الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنكم رحيم بكم، فلا يشرع لكم إلا ما فيه الخير والنفع لكم.
(وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) من الأقذار والرذائل والمنكرات والعقائد الفاسدة فتكونوا أنظف الناس أبدانا، وأزكاهم نفوسا، وأصحهم أجسادا، وأرقاهم أرواحا.
(وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) فيجمع لكم بين طهارة الأبدان وطهارة الأرواح، والإنسان إنما هو روح وجسد، والصلاة تطهر الروح وتزكى النفس، فهى تنهى عن الفحشاء والمنكر وتعوّد المصلى مراقبة ربه فى السر والعلن، وخشيته حين الإساءة والرجاء فيه لدى الإحسان، والطهارة التي جعلها الله شرطا للدخول فى الصلاة ومقدمة لها تطهر البدن وتنشطه، فيسهل بذلك العمل من عبادة وغيرها، فما أجلّ نعم الله على عباده، وما أجدر من هدى بهداه بدوام الشكر عليه، ومن ثم ختم الآية الكريمة بقوله:
(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي وليعدكم بذلك لدوام شكرهم على تلك النعم الظاهرة والباطنة.
الحكمة فى شرع الوضوء والغسل
للوضوء والغسل فوائد أهمها:
(1)
أن غسل البدن كله وغسل الأطراف يفيد صاحبه نشاطا وهمة ويزيل ما يعرض للجسد من الفتور والاسترخاء بسبب الحدث أو بغيره من الأعمال التي تؤثر تأثيره، وبذا يقيم الصلاة على وجهها ويعطيها حقها من الخشوع ومراقبة الله تعالى.
إذ المشاهد أنه إذا بلغ الإنسان من هذه اللذة الجسمية غايتها بالوقاع أو الإنزال حصل تهيج عصبى كبير يعقبه فتور شديد بحسب سنة رد الفعل، ولا يعيد نشاطه إلا غسل البدن كله.
(2)
أن النظافة ركن الصحة البدنية، فإن الوسخ والأقذار مجلبة الأمراض والأدواء الكثيرة، ومن ثم نرى الأطباء يشددون فى أيام الأوبئة والأمراض المعدية فى المبالغة فى النظافة، وجدير بالمسلمين أن يكونوا أصح الناس أجسادا وأقلهم أمراضا،
لأن دينهم مبنى على المبالغة فى نظافة الأبدان والثياب والأمكنة، فإذا هم فعلوا ما أوجبه الدين تنتفى الأسباب التي تولد جراثيم الأمراض عند الناس.
(3)
تكريم المسلم نفسه لدى نفسه وأهله وقومه الذين يعيش معهم، إذ من كان نظيف البدن للثياب كان جديرا بحضور كل مجتمع ولقاء أشراف الناس وفضلائهم، ومن كان وسخا قذرا فإنه يكون محتقرا عند كرام الناس ولا يعدونه أهلا لأن يحضر مجالسهم ويشعر فى نفسه بالضعة والهوان.
ولأجل هذا ورد الأمر بالغسل والطيب ولبس الثياب النظيفة يوم الجمعة لأنه يوم يجتمع فيه الناس فى المساجد لعبادة الله تعالى،
روى مالك والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم من طرق عدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «غسل الجمعة واجب على كل محتلم»
أي بالغ مكلف.
وبعد أن بين سبحانه هذه الأحكام وذكر رفع الحرج الذي تم به الإنعام ذكّرنا بنعمه التي أنعم بها علينا فقال:
(وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي وتذكروا أيها المؤمنون إذ كنتم كفارا متباغضين فأصبحتم بهداية الدين إخوانا متحابين وتذكروا العهد الذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى المنشط والمكره (المحبوب- والمكروه) والعسر واليسر حين قلتم له سمعنا ما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأطعناك فيه فلا نعصيك فى معروف، وكل ما جئتنا به فهو معروف.
وكل نبى بعث فى قوم أخذ عليهم ميثاق الله بالسمع والطاعة وقبول الدعوة.
والدخول فى الدين يعدّ قبولا لهذا العهد، فعلينا أن نعد هذا التذكير خطابا لنا كما عده السلف من الصحابة خطابا لهم.
واتقوا الله فلا تنقضوا عهده وتخالفوا ما أمركم به وما نهاكم عنه سواء أكان فى هذه الآيات أم فى غيرها.