المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القراآت: الْأَبْرارِ بالإمالة: أبو عمرو وحمزة غير خلاد ورجاء. والكسائي والنجاري - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٢

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد الثاني]

- ‌[تتمة سورة البقرة]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 252 الى 254]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 255 الى 257]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 260]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 266]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 274]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 281]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 282 الى 283]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 284 الى 286]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة آل عمران وهي مدنية)

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 12 الى 25]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 26 الى 34]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 35 الى 41]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 42 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 61 الى 71]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 72 الى 80]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 81 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 92 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 102 الى 111]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 112 الى 120]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 121 الى 129]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 130 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 142 الى 150]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 151 الى 160]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 161 الى 175]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 176 الى 189]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة آل عمران (3) : الآيات 190 الى 200]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النساء

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 1 الى 10]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 11 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 23 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 31 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 41 الى 57]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌ التأويل

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 58 الى 70]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 71 الى 81]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 82 الى 91]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 92 الى 101]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 102 الى 113]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 114 الى 126]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 127 الى 141]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 142 الى 152]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 153 الى 169]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة النساء (4) : الآيات 170 الى 176]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة المائدة)

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 12 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 20 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 27 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 41 الى 47]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 48 الى 58]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 59 الى 69]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة المائدة (5) : الآيات 70 الى 81]

- ‌القراءات:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌القراآت: الْأَبْرارِ بالإمالة: أبو عمرو وحمزة غير خلاد ورجاء. والكسائي والنجاري

‌القراآت:

الْأَبْرارِ بالإمالة: أبو عمرو وحمزة غير خلاد ورجاء. والكسائي والنجاري عن ورش، وخلف وابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان. وكذلك كل ما تكرر فيه الراء غير ابن مجاهد والنقاش في جميع القرآن. وقتلوا وقاتلوا حمزة وعلي وخلف، وقرأ ابن كثير وابن عامر وَقُتِلُوا مشددا. الباقون: وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا مخففا. لا يَغُرَّنَّكَ بالنون الخفيفة: رويس. الباقون بالتشديد نُزُلًا حيث كان بالاختلاس عباس.

‌الوقوف:

الْأَلْبابِ ج لاحتمال الذين صفة أو مستأنفا نصبا أو رفعا على المدح بتقدير أعني الذين أو هم الذين والوصل أشهر. وَالْأَرْضِ ج لحق المحذوف أي يقولون ربنا. باطِلًا ج للابتداء بسبحانك تعظيما وإلا فالقول متحد وفاء التعقيب متعقب.

النَّارَ هـ أَخْزَيْتَهُ ط أَنْصارٍ هـ فَآمَنَّا قف قتيل: والوصل أولى لأن كلمة رَبَّنا تكرار لمزيد الابتهال، وقوله: فَاغْفِرْ لَنا معطوف على فَآمَنَّا أي إذا آمنا فاغفر.

الْأَبْرارِ هـ ج للآية وللعطف. يَوْمَ الْقِيامَةِ ط الْمِيعادَ هـ أُنْثى ج لاتحاد الكلام وإلا فبعضكم مبتدأ مِنْ بَعْضٍ ج الْأَنْهارُ ز لأن ثَواباً مفعول له أو مصدر. مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ط الثَّوابِ هـ الْبِلادِ

هـ ط لأن التقدير لهم متاع أو ذلك متاع. جَهَنَّمُ ط الْمِهادُ هـ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ط لِلْأَبْرارِ هـ لِلَّهِ لا لأن ما بعده حال آخر. قَلِيلًا ط عِنْدَ رَبِّهِمْ ط الْحِسابِ هـ تُفْلِحُونَ هـ.

‌التفسير:

إنه لما طال الكلام في تقرير القصص والأحكام عاد إلى ما هو الغرض

ص: 327

الأصلي من هذا الكتاب الكريم وهو جذب القلوب والإسرار بذكر ما يدل على التوحيد والكبرياء،

عن ابن عمر قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت وأطالت ثم قالت: كل أمره عجب. أتاني في ليلتي فدخل في لحافي، حتى ألصق جلده بجلدي ثم قال: يا عائشة، هل لك أن تأذني لي الليلة في عبادة ربي؟ فقلت: يا رسول الله إني لأحب قربك وأحب هواك قد أذنت لك. فقام إلى قربة من ماء في البيت فتوضأ ولم يكثر من صب الماء، ثم قام يصلي فقرأ من القرآن وجعل يبكي حتى بلغ الدموع حقويه، ثم جلس فحمد الله وأثنى عليه وجعل يبكي ثم رفع يديه فجعل يبكي حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض. فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكي فقال له: يا رسول الله أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا؟. ثم قال: وما لي لا أبكي وقد أنزل الله عليّ في هذه الليلة إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.

وعن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.

واعلم أنه ذكر في سورة البقرة أن في خلق السموات والأرض إلى أن عد ثمانية دلائل، وهاهنا اقتصر منها على الثلاثة الأول تنبيها على أن العارف بعد استكمال المعرفة لا بد له من تقليل الدلائل ليكمل له الاستغراق في معرفة المدلول، فإن البصيرة إذا التفتت إلى معقول عسر عليها الالتفات إلى آخر كالبصر إذا حدّق إلى مرئي امتنع تحديقه نحو آخر، وإليه الإشارة بقوله: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ [طه: 12] يعني المقدمتين اللتين وصلت بهما الى النتيجة وهو وادي قدس الوحدانية. وإنما وقع الاقتصار على الدلائل السماوية لأنها أقهر وأبهر، والعجائب فيها أكثر، وانتقال النفس منها إلى عظمة الله أيسر. وإنما قال في تلك السورة لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [البقرة: 164] وفي هذه السورة لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ لأن العقل له ظاهر ولب، ففي أول الأمر يكون عقلا وفي كمال الحال يكون لبا. وباقي التفسير قد مر هناك. ثم بعد دلائل الإلهية ذكر وظائف العبودية وهي أن يكون باللسان وسائر الأركان وبالجنان مع الرحمن. فقوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إشارة إلى عبودية اللسان. وقوله: قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وهو في موضع حال آخر أي معتمدين على الجنب إشارة إلى عبودية سائر الجوارح والأركان.

والمراد أنهم ذاكرون في أغلب أحوالهم كما

قال صلى الله عليه وسلم «من أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله» «1» .

وقيل: المراد بالذكر هاهنا الصلاة أي يصلون في حال القيام فإن عجزوا

(1) رواه الترمذي في كتاب الدعوات باب 82.

ص: 328

ففي حال القعود، فإن عجزوا ففي حال الاعتماد. وهذا موافق لمذهب الشافعي في ترتيب صلاة المريض العاجز ويوافق بحثا طبيا، وهو أن الاستلقاء يمنع من استكمال الفكر والتدبر بخلاف الاضطجاع على الجنب. والصلاة إذا كانت عن فكر وتدبر كانت أولى، ولأن الاستغراق في النوم يكون في هيئة الاستلقاء أكثر فذاك وضع الغافلين. وقال أبو حنيفة:

بل يصلي مستلقيا إن عجز عن القعود حتى لو وجد خفة قعد. وقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إشارة إلى عمل الجنان. وقد عرفت معنى الفكر في البحث الخامس من تفسير قوله: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ [البقرة: 31] وإنما لم يقل و «يتفكرون في الله» كما قال: يَذْكُرُونَ اللَّهَ

لقوله صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق»

والسبب فيه أن الاستدلال بالخلق على الخالق لا يمكن وقوعه على نعت المماثلة وإنما يمكن على نعت المخالفة، فإنا نستدل بحدوث هذه المحسوسات على قدم خالقها، وبإمكانها على وجوبه، وبافتقارها على غناه. فالفكر في المخلوقات ممكن وفي الخالق غير ممكن، كيف وإن الفكر ترتيب المقدمات على وجه منتج، والمقدمة لها موضوع ومحمول لا بد من تصورهما، وتصوره سبحانه محال لأن تصور الشيء عبارة عن حصول صورته في النفس، فتكون الصورة محاطة والنفس محيطة بها، ولا يحيط بالواجب شيء ألا إنه بكل شيء محيط، لكنه إذا تفكر في مخلوقاته ولا سيما السموات مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم، وإلى الأرض مع ما عليها من البحار والجبال والمعادن والنبات والحيوان، عرف أوّلا أن لها ربا وصانعا فيقول: رَبَّنا. ثم يعترف بأن في كل من ذلك حكما ومقاصد وفوائد لا يحيط بتفاصيلها إلا موجدها فيقول: ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا ثم إذا قاس أحوال هذه المصنوعات إلى صانعها علم أن ذاته تعالى منزه عن مشابهة شيء من هذه المصنوعات فيعلم أنه ليس بجوهر ولا عرض ولا مركب ولا مؤلف ولا في حيز وجهة فيقول: سُبْحانَكَ أي أنزهك عما لا يليق بك من مناسبة الجواهر والأعراض. ثم إذا بلغ من الاستغراق في بحار العظمة والجلال هذا المبلغ وجد نفسه ذرة من ذرات الكائنات واقعة في حضيض عالم البشرية محاطة بالطبائع والأركان، فيتضرع إلى خالق السموات والأرض أن يخلصه من قيد العناصر ويعرج به من الأرض ويقيه عذاب كرة النار ويوصله إلى معارج السموات وذلك قوله فَقِنا عَذابَ النَّارِ، ثم ذكر سبب الاستعاذة من النار بقوله: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ أي أبلغت في إخزائه نظيره قوله: فَقَدْ فازَ [آل عمران: 185] وفي كلامهم: من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك. ثم توسل إلى ما سأل بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وذلك قوله:

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً الآية. فهذا بيان وجه النظم في هذه الكلمات والآيات على وجه

ص: 329

«ألقى في روعي» «1»

والله أعلم بأسرار كلامه.

عن النبي صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل مستلق على فراشه إذ رفع رأسه فنظر إلى النجوم وإلى السماء فقال: أشهد أن لك ربا وخالقا اللهم اغفر لي فنظر الله إليه فغفر له» .

وعنه صلى الله عليه وسلم: «لا تفضلوني على يونس بن متى فإنه كان يرفع له في كل يوم مثل عمل أهل الأرض»

قالوا: وإنما كان ذلك التفكر في أمر الله الذي هو عمل القلب لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل بجوارحه في اليوم مثل عمل أهل الأرض.

وعنه صلى الله عليه وسلم: «لا عبادة كالتفكر» .

وهذا إشارة إلى لفظ الخلق على أنه بمعنى المخلوق أو إلى السموات والأرض بتأويل المخلوق. وفي كلمة هذا ضرب من التعظيم كأنه لعظم شأنه معقود به الهمم حتى صار حاضرا في خزانه الخيال. وباطِلًا نصب على المصدر أي خلقا باطلا أو على الحال، وقيل. بنزع الخافص أي بالباطل أو للباطل. قالت المعتزلة: فيه دليل على أن كل ما يفعله الله تعالى فهو إنما يفعله لغرض الإحسان إلى العبد ولأجل حكمة وغاية. وقوله:

