الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) إلخ أي لا يوالى أفراد أو جماعات من المسلمين أولئك اليهود والنصارى المعاندين للنبى والمؤمنين، ويعاهدونهم على التناصر من دون المؤمنين، رجاء أن يحتاجوا إلى نصرهم إذا خذل المسلمون وغلبوا على أمرهم.
قال ابن جرير: إن الله تعالى نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله، وأخبر أن من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليّا من دون الله ورسوله فهو منهم فى التحزب على الله ورسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان
…
إلى أن قال: غير أنه لا شك أن الآية نزلت فى منافق كان يوالى يهود أو نصارى جزعا على نفسه من دوائر الدهر لأن الآية التي بعد هذه تدل على ذلك اه.
ثم ذكر علة هذا النهى فقال:
(بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي إن اليهود بعضهم أنصار بعض والنصارى بعضهم أنصار بعض، ولم يكن للمؤمنين منهم ولى ولا نصير إذ كان اليهود قد نقضوا ما عقده الرسول معهم من العهد من غير أن يبدأهم بقتال ولا عدوان فصار الجميع حربا للرسول ومن معه من المؤمنين.
ثم توعد من يفعل ذلك فقال:
(وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي ومن ينصرهم أو يستنصر بهم من دون المؤمنين وهم أعداء لكم فإنه فى الحقيقة منهم لا منكم لأنه معهم عليكم، إذ لا يتصور أن يقع ذلك من مؤمن صادق.
قال ابن جرير فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم، فإنه لا يتولى متولّ أحدا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضى دينه فقد عادى من خالفه وسخطه وصار حكمه حكمه اه.
ومن هذا تعلم أنه إذا وقعت الموالاة والمحالفة والمناصرة بين المختلفين فى الدين
لمصالح دنيوية لا تدخل فى النهى الذي فى الآية، كما إذا حالف المسلمون أمة غير مسلمة على أمة مثلها لا تفاق مصلحة المسلمين مع مصلحتها، فمثل هذا لا يكون محظورا.
ثم ذكر العلة والسبب فى الوعيد السابق فقال:
(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي إن من يوالى أعداء المؤمنين وينصرهم أو يستنصر بهم فهو ظالم بوضعه الولاية فى غير موضعها، والله لا يهديه لخير ولا يرشده إلى حق.
ثم أخبر أن فريقا من ضعاف الإيمان يفعل ذلك فقال:
(فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي فترى المنافقين الذين اعتل إيمانهم ولم يصل إلى مرتبة اليقين كعبد الله بن أبىّ وغيره من المنافقين يمتّون إلى اليهود بالولاء والعهود، ويسارعون فى هذه السبيل التي سلكوها، وكلما سنحت لهم الفرصة لتوثيق ولائهم وتأكيده ابتدروها ليزيد تمكنا وثباتا.
ثم ذكر السبب الذي حداهم إلى ذلك فقال:
(يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) أي يقولون بألسنتهم: نحن نخشى أن تقع بنا مصيبة من مصايب الدهر فنحتاج إلى نصرتهم لنا، فعلينا أن نتخذ لنا أيادى عندهم فى السراء، ننتفع بها إذا مستنا الضراء.
وخلاصة ذلك- إنهم يخشون أن تدول الدّولة لليهود أو المشركين على المؤمنين فيحل بهم العقاب، لأنهم فى شك من نصر الله لنبيه وإظهار دينه على الدين كله، إذ لم يوقنوا بنبوته ولا بصدقها، وهكذا شأن المنافقين فى كل زمان ومكان، فكثير من وزراء بعض الدول الضعيفة يتخذ له يدا عند دولة قوية يلجأ إليها إذا أصابته دائرة فتغلغل نفوذ هذه الدول فى أحشاء هذه الدولة، وضعف استقلالها فى بلادها بعملهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ثم رد على هؤلاء المنافقين وقطع أطماعهم وبشر المؤمنين فقال:
(فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ) أي فلعل الله بفضله وصدق ما وعد به رسوله يأتى بالفتح والفصل بين للمؤمنين
ومن يعاديهم من اليهود والنصارى، أو بأمر من عنده فى هؤلاء المنافقين كفضيحتهم أو الإيقاع بهم، فيصبحوا نادمين على ما كتموه وأضمروه فى أنفسهم من اتخاذ الأولياء على المؤمنين، وتوقع الدوائر عليهم.
والفتح: إما فتح مكة الذي كان به ظهور الإسلام والثقة بقوته وإنجاز الله وعده لرسوله، وإما فتح بلاد اليهود فى الحجاز كخيبر وغيرها، والأمر إما الإيقاع باليهود وإجلاؤهم عن موطنهم وإخراجهم من حصونهم وصياصيهم، وإما القهر والإيجاف عليهم بالخيل والركاب كبنى قريظة، وإما بإلقاء الرعب فى قلوبهم حتى يعطوا بأيديهم كبنى النّضير، وإما ضرب الجزية على اليهود والنصارى فينقطع أمل المنافقين ويندمون على ما كان من إسرارهم بالولاء لهم.
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ؟) أي ويقول بعض المؤمنين لبعض متعجبين من حال المنافقين، إذا أقسموا بأغلظ الأيمان لهم إنهم معكم وإنهم معاضدوكم على أعدائكم اليهود، فلما حل بهم ما حل أظهروا ما كانوا يسرّونه من موالاتهم وممالأتهم على المؤمنين كما قال فى سورة براءة «وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ» أي فهم لفرقهم وخوفهم يظهرون الإسلام تقيّة.
(حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ) أي ويقول المؤمنون: حبطت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها نفاقا كالصلاة والصوم والجهاد معنا ليقنعونا بأنهم منا، فخسروا بذلك ما كانوا يرجون لها من أجر وثواب لو صلحت حالهم وقوى إيمانهم.
وفى هاتين الآيتين إخبار بالغيب، وقد صدق الله وعده، وخذل الكافرين، وفضح المنافقين، والعاقبة للمتقين، ولكن أنّى لهم أن يعتبروا بمثل هذا؟ «وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ» .