الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألم تر: أي ألم تعلم، ما يكون: أي ما يوجد، والنجوى: التناجي والمسارّة كما قال:
«لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ» وقد يستعمل فى المتناجين كما قال: «وَإِذْ هُمْ نَجْوى» أي أصحاب نجوى.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أحكام كفارة الظهار وبيّن أنه إنما شرعها تغليظا للناس حتى يتركوا الظهار، وقد كان ديدنهم فى الجاهلية، ويتبعوا أوامر الشريعة، ويلين قيادهم لها، ويخلصوا لله ربهم فى جميع أعمالهم، فتصفو نفوسهم، وتزكو بصالح الأعمال.
أردف هذا ببيان أن من يشاقّ الله ورسوله ويعصى أوامره، يلحق به الخزي والهوان فى الدنيا وله فى الآخرة العذاب المهين فى نار جهنم ثم أعقب ذلك بالوعيد الشديد فبين أنه لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، فهو عليم بمناجاة المتناجين، فإن كانوا ثلاثة فهو رابعهم، وإن كانوا خمسة فهو سادسهم، وإن كانوا أقل من ذلك أو أكثر فهو معهم أينما كانوا، فلا تظنوا أنه تخفى عليه أعمالكم، وسينبئكم بها عند العرض والحساب، وحين ينصب الميزان، فتلقون جزاء ما كسبت أيديكم، وتندمون ولات ساعة مندم.
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي إن الذين يختارون لأنفسهم حدودا غير ما حده الله ورسوله، ويضعون شرائع غير ما شرعه، سيلحقهم الخزي والنكال فى الدنيا كما لحق من قبلهم من كفار الأمم الماضية الذين حادوا الله ورسله، وقد تحقق ذلك يوم الخندق.
وفى هذا بشارة للمؤمنين بظهورهم على عدوهم ونصر الله لهم.
كما أن فيه وعيدا عظيما للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا قوانين وشرائع وضعية غير ما شرع الله، وألزموا رعاياهم العمل بها، والجري على نهجها، وعينوا لذلك قضاة يحكمون بها، ونبذوا ما جاء فى شرعهم، والله يقول:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» .
نعم إنه لا بأس بالقوانين السياسية إذا وقعت باتفاق ذوى الآراء من أهل الحلّ والعقد على وجه يكون به انتظام شمل الجماعات، إذا كانت لا تخالف فى أحكامها روح التشريع الديني كتعيين مراتب التأديب للزجر على المعاصي، والجنايات التي لم ينص الشارع فيها على حد معين، بل فوض الأمر فيها للإمام، وليس فى ذلك محادة لله ورسوله، بل فيها استيفاء لحق الله على الوجه الأكمل.
(وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ) أي وكيف يفعلون ذلك وقد أقمنا دلائل واضحات تبين معالم الشريعة وتوضح حدودها، وتفصل أحكامها وتبين سرّ تشريعها؟
فلا عذر لهم فى مخالفتها، والانحراف عن سننها.
(وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) أي وللجاحدين بتلك الآيات عذاب يذهب بعزهم وكبريائهم.
والخلاصة- إن لهؤلاء المحادين عذابا فى الدنيا بالخزي والهوان، وعذابا فى الآخرة فى جهنم وبئس القرار.
(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا، أَحْصاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي واذكر لهم أيها الرسول حالهم يوم يجمع الله الأولين والآخرين فى صعيد واحد، فيخبرهم بما كسبت أيديهم تشهيرا لهم وخزيا على رءوس الأشهاد، والله قد حفظه وضبطه وهم قد نسوه، والله شهيد على كل شىء، فلا يغيب عنه شىء، ولا ينسى شيئا.
وفى هذا شديد الوعيد والتقريع العظيم والتنديم، ليعرفوا أن ما حاق بهم من العذاب، إنما كان من جراء أعمالهم وقبيح أفعالهم.