سُبْحانَكَ جملة معترضة تنزيها له من العبث وأن يخلق شيئا بغير حكمة. فوجه النظم في قوله: فَقِنا عَذابَ النَّارِ أن الحكمة في خلق الأرض والسموات أن يجعلها مساكن للمكلفين وأدلة لهم على معرفته ووجوب طاعته واجتناب معصيته، والنار جزاء من عصى ولم يطع. وقالت الأشاعرة: الدليل الدال على أن أحد طرفي الممكن لا يترجح إلا بمرجح عام، وذلك المرجح لا بد أن ينتهي إلى الله تعالى، فإذن الخير والشر والأفعال كلها بقضاء الله وقدره، فلا يمكن أن تعلل أفعال الله بمصالح العباد بل له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء. والباطل في اللغة الذاهب الزائل الذي لا يكون له قوّة ولا صلابة فيكون بصدد التلاشي والاضمحلال. والمراد أن خلقهما خلق محكم متقن كقوله: وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً [النبأ: 12] هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ [الملك: 3] . ومعنى سُبْحانَكَ أنك وإن خلقتهما في غاية شدة التركيب وبصدد البقاء إلا أنك غني عن الاحتياج إليهما، منزه عن الانتفاع بهما. ثم لما وصف ذاته تعالى بالغنى أقر لنفسه بالعجز والحاجة إليه في الدنيا والآخرة فقال فَقِنا عَذابَ النَّارِ واحتج حكماء الإسلام بالآية على أنه سبحانه خلق الأفلاك والكواكب وأودع في كل واحد منها قوى مخصوصة، وجعلها بحيث يحصل من حركتها واتصال بعضها ببعض مصالح هذا العالم ومنافع قطان العالم السفلي. قالوا: لأنها لو لم تكن كذلك لكانت باطلة، ولا يمكن أن تقصر منافعها على الاستدلال بها على الصانع لأن كل ذرة من ذرات الهواء والماء يشاركها في ذلك، فلا تبقى لخصوصياتها فائدة وهو خلاف النص. وناقشهم المتكلمون في ذلك وقالوا: إن الفلكيات أسباب للأرضيات على مجرى

(1) رواه مسلم في كتاب المنافقين حديث 64. أحمد في مسنده (3/ 50) .

ص: 330

العادة لا على سبيل الحقيقة. والإنصاف في هذا المقام أن وجود الوسائط لا ينافي استناد الكل إلى مسبب الأسباب، وأن كون أفعال الله تعالى مستتبعة لمصالح العباد لا ينافي جريان الأمور كلها بقضائه وقدره. ثم إنهم لما سألوا ربهم أن يقيهم عذاب النار أتبعوا ذلك ما يدل على عظم ذلك العقاب وهو الإخزاء ليدل على شدة إخلاصهم وجدهم في الهرب من ذلك فيكون أقرب إلى الاستجابة، كما أنهم قدموا الثناء على الله بقولهم: سُبْحانَكَ على الطلب ليكون أقرب إلى الأدب وأحرى بالإجابة، وكل ذلك تعليم من الله تعالى عباده في حسن الطلب. قال الواحدي: الإخزاء جاء لمعان متقاربة. عن الزجاج: أخزى الله العدوّ أي أبعده. وقيل: أهانه. وقيل: فضحه. وقيل: أهلكه. وقال ابن الأنباري: الخزي في اللغة الهلاك بتلف أو انقطاع حجة أو بوقوع في بلاء. قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أن صاحب الكبيرة من أهل الصلاة ليس بمؤمن لأنه إذا دخل النار فقد أخزاه الله والمؤمن لا يخزى لقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ [التحريم: 8] وأجيب بأنه لا يلزم من أن لا يكون من أمن وهو مع النبي صلى الله عليه وسلم مخزي أن لا يكون غيره وهو مؤمن مخزي.

وأيضا الآية ليست على عمومها لقوله: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم: 71] فثبت أن كل من دخل النار فإنه ليس بمخزي. وعن سعيد بن المسيب والثوري أن هذا في حق الكفار الذين أدخلوا النار للخلود. وأيضا إنه مخزي حال دخوله وإن كانت عاقبته الخروج. وقوله: يَوْمَ لا يُخْزِي [التحريم: 8] نفى الخزي على الإطلاق والمطلق يكفي في صدقه صورة واحدة وهي نفي الخزي المخلد.

ويحتمل أن يقال: الإخزاء مشترك بين التخجيل وبين الإهلاك، وإذا كان المثبت هو الأول والمنفي هو الثاني لم يلزم التنافي. واحتجت المرجئة بالآية على أن صاحب الكبيرة لا يدخل النار لأنه مؤمن لقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] ولقوله: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: 9] والمؤمن لا يخزى لقوله:

يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ [التحريم: 8] والمدخل في النار مخزي بهذه الآية، والمقدمات بأسرها يدخلها المنع. أما الأولى فباحتمال أن لا يسمى بعد القتل مؤمنا وإن كان قبله مؤمنا، وأما الأخريان فبخصوص المحمول وجزئية الموضوع كما تقرر آنفا. وقد يتمسك حكماء الإسلام بهذا في أن العذاب الروحاني أشد لأنه بين سبب الاستعاذة بالإخزاء الذي هو التخجيل وهو أمر نفساني. وقد يتمسك المعتزلة بقوله: وَما لِلظَّالِمِينَ أي الداخلين في النار مِنْ أَنْصارٍ أي في نفي الشفاعة للفساق لأنها نوع نصرة، ونفي الجنس يقتضي نفي النوع. والجواب أن الظالم على الإطلاق هو الكافر لقوله: وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ في

ص: 331

[البقرة: 254] وأيضا لا تأثير للشفاعة إلا بإذن الله فيؤل معنى الآية إلى أن الأمر يومئذ لله.

وعلى هذا ففائدة تخصيص الظالمين بهذا الحكم أنه وعد المتقين الفوز فلهم هذه الحجة بخلاف الفساق. وأيضا أدلة الشفاعة مخصصة لعموم الآية. قالوا: الفاسق لا يخرج من النار وإلا كان مخرجه ناصرا له. وعورض بالآيات الدالة على العفو رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي تقول: سمعت رجلا يتكلم بكذا فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع اكتفاء بما وصفته به، أو جعلته حالا عنه. والمنادي عند الأكثرين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ [النحل: 125] أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ [يوسف: 108] وَداعِياً إِلَى اللَّهِ [الأحزاب: 46] وقيل: القرآن كما نسب إليه الهداية في قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي [الإسراء: 9] كأنه يدعو إلى نفسه وينادي بما فيه من الدلائل كما قيل في جهنم تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى [المعارج: 17] والفصحاء يصفون الدهر بأنه ينادي ويعظ لدلالة تصاريفه قال:

يا واضع الميت في قبره

خاطبك الدهر فلم تسمع

ويقال: ينادي إلى كذا ولكذا ودعاه إليه وله وهداه للطريق وإليه فيقام كل من اللام و «إلى» مقام الأخرى نظرا إلى وقوع معنى الانتهاء والاختصاص معا. وقال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير أي سمعنا مناديا للإيمان ينادي كما يقال: جاء مناد للأمير فنادى بكذا. وقيل: معناه لأجل الإيمان. ولهذا الغرض فسر بقوله: أَنْ آمِنُوا و «أن» مفسرة أو مخففة معناه أي آمنوا أو بأن آمنوا. والفائدة في الجمع بين المنادى وينادي للإيمان هي فائدة الإطلاق ثم التقييد والإجمال ثم التفصيل من رفع شأن المطلق والمجمل، وكونه حينئذ أوقع في النفس وأعز. فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا أصل الغفر والتكفير كلاهما الستر والتغطية. وأما الذنوب والسيئات فقيل: هما واحد والتكرار للتأكيد والإلحاح، إن الله يحب الملحين في الدعاء. وقيل: الأوّل الكبائر والثاني الصغائر. وقيل: الأوّل أريد به ما تقدم منهم، والثاني المستأنف. وقيل: الأول ما أتى به الإنسان مع العلم بكونه معصية وذنبا، والثاني ما أتى به مع الجهل بكونه ذنبا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ أي معدودين منهم ومن أتباعهم أو مشاركين لهم في الثواب أو على مثل أعمالهم ودرجاتهم كقول الرجل: أنا مع الشافعي في هذه المسألة أي مساو له في ذلك الاعتقاد. احتجت الأشاعرة بالآية على أن العفو غير مشروط بالتوبة لأنهم طلبوا المغفرة بدون ذكر التوبة بل بدون التوبة بدلالة فاء التعقيب في فَاغْفِرْ بعد قولهم: فَآمَنَّا. ثم إنه تعالى أجابهم إلى ذلك بقوله: فَاسْتَجابَ لَهُمْ ويعلم منه ثبوت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكبائر بالطريق الأولى. رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا

