الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
بعد أن بيّن سبحانه أنه أخذ الميثاق على اليهود والنصارى، كما أخذه على هذه الأمة وأنهم نقضوا العهد والميثاق، وتركوا ما أمروا به، وأنهم أضاعوا حظا عظيما مما أوحاه إليهم ولم يقيموا ما حفظوا منه- دعاهم عقب ذلك إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي جاء به.
وهذا البيان من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم، وهو من معجزات القرآن الكثيرة المنبثة فى تضاعيفه.
الإيضاح
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) قال ابن عباس: أخفوا صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأخفوا أمر الرجم، وعفا عن كثير مما أخفوه، فلم يفضحهم ببيانه اه.
أي يا أهل الكتاب إنا أرسلنا إليكم محمدا رسول الله وخاتم النبيين يبيّن لكم كثيرا من الأحكام التي كنتم تخفونها، وقد أنزلها الله عليكم كحكم رجم الزاني وهو مما حفظتموه من أحكام التوراة كما هو ثابت فى سفر التثنية، لكنكم لم تلتزموا العمل به وأنكره عالمكم ابن صوريا أمام النبي صلى الله عليه وسلم فأقسم عليه وناشده الله فاعترف به، وكذلك أخفى اليهود والنصارى صفات النبي صلى الله عليه وسلم والبشارات به وحرفوها بالحمل على معان أخرى، إلى ما أضاعوه من كتبهم ونسوه كنسيان اليهود ما جاء فى التوراة من أخبار الحساب والجزاء فى الآخرة، وأظهره الرسول لهم، وكانت الحجة عليهم فيه أقوى، إذ هم يعلمون أنه نبىّ أمي لم يطلع على شىء من كتبهم، ومن ثم آمن به من آمن من علمائهم المنصفين، واعترفوا بعد إيمانهم بما بقي عندهم من البشارات وصفات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هذا البيان من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزات القرآن التي لا ينبغى أن يمترى أحد فيها، ومع هذا فقد كان يعفو عن كثير مما كانوا
يخفونه، ولا يظهر الكثير مما يكتمونه، وإنما لم يظهره لأنه لا حاجة إلى إظهاره فى الدين، والفائدة فى ذكر بعضه إعلامهم بأن الرسول عالم بكل ما يخفونه، فيكون ذلك داعيا لترك الإخفاء حتى لا يفتضحوا ومن شأن علماء السوء فى كل أمة أن يكتموا من العلم ما يكون حجة عليهم وكاشفا عن سوء حالهم، أو يحرّفوه بحمله على غير ظاهر معناه.
(قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ) النور هو النبي صلى الله عليه وسلم، وسمى بذلك لأنه للبصيرة كالنور للبصر، فكما أنه لولا النور ما أدرك البصر شيئا من المبصرات، كذلك لولا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والإسلام لما أدرك ذو البصيرة من أهل الكتاب ولا من غيرهم حقيقة الدين الحق، ولا ما طرأ على التوراة والإنجيل من ضياع بعضها أو نسيانه، وعبث الرؤساء بالبعض الآخر بإخفاء شىء منه أو تحريفه، ولظلّوا فى ظلمات الجهل والكفر لا يبصرون.
والكتاب المبين: هو القرآن الكريم وهو بيّن فى نفسه، مبيّن لما يحتاج إليه الناس لهدايتهم.
(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) قوله: من اتبع رضوانه، أي من كان همه من الدين ابتغاء رضوان الله، لا تقرير ما ألفه ونشأ عليه وأخذه من أسلافه مع ترك النظر والاستدلال، والسلام بمعنى السلامة: أي طرق السلامة من كل مخافة، وقوله من الظلمات إلى النور: أي من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، وقوله: بإذنه أي بإرادته أو بتوفيقه بالجري على سننه تعالى فى تأثير الأعمال الصالحة والعقائد الصحيحة فى النفوس وإصلاحها إياها، وقوله: إلى صراط مستقيم، أي إلى الدين الحق لأنه واحد ومتفق من جميع جهاته أما الباطل فمتعدد الطرق، وكلها معوجة ملتوية.
وقد ذكر سبحانه للكتاب ثلاث فوائد:
1) إن المتبع لما يرضى الله بالإيمان بهذا الكتاب- يهديه إلى الطرق التي يسلم بها فى الدنيا والآخرة من كل ما يبعده عن الشقاء والهلاك، فيقوم فى الدنيا بحقوق الله