمع حطامها بأيّ الوسائل من حلال وحرام.
(2)
إن فى مراقبته تعالى الفوز والنجاح فى الدنيا والآخرة، أما فى الدنيا فلأن من راقبه لا يغشّ فى كيل ولا وزن ولا يغيّر سلعة بأخرى، ولا يكذب فى مساومة، ولا يحلف كذبا، ولا يخلف موعدا، ومتى كان كذلك شهر بين الناس بحسن المعاملة وأحبوه وصار له من حسن الأحدوثة ما يضاعف له الله به الرزق، وأما فى الآخرة فيفوز برضوان ربه «وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ» وبجنات تجرى من تحتها الأنهار، ونعم أجر العاملين.
وعن عراك بن مالك رضى الله عنه أنه كان إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد وقال: «اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتنى، فارزقنى من فضلك وأنت خير الرازقين» .
ثم عاتب سبحانه عباده المؤمنين على ما كان منهم من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذ فقال:
(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) أي وإذا رأى المؤمنون عير تجارة أو لهوا أسرعوا وتركوك قائما وأنت تخطب الناس.
أخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي فى جماعة عن جابر بن عبد الله قال: «بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير (إبل محملة طعاما من دقيق وبرّ وزيت) فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم وأبو بكر وعمر فأنزل الله تعالى: «وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً» إلى آخر السورة.
والذي قدم بهذه التجارة دحية الكلبي من الشام، وكان إذا قدم لم تبق عاتق (الشابة حين أدركت) بالمدينة، إلا أتته ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه، فيخرجوا ليبتاعوا منه، وكان ذلك طريق الإعلان عن التجارة حينئذ.
ثم رغبهم فى سماع العظات فقال:
(قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ) أي قل لهم مبينا خطأ ما عملوا: