الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَثِيمٍ هـ عِنْدَ رَبِّهِمْ ج، يَحْزَنُونَ هـ، مُؤْمِنِينَ هـ، وَرَسُولِهِ ج، أَمْوالِكُمْ ج لأن ما بعده مستأنف أو حال عامله معنى الفعل في لام التمليك، وَلا تُظْلَمُونَ هـ، مَيْسَرَةٍ ط، تَعْلَمُونَ هـ، لا يُظْلَمُونَ هـ.
التفسير:
الحكم الثاني من الأحكام الشرعية المذكورة في هذا الموضع حكم الربا.
وذلك أنّ بين الصدقة وبين الربا مناسبة التضاد، فإن الصدقة تنقيص مأمور بها، والربا زيادة منهي عنها. وأيضا لما أمر بالإنفاق من طيبات المكاسب وجب أن يردف بالكسب الحرام وهو الربا، والحلال وهو البيع ما يناسب من الدين والرهن وغيرهما فقال الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أما الأكل فيعم جميع التصرفات إلا أنه عبر عن الشيء بمعظم مقاصده وكيف لا وقد
«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه والمحلل له» «1»
وأيضا نفس الربا لا يمكن أن يؤكل ولكن يصرف إلى المأكول فيؤكل، فالمراد التصرف فيه. والربا في اللغة الزيادة من ربا يربو، ومن أمالها فلمكان كسرة الراء. وهو في المصاحف مكتوب بالواو وأنت مخير في كتابتها بالألف والواو. وفي الكشاف: كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة. وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع. ثم الربا قسمان: ربا النسيئة وربا الفضل. أما الأول فهو الذي كانوا يتعارفونه في الجاهلية، كانوا يدفعون المال مدة على أن يأخذوا كل شهر قدرا معينا، ثم إذا حل الدين طالب المديون برأس المال فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل. وأما ربا الفضل فأن يباع منّ من الحنطة بمنوين مثلا.
والمروي عن ابن عباس أنه كان لا يحرم إلا القسم الأول وكان يقول: لا ربا إلا في النسيئة.
ويجوّز ربا النقد فقال له أبو سعيد الخدري: أشهدت ما لم نشهد أسمعت ما لم نسمع؟
فروى له الحديث المشهور في هذا الباب. وله روايات منها.
ثم قال أبو سعيد: لا أرني وإياك في ظل بيت ما دمت على هذا. فيروى أنه رجع عنه. قال محمد بن سيرين: كنا في بيت معنا عكرمة فقال رجل: يا عكرمة، أما تذكر ونحن في بيت فلان ومعنا ابن عباس؟ فقال: إنما كنت
(1) رواه البخاري في كتاب البيوع باب 24. مسلم في كتاب المساقاة حديث 106، 107. أبو داود في كتاب البيوع باب 4. الترمذي في كتاب البيوع باب 2. النسائي في كتاب الطلاق باب 13. أحمد في مسنده (1/ 83، 87) .
(2)
رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث: 80، 82. أبو داود في كتاب البيوع باب 12. الترمذي في كتاب البيوع باب 23. النسائي في كتاب البيوع باب 42، 43. الدارمي في كتاب البيوع باب 41. [.....]
استحللت الصرف برأيي ثم بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرمه فاشهدوا أني قد حرمته وبرئت إلى الله منه. حجة ابن عباس أن قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يتناول بيع الدرهم بالدرهمين نقدا. وقوله: وَحَرَّمَ الرِّبا لا يتناوله لأن كل زيادة ليست محرمة فوجب أن تبقى على الحل ولا يخرج إلا العقد المخصوص الذي كان يسمى فيما بينهم ربا وهو ربا النسيئة. وقد تأكد هذا الرأي بما
روى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الربا في النسيئة» «1»
وفي رواية «لا ربا فيما كان يدا بيد» «2»
وذكر أبو المنهال أنه سأل البراء بن عازب وزيد بن أرقم فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصرف فقال: إن كان يدا بيد فلا بأس، وإن كان نسيئة فلا يصح.
وأما جمهور المجتهدين فقد اتفقوا على حرمة الربا في القسمين. أما النسيئة فبالقرآن، وأما النقد فبالخبر، ثم إن الخبر دل على حرمة ربا النقد في الأشياء الستة: النقدان والمطعومات الأربعة. ولا شك أن الربا إنما ثبت فيها لمعنى، فإذا عرف ذلك المعنى ألحق بها ما يشاركها فيه. أما الأشياء الأربعة فللشافعي في علة الربا فيها قولان: الجديد أن العلة الطعم لما
روي عن معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الطعام بالطعام مثل بمثل» «3»
علق الحكم باسمي الطعام، والحكم المعلق بالاسم المشتق معلل بما منه الاشتقاق كالقطع المعلق باسم السارق، والجلد المعلق باسم الزاني. والقديم أن العلة فيها الطعم مع الكيل أو الوزن لما
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الذهب بالذهب وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل»
فعلى هذا يثبت الربا في كل مطعوم مكيل أو موزون دون ما ليس بمكيل ولا موزون كالسفرجل والرمان والبيض والجوز. وقال مالك:
العلة الاقتيات، فكل ما هو قوت أو يستصلح به القوت كالملح يجري فيه الربا. وعند أبي حنيفة العلة الكيل حتى ثبت الربا في الجص والنورة. وعن أحمد رواية كأبي حنيفة والأخرى كالجديد. وأما النقدان فعن بعض الأصحاب أن العلة فيهما لعينهما لا لعلة.