ص: 332

عَلى رُسُلِكَ أي على تصديق رسلك لأنها مذكورة عقيب ذكر المنادي للإيمان وهو الرسول، وعقيب قوله: فَآمَنَّا وهو التصديق، فتكون على صلة للوعد كقولك: وعد الله الجنة على الطاعة. ويحتمل أن يتعلق بمحذوف أي ما وعدتنا منزلا على رسلك أو محمولا على رسلك لأن الرسل يحملون ذلك فإنما عليه ما حمل. وقيل: على ألسنة رسلك والمتعلق كما ذكر والموعود هو الثواب. وقيل: النصر على الأعداء. وإنما دعوا الله بإنجاز ما وعد مع علمهم بأنه لا يخلف الميعاد كما صرحوا به في آخر الأدعية، لأن معظم الغرض من الدعاء إظهار سيما العبودية. أو المراد وفقنا للأعمال التي بها نصير أهلا لوعدك، واعصمنا عما بها نكون أهلا لإخزائك، أو طلبوا تعجيل النصرة على الأعداء. أو المراد احفظ علينا أسباب إنجاز الميعاد. وقيل: فيه دليل على أنهم طلبوا منافع الآخرة بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق. ثم إن الثواب منفعة مقرونة بالتعظيم فلهذا ختموا الأدعية بقولهم وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ لأن التخجيل والتفضيح يكدّر صفو كل منّ وعطاء.

والحاصل من هذه الآيات أنهم نظروا في المصنوع فعرفوا منه الصانع فقالوا: رَبَّنا ثم تفكروا في عجيب خلقه وبديع شكله فعرفوا أن صانعه حكيم والحكيم لا تخلو أفعاله من الفوائد والغايات وإن لم يكن مستكملا بها فقالوا: ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا ثم تأملوا في غاية الغايات ونهاية الحركات فوجدوها الإنسان المكلف على ألسنة الرسل، ووجدوا عاقبة التكليف الجنة أو النار فتضرعوا إلى معبودهم في توفيق الوصول إلى الجنة والخلاص من النار، ولأن دفع الضرر أهم من جلب المنفعة فجعلوا أول دعائهم وآخره الاستعاذة من العذاب، ولأن العذاب الروحاني عند العقلاء أشد من العذاب الجسماني فلا جرم وقع الختم على الاستعاذة من الإخزاء، اللهم شاركنا في هذا الدعاء واجعلنا من السعداء المتفكرين في ملكوت الأرض والسماء إنك واهب العطاء وكاشف الغطاء. عن جعفر الصادق: من حزبه أمر فقال خمس مرات «ربنا» أنجاه الله مما يخاف، وأعطاه ما أراد لأن الله تعالى حكى عنهم في هذه الآيات أنهم قالوا خمس مرات «ربنا» ثم قال: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أي أجابهم أَنِّي أي بأني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى «من» في مِنْكُمْ للتبعيض.

لأن كل عامل فرد من أفراد المخاطبين وفي «من» ذكر للتبيين لأن العامل إما ذكر وإما أنثى.

وإضاعة العمل عبارة عن إضاعة ثوابه بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر أي من أصله. أو المراد بعضكم كأنه من البعض الآخر لفرط اتصالكم واتحادكم كما يقال: فلان مني أي على خلقي وسيرتي.

قال صلى الله عليه وسلم: «من غشنا فليس منا» .

وقيل: المراد وصلة الإسلام. وهذه جملة معترضة بيّن بها شركة النساء مع

ص: 333

الرجال فيما يرجع إلى استحقاق الثواب على العمل.

روي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فنزلت.

