الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينه الله بقوله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ثم بين أن فريقا منهم آمنوا إيمانا صادقا وعملوا الصالحات فأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وتوعدهم بالأجر العظيم يوم القيامة
الإيضاح
(فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي فبسبب ظلمهم استحقوا تحريم طيبات كانت محلّلة لهم ولمن قبلهم عقوبة وتربية لهم، لعلهم يرجعون عن ظلمهم، وكانوا كلما ارتكبوا معصية يحرم عليهم نوع من الطيبات وهم مع ذلك كانوا يفترون على الله الكذب، ويقولون لسنا بأول من حرمت عليه، بل كانت محرمة على نوح وإبراهيم فكذبهم الله فى مواضع كثيرة كقوله:«كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ» .
أما الطيبات التي حرمها عليهم فهى ما بيّن فى قوله عز اسمه «وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ» الآية. وقد أبهمها الله هنا، لأن الغرض من السياق العبرة بكونها عقوبة، لا بيانها فى نفسها، كما أبهم الظلم الذي كان سببا فى العقوبة، ليعلم أن أىّ نوع منه يكون سببا للعقاب فى الدنيا قبل الآخرة.
والعقاب إما دنيوى كالتكاليف الشاقة زمن التشريع، والجزاء الوارد فى الكتب على الجرائم كالحد والتعزير وما اقتضته السنن التي سنها الله فى نظم الاجتماع من كون الظلم سببا لضعف الأمم وفساد عمرانها واستيلاء الأمم الأخرى عليها، وإما أخروىّ وهو ما بيّنه فى الكتاب الكريم من العذاب فى النار.
ثم بين هذا الظلم وفصله بعد ذكره إجمالا، ليكون أوقع فى النفس، وأبلغ فى الموعظة.
(وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً) الصدّ والصدود: المنع، وهو يشمل صدهم أنفسهم عن سبيل الله بما كانوا يعصون به موسى ويعاندونه مرارا، وصدّهم الناس عن سبيل الله بسوء القدوة، أو بالأمر بالمنكر والنهى عن المعروف.
(وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) أي وبسبب أخذهم الربا وقد نهوا عنه على ألسنة أنبيائهم، والتوراة التي بين أيديهم إنما تصرح بتحريم أخذهم الربا من شعبهم ومن إخوتهم دون الأجانب، فقد جاء فى سفر الخروج (إن أقرضت فضة لشعبى الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابى، لا تضعوا عليه ربا) وفى سفر تثنية الاشتراع (لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة أو ربا شىء ما مما يقرض بربا، للأجنبى تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا) وهذه عبارة التوراة التي كتبت بعد السبي، وثبت تحريفها بالشواهد الكثيرة، أما النسخة التي كتبها موسى فقد فقدت باتفاق اليهود والنصارى.
وبعض أنبيائهم قد نهوا عن الربا إطلاقا فلم يقيدوه بشعب إسرائيل كقول داود فى المزمور الخامس عشر: فضته لا يعطيها بالربا، ولا يأخذ الرشوة من البريء، وقول سليمان فى سفر الأمثال (المكثر ماله بالربا والمرابحة، فلن يرحم الفقراء بجمعه)(وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ) أي بالرشوة والخيانة ونحوهما مما أخذ فيه المال بلا مقابل يعتدّ به.
ونحو الآية قوله تعالى: «سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ» والسحت:
الكسب الحرام فقد كانوا يأخذون أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم ثم يقولون هى من عند الله.
وبعد أن ذكر وجوه الذنوب التي اقترفوها، والجرائم التي ارتكبوها، بين جزاءهم عليها فى الآخرة فقال:
(وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) أي وأعددنا للذين كفروا منهم برسل الله عذابا مؤلما فى نار جهنم خالدين فيها أبدا.
وبعد أن بين فى هذا السياق سوء حال اليهود وكفرهم وعصيانهم وأطلق القول فى ذلك، وكان هذا مما يوهم أنه شامل لكل أفرادهم، جاء الاستدراك عقبه ببيان حال خيارهم الذين لم يذهب عمى التقليد بنور عقولهم فقال:
(لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