الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا من الحبر دليل على أن هناك عوالم كثيرة لا يجدر بالعلماء أن يحدثوا عنها العامة، فإن عقولهم تضل فى فهمها، فلتبق فى صدور العلماء وأهل الذكر حتى لا يفتنوا بها.
(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) أي يجرى أمر الله وقضاؤه وقدره بينهن، وينفذ حكمه فيهن، فهو يدبر ما فيها وفق علمه الواسع، وحكمته فى إقامة نظمها، بحسب العدل والمصلحة.
أخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة قال: «فى كل سماء وفى كل أرض خلق من خلقه تعالى، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه عز وجل» .
(لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) أي ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك، كى تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه، وأنه لا يتعذر عليه شىء أراده، ولا يمتنع عليه أمر شاءه، فهو على ما يشاء قدير، ولتعلموا أن الله بكل شىء من خلقه محيط علما لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
فخافوا أيها المخالفون أمر ربكم فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع، وهو قادر على ذلك، ومحيط بأعمالكم لا يخفى عليه منها خاف، وهو محصيها عليكم، ليجازيكم بها يوم تجزى كل نفس بما كسبت.
ما تضمنته هذه السورة من الشئون
اشتملت هذه السورة على أحكام شرعية، ومناهج دينية، وفتاوى إسلامية، وضعت لإقامة العدل بين الخلق وما أهل الأرض ولا أحكامهم ولا شرائعهم ولا دياناتهم إلا لمحة من نور العدل العام، وقبضة من فيضه، وزهرة من شجرته، فإن قضى القضاة على كراسى الحكم بين العباد، فأعطوا زيدا ما يجب على عمرو، وقالوا للحامل عدتك وضع الحمل، فكم بين السموات والأرض من قضاء فى هذا
الفضاء الواسع الصامت لفظا، الناطق معنى، وكم من حكم بيننا نرى أثره، ولا نسمع النطق به، نرى الشمس محكوما عليها أن تطلع من مواضع فى المشرق، وتغيب فى مواضع فى المغرب لا تجوزها، ونرى الرياح محكوما عليها، والسحب مأمورة، والأنهار جارية، والمزارع قد حكم عليها أن تكون فى زمن خاص، وأمكنة خاصة فليس للقطن أن ينبت فى البلاد الباردة، ولا أن يثمر فى زمن الشتاء، ولا للنخل أن يثمر إلا بعد عدد من السنين، وكل ذلك حكم لمصلحة الناس، وسعادتهم فى دنياهم.
فانظر أىّ الحكمين أكثر منفعة؟ أحكم لمصلحة أشخاص متنازعين، أم حكم لسعادة هؤلاء المتنازعين من كل أهل ملة ودين؟.