ثم فصل عمل العامل منهم تفخيما لشأن العمل وتنويها بذكره فقال: فَالَّذِينَ هاجَرُوا أوطانهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو بعده باختيارهم وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ألجأهم الكفار إلى الخروج وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي يريد طريق الدين وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا من قرأ بالتشديد فللتكثير وتكرر القتل فيهم. وقيل: أي قطعوا. ومن قرأ قتلوا وقاتلوا فإما لأن الواو لا تفيد الترتيب والترتيب الطبيعي: قاتلوا حتى قتلوا. وإما من قولهم: قتلنا ورب الكعبة إذا ظهرت أمارات القتل وإذا قتل قومه وعشيرته. وإما بإضمار «قد» أي قتلوا وقد قاتلوا لَأُكَفِّرَنَّ جواب للقسم المقدر عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وهو الذي طلبوه بقولهم: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وهو الذي طلبوه بقولهم رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وهو الذي طلبوه من الثواب المقرون بالتعظيم بقولهم: وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ أي ثوابا يختص به وبقدرته وبفضله لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه. يقول الرجل: عندي ما تريد أنا مختص به وبملكه وإن لم يكن بحضرته. وثَواباً نصب على المصدر المؤكد أي إثابة أو تثويبا من عنده لأن قوله: لَأُكَفِّرَنَّ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ في معنى لأثيبنهم. وقال الكسائي: هو منصوب على القطع أي على الحال. وقال الفراء: نصب على التفسير كقولك: هو لك هبة أو بيعا أو صدقة. ثم ختم بقوله: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ لأنه القادر على كل المقدورات، العالم بكل المعلومات، القاضي جميع الحاجات. وفي تعليقه حسن الإثابة على احتمال المشاق في دينه والصبر على صعوبة تكاليفه دليل على أن حكمة الله تعالى اقتضت نوط الثواب والجنة بالعمل حتى لا يتكل الناس على فضله بالكلية، ولا يهملوا جانب العمل رأسا. عن الحسن: أخبر الله تعالى أنه استجاب لهم إلا أنه أتبع ذلك رافع الدعاء وما يستجاب به، فلا بد له من تقديمه بين يدي الدعاء يعني قوله:

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: 10] ثم إنه تعالى لما وعد المؤمنين الثواب العظيم وكانوا في الدنيا في غاية الفقر والشدة، والكفار كانوا في التنعم، أراد أن يسليهم ويصبرهم فقال:

لا يَغُرَّنَّكَ والخطاب لكل مكلف يسمعه أي لا يغرنك أيها السامع أو للرسول والمراد الأمة. قال قتادة: والله ما غرّوا نبي الله حتى قبضه الله أوله. والمراد هو فلعل السبب في عدم اغتراره هو تواتر أمثال هذه الآيات عليه. قيل: إن مشركي مكة كانوا يتجرون ويتنعمون، فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت. وقيل: كانت اليهود تضرب في الأرض فتصيب الأموال فنزلت. والمراد بتقلبهم

ص: 334

تبسطهم وتصرفهم في المكاسب والمزارع والمتاجر ذلك التقلب أو الكسب والربح مَتاعٌ قَلِيلٌ في جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة، أو في جنب ما وعد الله المؤمنين من الثواب، أو هو قليل في نفسه إذ لا نسبة لمدته إلى ما بين أمدي الأزل والأبد، ومع قلته سبب للوقوع في نار جهنم أبد الآبدين. والنعمة القليلة إذا كانت سببا للمضرة العظيمة لم تكن في الحقيقة نعمة ولهذا استدرك وقال لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا الآية، ويدخل في التقوى الأوامر والنواهي.

والنزل ما يعدّ للضيف ويعجل، ومن هنا تمسك به بعض الأصحاب في الرؤية لأنه لما كانت الجنة بكليتها نزلا فلا بد من شيء آخر يكون أصلا بالنسبة إليها. قلت: ويحتمل أن يكون قوله: وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ [النحل: 96] إشارة إليه وهو مقام العندية والقرب الذي لا يوازيه شيء من نعيم الجنة. وقيل: المعنى وما عند الله من الكثير الدائم خير للأبرار مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل، وانتصاب نُزُلًا على الحال من جَنَّاتٌ لتخصيصها بالوصف، والعامل معنى الاستقرار في لهم، أو هو مصدر مؤكد كأنه قيل: رزقا أو عطاء، أو نصب على التفسير كما قلنا في ثَواباً. ثم إنه تعالى لما ذكر حال المؤمنين وكان قد ذكر حال الكفار بين حال مؤمني أهل الكتاب كلهم فقال: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وهذا قول مجاهد. وقال ابن جريج وابن زيد: نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل: في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى عليه السلام فأسلموا.

