الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وروى ابن أبى حاتم عن سعيد بن جبير أن عدى بن حاتم وزيد بن مهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا؟
فنزلت الآيات.
الإيضاح
(يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ) أي يسألك المؤمنون ماذا أحل الله لهم من الطعام؟
(قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ) الطيبات ما تستطيبها النفوس السليمة الفطرة، المعتدلة المعيشة بمقتضى طبعها فتأكلها باشتهاء وما أكله الإنسان كذلك يسيغه ويهضمه بسهولة ويتغذى به غذاء صالحا، وما يستخبثه ويعافه لا يسهل عليه هضمه ويضره غالبا، فما حرمه الله فى الآية السابقة خبيث بشهادة الله الموافقة للفطرة المعتدلة، وأصحاب الفطر السليمة يعافون أكل الميتة حتف أنفها وما ماثلها من فرائس السباع والمترديات والنطائح والدم المسفوح، وكذلك الخنزير يعافه من يعرف ضرره وانهما كه فى أكل القاذورات.
والخلاصة- أحل لكم أيها المكلفون ما يستطاب أكله ويشتهى دون ما يخبث أو يعاف، وأحل لكم صيد الجوارح بشرط أن يكون الجارح الذي صاده مما أدّبه الناس وعلموه الصيد حتى يصح أن ينسب الصيد إليهم ويكون قتل الجارح له كتذكية مرسله إياه.
أما الطيبات فهى ما عدا المنصوص على تحريمه كبهيمة الأنعام وصيد البر والبحر أي ما من شأنه أن يصاد منهما، فالبحر كل حيوانه يصاد، والبر يصاد منه ما يؤكل ما عدا سباع الوحش والطير،
لحديث ابن عباس «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير»
وحديث أبى ثعلبة الخشني «كل ذى ناب من السباع فأكله حرام» رواهما أحمد ومسلم وأصحاب السنن.
(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) أي فكلوا من الصيد ما تمسكه الجوارح عليكم،
أي تصيده لأجلكم فتحبسه وتقفه عليكم بعدم أكلها منه فإن أكلت منه فلا يحل أكل ما فضل عنها عند الجمهور، لأنه مثل فريسة السبع المحرمة فى الآية السالفة.
(وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) أي وسمّوا عليه عند إرساله كما روى ذلك عن ابن عباس لحديث عدىّ بن حاتم «إذا أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل» والتسمية واجبة عند أبى حنيفة، ومستحبة عند الشافعي.
(وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي واتقوا الله فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، ولا تقدموا على مخالفته فتأكلوا من صيد الجوارح غير المعلّمة، أو مما لم تمسك عليكم من صيدها وأمسكته على نفسها، أو تطعموا ما لم يسمّ الله عليه من الصيد والذبائح مما صاده أهل الأوثان، فإن الله قد حرم ذلك عليكم فاجتنبوه، واعلموا أن الله لا يضيع شيئا من أعمالكم، بل تحاسبون عليها وتجازون فى الدنيا والآخرة، وهو يحاسب الناس كلهم يوم القيامة فى وقت واحد، فما أجدر حسابه أن يكون سريعا!.
وبعد أن بين وجوب التذكية للذبائح لإبعاد المسلمين مما كان عليه المشركون من أكل الميتة. وشدد فى التسمية على الطعام من صيد أو ذبيحة، لإبعادهم عما كانوا عليه من الذبح لغير الله بالإهلال به لأصنامهم، ليطهرهم من كل ما كانوا عليه من أدران الشرك. بيّن حكم مؤاكلة أهل الكتاب ومناكحتهم، لأنهم لما كانوا فى الأصل أهل توحيد ثم سرت إليها نزعات الشرك ممن دخل فى دينهم من المشركين كان هذا مظنّة التشديد فى مؤاكلتهم ومنا كحتهم، كما شدد فى أكل ذبائح مشركى العرب ونكاح نسائهم، فذكر أنا لا نعاملهم معاملة المشركين فى ذلك، بل تحل لنا مؤاكلتهم ونكاح نسائهم فقال:
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أي اليوم أحلّت لكم الطيبات على سبيل التفصيل بعد أن كانت حلالا بالإجمال، وصار حكمها مستقرا ثابتا.
(وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) الطعام هنا الذبائح لأن غيرها حلال بأصله، والذين أوتوا الكتاب: هم اليهود والنصارى أي وذبائح أهل الكتاب ممن
أوتوا التوراة والإنجيل ودانوا بهما أو بأحدهما حلال لكم دون ذبائح أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من عبدة الأصنام والأوثان.
وروى ابن جرير عن أبى الدرداء وابن زيد أنهما سئلا عما ذبحوه للكنائس فأفتيا بأكله، قال ابن زيد: أحل الله طعامهم ولم يستثن منه شيئا، وقال أبو الدرداء- وقد سئل عن كبش ذبح لكنيسة يقال لها جرجيس أهدوه لها. أنأكل منه؟ اللهم عفوا، إنما هم أهل كتاب، طعامهم حل لنا وطعامنا حل لهم، وأمره بأكله.
(وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي وذبائحكم أيها المؤمنون حل لأهل الكتاب، فلا جناح عليكم أن تطعموهم من طعامكم أو تبيعوهم منه.
وفائدة ذكر ذلك بيان أن إباحة الذبائح حاصلة من الجانبين، وليس كذلك إباحة المناكحة، فذكره للتميز بين النوعين.
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) .
المحصنات هنا الحرائر: أي وأحل لكم أيها المؤمنون نكاح الحرائر من المؤمنات ونكاح الحرائر من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وهم اليهود والنصارى إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم مهورهن.
وتقييد الحل بإتيان المهور لتأكيد الوجوب لا لاشتراطه فى الحل، وتخصيص الحرائر بالذكر للحث على ما هو الأولى منهن، لا لأن من عداهن لا يحل، إذ نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتفاق. وكذا نكاح الإماء الكتابيات عند أبى حنيفة.
(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) المحصنون: الأعفاء عن الزنا، والمسافحون الذين يأتون الفاحشة مجاهرين بها، والمتخذو الأخدان: الذين يأتونها سرّا بالاختصاص بخدن من الأخدان، والخدن يطلق على الصاحب والصاحبة: أي هن حل لكم إذا آتيتموهن أجورهن فعلا والتزمتم به حال كونكم أعفّاء عن الزنا جهرا وسرا،
إذ المقصد من الزواج أن يكون الرجل محصنا والمرأة محصنة يعف كل منهما الآخر ويجعله فى حصن يمنعه من الفاحشة على أىّ وجه كانت، فلا يزنى الرجل جهرة ولا سرا باتخاذ صاحبة خاصة به، ولا تكون المرأة كذلك.
(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي ومن ينكر شرائع الإسلام التي من جملتها ما بيّن هنا من الأحكام المتعلقة بالحل والحرمة ويمتنع عن قبولها فقد حبط عمله الصالح الذي عمله قبل ذلك وبطل ثوابه وخسر فى الآخرة ما أعده الله للمؤمنين من الجزاء العظيم على الإيمان الصحيح، وهو إيمان الإذعان والعمل.
روى ابن جرير عن قتادة أنه قال: ذكر لنا أن ناسا من المسلمين قالوا كيف نتزوج نساءهم: يعنى نساء أهل الكتاب وهم على غير ديننا؟ فأنزل الله عز ذكره: ومن يكفر بالإيمان إلخ. فأحل الله تزويجهن على علم اه.
والمغزى من الآية تعظيم شأن ما أحله الله وما حرمه والتغليظ على من خالف ذلك.