الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأمرين، بأن الغنيمة تكون فيما أتعبتم أنفسكم فى تحصيله وأوجفتم عليه الخيل والركاب، والفيء فيما لم تتحملوا فى تحصيله تعبا، وحينئذ يكون أمره مفوّضا إلى الرسول يضعه حيث يشاء.
الإيضاح
(وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) أي ما صيره الله إلى رسوله من أموال بنى النضير فهو لله ورسوله، ولا يجعل غنيمة للجيش يقسم تقسيم الغنائم، لأنه لم تقاتل فيه الأعداء بالمبارزة والمصاولة، بل نزلوا على حكم الرسول فرقا ورعبا، ولهذا يصرف فى وجوه البر والمنافع العامة التي ذكرها الله فى هذه الآيات.
أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عمر بن الخطاب قال: «كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله خاصة، فكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي فى السلاح والكراع عدّة فى سبيل الله تعالى» .
(وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) أي ولكن جرت سنة الله أن يسلط رسله على من يشاء من أعدائه ويقذف الرعب فى قلوبهم، فيستسلمون لهم بلا قتال ولا مصاولة، كما سلط محمدا صلى الله عليه وسلم على هؤلاء فنزلوا على حكمه دون اقتحام مضايق الخطوب، ولا مقاومة شدائد الحروب، فلا حق للمقاتلة فى الفيء بل يكون أمره مفوضا إلى الرسول يصرفه كيف شاء، ولا يقسمه تقسيم الغنائم.
(وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فيفعل ما يشاء كما يشاء، تارة على ما يعهد من السنن وأخرى على غير ما يعهد منها كما جرى لبنى النضير من استسلامهم بلا قتال على
مناعة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم من سلاح وكراع، وما كان المسلمون يظنون أن هذا سيكون.
وبعد أن أتمّ الكلام فى إجلاء بنى النضير وفيئهم أعقبه بالكلام فى حكم ما أفاء الله على رسوله من قرى الكفار عامة فقال:
(ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) أي ما رده الله إلى رسوله من كفار أهل القرى كقريظة والنّضير وفدك وخيبر، فيصرف فى وجوه البر والخير ولا يقسم تقسيم الغنائم، بل يعطى للرسول ولذوى قرباه من مؤمنى بنى هاشم وبنى المطلب، ولليتامى الفقراء، وللمساكين ذوى الحاجة والبؤس، ولابن السبيل الذي انقطع عنه ماله، ولا يمكن أن يصل إليه لبعد الشّقّة وانقطاع طرق المواصلات، وقد كان ذلك حين كانت طرق الوصول شاقة، لكنها الآن سهلة وهى على أساليب شتى، فيمكن المرء أن يطلب ما شاء بحوالة على أي مصرف فى أي بلد على سطح الكرة الأرضية، ومن ثم فهذا النوع لا يوجد الآن.
ثم علل هذا التقسيم بقوله:
(كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) أي وإنما حكمنا بذلك وجعلناه مقسما بين هؤلاء المذكورين، لئلا يأخذه الأغنياء ويتداولوه فيما بينهم، ويتكاثروا به، كما كان ذلك دأبهم فى الجاهلية، ولا يصيب الفقراء من ذلك شىء.
(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) أي وما أعطاكم الرسول من الفيء وغيره فخذوه فهو لكم حلال، وما نهاكم عنه فابتعدوا عنه ولا تقربوه، فإن الرسول لا ينطق عن الهوى كما قال سبحانه:«وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» .
أخرج الشيخان وأبو داود والترمذي فى جماعة عن ابن مسعود قال: «لعن الله