الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وحزب الله مفلح لا محالة وقد كتبت له السعادة فى الدارين كما قال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» .
الإيضاح
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) أي إن الذين يخالفون أوامر الله ونواهيه، ويمتنعون عن أداء ما فرض عليهم من فرائضه، هم فى جملة أهل الذلة، لأن الغلبة لله ولرسوله، وذلهم فى الدنيا يكون بالقتل والأسر والإخراج من الديار كما حصل للمشركين واليهود، وفى الآخرة بالخزي والنكال والعذاب الأليم كما قال سبحانه:«رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ» .
وفى هذا بشارة للمؤمنين بأنه سيظهرهم على عدوهم ويكتب لهم الفوز ويكونون هم الأعزاء وسواهم الأذلاء.
ثم أكد ما سلف بقوله:
(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) أي قضى الله وحكم فى أم الكتاب بأن الغلبة بالحجة والسيف وما يجرى مجراهما تكون لله ورسله، فقد أهلك كثيرا من أعدائهم بأنواع من العذاب كقوم نوح وقوم صالح وقوم لوط وغيرهم (والحرب بين نبينا وبين المشركين، وإن كانت سجالا كانت العاقبة فيها له عليه الصلاة والسلام ثم تكون لأتباعه من بعده ما داموا على سننه، محافظين على الحدود التي أمروا بها، وجاهدوا عدوهم جهادا خالصا لله على نحو جهاد الرسل، لا لطلب ملك وسلطان، ولا لطلب دنيا ومال.
وعن مقاتل قال: لما فتح الله تعالى مكة للمؤمنين والطائف وخيبر وما حولها، قالوا نرجو أن يظهرنا الله على فارس والروم، فقال عبد الله بن أبىّ رأس المنافقين:
أتظنون أن فارس والروم كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ والله إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك فنزلت: «كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي» .
ونحو الآية قوله تعالى: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ» .
(إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي إن الله الذي له الأمر كله- قوىّ على نصر رسله لا يغلب على مراده، فمتى أراد شيئا كان ولم يجد معارضا ولا ممانعا كما قال:«إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» .
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) أي لا تجد قوما يجمعون بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وموادّة أعداء الله ورسوله، لأن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكافرين، إذ من كان مؤمنا حقا لا يوالى كافرا، فمن أحب أحدا امتنع أن يوالى عدوه، والمراد من موالاته مناصحته وإرادة الخير له فى الدين والدنيا، أما المخالطة والمعاشرة فليست بمحظورة ولقد أصاب المسلمين اليوم من ذلك بلاء شديد، فإنا نرى الأمم الإسلامية أصبحت فى أخريات الأمم، وأبناؤها فى شمال إفريقية وفى مصر وغيرها يوالون الإفربحة وينصرونهم على أبناء جنسهم، ولو كان فى هذا ذل لهم ولدينهم وأمتهم، ولن يزول هذا إلا بالاستشعار بالعزة والكرامة القومية والدفاع عن حوزة الدين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ثم بالغ فى الزجر وأبان أنه لا ينبغى لمؤمن أن يفعل ذلك ولو مع الأقارب كالآباء الذين يجب طاعتهم ومصاحبتهم فى الدنيا بالمعروف، أو الأبناء الذين هم فلذات الأكباد أو الإخوان الذين هم الناصرون لهم، أو العشيرة الذين يعتمد عليهم بعد الإخوان.
والخلاصة- إنه لا يجتمع إيمان مع موادّة أعداء الله، لأن من أحب أحدا امتنع من محبة عدوه، فإذا حصل فى القلب مودة أعداء الله لم يحصل فيه الإيمان الصحيح وكان صاحبه منافقا.
أخرج الطبراني والحاكم والترمذي مرفوعا «يقول الله تبارك وتعالى: وعزتى لا ينال رحمتى من لم يوال أوليائى، ويعاد أعدائى»
وأخرج الديلمي من طريق الحسن عن معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لغاش علىّ يدا ولا نعمة فيودّه قلبى، فإنى وجدت فيما أوحيت إلىّ: لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله» .
قيل إن الآيات نزلت فى أبى بكر رضي الله عنه، أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: حدّثت أن أبا قحافة سبّ النبي صلى الله عليه وسلم فصكه أبو بكر صكة سقط بها على وجهه، فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: أفعلت يا أبا بكر؟ قال نعم، قال لا تعد، قال والله لو كان السيف قريبا منى لقتلته.
وقيل نزلت فى أبى عبيدة بن عبد الله الجراح، أخرج ابن أبى حاتم والطبراني وأبو نعيم فى الحلية والبيهقي فى سننه عن ابن عباس قال: جعل والد أبى عبيدة يتصدى له يوم بدر، وجعل أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله فنزلت:(لا تَجِدُ قَوْماً) الآية.
(أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) أي أولئك الذين سلفت أوصافهم أثبت الله فى قلوبهم الإيمان، والإيمان نعمة عظيمة لا تحصل لمن يوادّ من حادّ الله ورسوله.
وفى هذا مبالغة فى الزجر عن موادة أعداء الله.
ثم ذكر سببا آخر يمنع من موادتهم فقال:
(وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) أي إنه قواهم بطمأنينة القلب والثبات على الحق، فلا يبالون بموادة أعداء الله ولا يأبهون لهم.
ثم ذكر ما أعده لهم من النعيم المقيم فقال:
(وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين فيها أبدا.
ثم ذكر السبب فيما أفاض الله عليهم من نعمة فقال: