الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) حب الله لشىء هو الرضا به والإثابة عليه، والجهر يقابل السر والإخفاء، والسوء من القول ما يسوء من يقال فيه كذكر عيوبه.
ومساويه التي تؤذى كرامته.
والمعنى- أنه تعالى لا يحب من عباده أن يجهروا فيما بينهم بذكر العيوب والسيئات لما فى ذلك من المفاسد الكثيرة التي أهمها:
1) إنه مجلبة للعداوة والبغضاء بين من يجهر بالسوء ومن ينسب إليه هذا السوء، وقد يصل الأمر إلى هضم الحقوق وسفك الدماء.
2) إنه يؤثر فى نفوس السامعين تأثيرا ضارا بهم، فقد جرت العادة بأن الناس يقتدى بعضهم ببعض، فمن رأى إنسانا يسبّ آخر لضغائن بينه وبينه، أو لكراهته إياه قلده فى ذلك، ولا سيما إذا كان من الأحداث الذين يغلب عليهم التقليد أو من طبقة دون طبقته، إذ عامة الناس يقلدون خواصهم، فإذا ظهرت المنكرات فى الخاصة لا تلبث أن تصل إلى العامة وتفشو بينهم. ومن تميل نفسه إلى منكر أو فاحشة يجترئ على ارتكابهما إذا علم أن له سلفا وقدوة فيهما، فسماع السوء كعمل السوء فذاك يؤثر فى نفس السامع وهذا يؤثر فى نفس الرائي والناظر، وأقل هذه الأضرار أنه يضعف فى النفس استقباحه واستبشاعه خصوصا إذا تكرر السماع أو النظر.
وكثير من الناس يجهل مبلغ تأثير الكلام فى القلوب، فلا ينزهون ألسنتهم عن السوء من القول ولا أسماعهم عن الإصغاء إليه.
والخلاصة- إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول ولا الإسرار به، إذ هو قد نهى عن النجوى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول، لكنه خص الجهر هنا بالذكر لمناسبة بيان مفاسد الكفار والمنافقين فى هذا السياق.
والجهر بالسوء أشد ضرارا من الإسرار به، لأن ضرره وفساده يفشو فى جمهرة الناس ويعم سائر الطبقات.
(إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) أي لكن من ظلمه ظالم فجهر بالشكوى من ظلمه شارحا ظلامته لحاكم أو غيره ممن ترجى نجدته ومساعدته على إزالة هذا الظلم فلا حرج عليه فى ذلك، فإن الله لا يحب لعباده أن يسكتوا على الظلم، ولا أن يخضعوا للضيم، بل يحب لهم العزة والإباء.
فها هنا تعارضت مفسدتان: مفسدة الجهر بالشكوى من الظلم بقول السوء، ومفسدة السكوت على الظلم وهو مدعاة فشوّه والتمادي فيه، وذاك مما يؤدى إلى هلاك الأمم وخراب العمران، وكانت ثانيتهما أخف الضررين فأجيزت للضرورة التي تقدّر بقدرها وإذا فلا يجوز للمظلوم أن يتمادى فى الجهر بالسوء بما لا دخل له فى دفع الظلم
وفى الحديث «إن لصاحب الحق مقالا» رواه الإمام أحمد.
(وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) فلا يفوته قول من أقوال من يجهر بالسوء ولا يعزب عن علمه البواعث التي أدت إليه، إذ لا يخفى عليه شىء من أقوال العباد ولا من أفعالهم ونياتهم فيها، فمن جهر بالسوء الذي لا يحبه الله لعباده لضرره ومفسدته لظلم وقع عليه فالله لا يؤاخذه، بل ربما أثابه على ذلك لإراحة الناس من شر فاعله، فإن الظالم إن لم يؤاخذ على ظلمه يزدد فيه ضراوة وإصرارا.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) أي إن فاعلى الخير سرا وجهرا والعافين عمن يسىء إليهم يجزيهم ربهم من جنس ما عملوا، فيعفو عن سيئاتهم ويجزل مثوبتهم، والله من شأنه العفو وهو القدير الذي لا يعجزه الثواب الكثير على العمل القليل.