الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح المفردات
الأسوة: (بضم الهمزة وكسرها وبهما قرئ) من يؤتسى به، كالقدوة لمن يقتدى به والجمع أسى، برآء واحدهم برىء كظرفاء وظريف: أي متبرئون ومنكرون لما تعملون، وما تعبدون: أي الأصنام والكواكب وغيرها، البغضاء: أي البغض والكراهة، لا تجعلنا فتنة للذين كفروا: أي لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نحتمله، من قولهم: فتن الفضة: أي أذابها، يرجو الله: أي يؤمل ثوابه، واليوم الآخر، أي مجيئه، ومن يتولّ: أي ومن يعص النصيحة.
المعنى الجملي
بعد أن أنكر عليهم موالاتهم للكافرين، وذكر لهم الموانع التي تمنع من ذلك كإخراجهم من الديار، وتمنى الكفر لهم، وصدهم عن هداية الدين وكفرهم بالرسول وبما جاء به، وأنهم متى وجدوا سبيلا لأذاهم بقول أو فكر سلكوه غير آبهين لصلة رحم ولا قربى- أكد هنا ذلك فأمرهم أن يأتسوا بإبراهيم وأصحابه إذ تبرءوا من قومهم وعادوهم وقالوا لهم: إنا برآء منكم، قال الفراء: يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم حين تبرأ من أهله؟ لتعلم أن الحب فى الله والبغض فى الله من أوثق عرا الإيمان.
الإيضاح
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي قد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة فى إبراهيم خليل الرحمن تقتدون به وبالذين معه من أتباعه المؤمنين حين قالوا لقومهم الذين
كفروا بالله وعبدوا الطاغوت: أيها القوم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله من الآلهة والأنداد.
ثم فسر هذه البراءة بقوله:
(كَفَرْنا بِكُمْ) أي جحدنا ما أنتم عليه من الكفر، وأنكرنا عبادتكم ما تعبدون من دون الله، فلا نعتدّ بكم ولا بآلهتكم، فإن ما أنتم عليه لا تقره العقول الراجحة، ولا الأحلام الحصيفة فما قيمة الأحجار والأصنام التي تتخذونها معبودات ترجون منها النفع والضر «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ» .
(وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) أي وها نحن أولاء قد أعلنّا الحرب عليكم، فلا هوادة بيننا وبينكم، وسيكون هذا دأبنا معكم، لا نترككم بحال حتى تتركوا ما أنتم عليه من الشرك، فتنقلب العداوة ولاية، والبغضاء محبة.
(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) أي لكم فى إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها إلا فى استغفار إبراهيم لأبيه، فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه، فلما تبين له أنه عدوّا لله تبرأ منه.
وقد كان بعض المؤمنين يدعون لآبائهم الذين ماتوا على الشرك ويستغفرون لهم ويقولون: إن إبراهيم كان يستغفر لأبيه فأنزل الله عز وجل: «ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ، وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ» .
والخلاصة- لا تجاملوهم ولا تبدوا لهم الرأفة وتستغفروا لهم، كما فعل إبراهيم لأبيه، لأنه إنما استغفر له قبل أن يتبين له أنه عدو لله، فلما مات على الكفر تبين
له ذلك، فترك الاستغفار، وأنتم قد استبانت لكم عداواتهم بكفرهم بالرسول، وإخراجكم من الديار، فلا ينبغى أن تستغفروا لهم.
(وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي وليس فى وسعى إلا الاستغفار لك، ولا أستطيع أن أنفعك بأكثر من هذا، فإن أراد الله عقوبتك على كفرك فلا أدفعها عنك.
ثم أخبر عن قول إبراهيم والذين معه حين فارقوا قومهم وتبوءوا منهم ولجئوا إلى الله وتضرعوا إليه.
(رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي ربنا اعتمدنا عليك فى قضاء أمورنا، ورجعنا إليك بالتوبة مما تكره إلى ما تحب وترضى، ومصيرنا إليك يوم تبعثنا من قبورنا، وتحشرنا إلى موقف العرض والحساب.
(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) قال قتادة: أي لا تظهرهم علينا فيفتنونا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحقّ هم عليه.
(وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي واستر لنا ذنوبنا بعفوك عنها، إنك أنت الذي لا يضام من لاذ بجنابه، الحكيم فى تدبير خلقه، وصرفه إياهم فيما فيه صلاحهم.
ثم أعاد ما تقدم مبالغة فى الحث على الائتساء بإبراهيم عليه السلام ومن معه.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) أي لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة فى إبراهيم ومن آمن معه من أتباعه المؤمنين، لمن كان منكم يرجو لقاء الله وجزيل ثوابه، والنجاة فى اليوم الآخر.
وفى هذا تهييج إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، والعضّ عليهما بالنواجذ، وبيان أنهما ملاك الأمر كله يوم العرض والحساب.
ثم أوعد على تركهما بقوله:
(وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي ومن أعرض عما ندبه الله إليه منكم