وعن جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي لما مات نعاه جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأصحاب:

اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم. قالوا: ومن هو؟. قال: النجاشي. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له، وقال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون:

انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه، فأنزل الله هذه الآية.

واللام في لَمَنْ يُؤْمِنُ لام الابتداء الذي يدخل على خبر «إن» أو على اسمه عند الفصل كما في الآية. والمراد ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ القرآن وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ الكتابان وخاشِعِينَ لِلَّهِ حال من فاعل يؤمن لأن «من» في معنى الجمع فحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا كما يفعله من لم يسلم من أحبارهم ورؤسائهم أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا يخفى فخامة شأن هذا الوعد حسبما أشار إليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ لأنه عالم بجميع المعلومات قادر على كل المقدورات فيعلم ويعطي ما لكل أحد من جزاء الحسنات والسيئات. أو المراد سرعة موعد حسابه

ص: 335

فتكون فيه بشارة بسرعة حصول الأجر. ثم ختم السورة بآية جامعة لأسباب سعادة الدارين، وذلك أن أحوال الإنسان قسمان: الأول ما يتعلق به وحده فأمر فيه بالصبر ويندرج فيه الصبر على مشقة النظر والاستدلال في معرفة التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، والصبر على أداء الواجبات والمندوبات والاحتراز عن المنهيات، والصبر على شدائد الدنيا وآفاتها ومخاوفها. الثاني ما يتعلق بالمشاركة مع أهل المنزل أو المدينة فأمر فيه بالمصابرة، ويدخل فيه تحمل الأخلاق الرديئة من الأقارب والأجانب، وترك الانتقام منهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد مع أعداء الدين بالحجة وبالسيف وباللسان أو بالسنان. ثم إنه لا بد للإنسان في تكلف أقسام الصبر والمصابرة من قهر القوى النفسانية البهيمية والسبعية الباعثة على أضداد ذلك، فأمر بالمرابطة من الربط الشدّ. فكل من صبر على أمر فقد ربط قلبه عليه وألزم نفسه إياه. ثم لا بد في جميع الأعمال والأقوال من ملاحظة جانب الحق حتى يكون معتدا بها، فلهذا أمر بتقوى الله. ثم لما تمت وظائف العبودية ختم الكلام على وظيفة الربوبية وهو رجاء الفلاح منه، فظهر أن هذه الآية مشتملة على كنوز الحكم والمعارف وجامعة لآداب الدين والدنيا. ثم إنها على اختصارها كالإعادة لما تقدم في هذه السورة من الأصول وهي: تقرير التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد. ومن الفروع كأحكام الحج والزكاة والجهاد. وعن الحسن اصْبِرُوا على دينكم فلا تتركوه بسبب الفقر والجوع وَصابِرُوا عدوّكم فلا تفشلوا بسبب ما أصابكم يوم أحد. وقال الفراء: اصبروا مع نبيكم وصابروا عدوكم، فلا ينبغي أن يكونوا أصبر منكم. وقال الأصم: لما كثرت تكاليف الله تعالى في هذه السورة أمرهم بالصبر عليها. ولما كثر ترغيب الله تعالى في الجهاد فيها أمرهم بالمصابرة مع الأعداء. أما المرابطة ففيها قولان: أحدهما أن يربط هؤلاء خيولهم في الثغور ويربط أولئك أيضا خيولهم بحيث يكون كل واحد من الخصمين مستعدا لقتال الآخر قال تعالى: وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60]

وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «من رابط يوما وليلة في سبيل الله كان كعدل صيام شهر وقيامه لا يفطر ولا ينفتل عن صلاته إلا لحاجة» «1»

وثانيهما أنها انتظار الصلاة بعد الصلاة لما روي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: لم يكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. وفي حديث أبي هريرة ذكر انتظار الصلاة بعد الصلاة ثم قال:

فذلك الرباط ثلاث مرات والله أعلم.

(1) رواه النسائي في كتاب الجهاد باب 39. الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب 25. ابن ماجه في كتاب الجهاد باب 7. أحمد في مسنده (5/ 440، 441) .

ص: 336