والمشهور أن العلة فيهما صلاحية الثمنية الغالبة فيشمل التبر والمضروب والحلي والأواني المتخذة منها، ولا يتعدى الحكم إلى الفلوس على الأصح وإن راجت رواج الذهب والفضة لانتفاء العلة. وقال أحمد وأبو حنيفة: العلة فيهما الوزن فيتعدى الحكم إلى كل موزون كالحديد والرصاص. فهذا ضبط المذاهب وتفاريعها إلى الفقه. وأما السبب في تحريم الربا
(1) رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 102. البخاري في كتاب البيوع باب 79. النسائي في كتاب البيوع باب 49. ابن ماجه في كتاب التجارات باب 49.
(2)
رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 103.
(3)
رواه مسلم في كتاب المساقاة حديث 93. أحمد في مسنده (6/ 400) .
فهو أن من يبيع الدرهم بالدرهمين نقدا أو نسيئة يحصل له زيادة درهم من غير عوض، وأخذ مال المسلم من غير عوض محرم
لقوله صلى الله عليه وسلم: «حرمة مال المسلم كحرمة دمه» «1»
وإبقاء رأس المال في يده مدة مديدة وتمكينه من أن يتجر فيه وينتفع به أمر موهوم فقد يحصل وقد لا يحصل، وأخذ الدرهم الزائد متيقن وتفويت المتيقن لأجل الموهوم لا يخلو من ضرر. وقيل: سبب تحريمه أنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب، لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا أو نسيئة أعرض عن وجوه المكاسب فيختل نظام العالم. وقيل: لما يفضي إلى انقطاع المعروف بين الناس من القرض، ولأنه تمكين للغني من أن يأخذ مالا زائدا من الفقير. وقيل: إن حرمة الربا قد ثبتت بالنص ولا يجب أن تكون حكمة كل تكليف معلومة لنا. لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ التخبط الضرب على غير استواء ومنه خبط العشواء وتخبط الشيطان.
قيل: من زعمات العرب يزعمون أن الشيطان يخبط الإنسان فيصرع فورد على ما كانوا يعتقدون. والمس الجنون رجل ممسوس أي مسه الجني فاختلط عقله، وكذلك جن الرجل ضربته الجن وهذا أيضا من زعماتهم. وقيل: من عادة الناس إذا أرادوا تقبيح شيء أن يضيفوه إلى الشيطان كما في قوله تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [الصافات: 65] فورد القرآن على ذلك. وقيل: إن الشيطان يمسه بالوسوسة المؤذية التي يحدث عندها الفزع فيصرع كما يصرع الجبان في الموضع الخالي، ولهذا لا يوجد هذا الخبط في العقلاء وأرباب الحزم واللب. وأكثر المسلمين على أن الشيطان لا يبعد أن يكون قويا على الصرع والقتل والإيذاء بتقدير الله تعالى. وللمفسرين في الآية أقوال: أحدها أن آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا تلك سيماهم يعرفون بها عند أهل الموقف. وقوله: مِنَ الْمَسِّ يتعلق ب لا يَقُومُونَ أي لا يقومون من المس الذي بهم إلا كما يقوم المصروع. أو يتعلق ب يَقُومُ أي كما يقوم المصروع من جنونه، وقال ابن قتيبة: يريد إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا مسرعين إلا أكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لأنهم أكلوا الربا فأرباه الله في بطونهم فأثقلهم. وقيل: إنه مأخوذ من قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا [الأعراف: 201] وذلك أن الشيطان يدعوه إلى الهوى، والملك يجره إلى التقوى، فيقع هناك حركات مضطربة وأفعال مختلفة وهو الخبط. فإذا مات آكل الربا على ذلك أورثه الخبط في الآخرة وأوقعه في ذل الحجاب بينه وبين الله
(1) رواه أحمد في مسنده (1/ 446) .
تعالى. ذلِكَ العقاب بسبب قولهم إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وذلك أنه قد بلغ من اعتقادهم في حل الربا أنهم جعلوه أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع وإلا كان حق النظم في الظاهر أن يعكس فيقال: إنما الربا مثل البيع. لأن الكلام في الربا لا في البيع، ومن حق القياس أن يشبه محل الخلاف بمحل الوفاق، ثم إنهم كانوا يعولون في تحليل الربا على هذه الشبهة وهي أن من اشترى ثوبا بعشرة ثم باعه بأحد عشر نقدا أو نسيئة فهذا حلال، فكذا إذا أعطى العشرة بأحد عشر لا فرق بين الصورتين إذا حصل التراضي من الجانبين، والبياعات إنما شرعت لدفع الحاجات. ولعل الإنسان يكون صفر اليد في الحال وسيحصل له أموال كثيرة في المآل فإعطاؤه الزيادة عند وجدان المال أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال. فأجاب الله تعالى عنها بحرف واحد وهو قوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا وحاصله إنكار التسوية وأن النص لا يعارض بالقياس فإن ذلك من عمل إبليس، أمره الله تعالى بالسجود فعارض النص بالقياس وقال أنا خير منه. ثم ظاهر الآية يدل على أن الوعيد إنما لحقهم باستحلالهم الربا دون الإقدام على أكله مع اعتقاد التحريم، وعلى هذا التقدير لا يثبت بهذه الآية كون أكل الربا من الكبائر، ويجب تأويل مقدمة الآية بأن المراد من أكلهم الربا استطابته واستحلاله كما يقال: فلان يأكل مال الله قضما وهضما. أي يستحل التصرف فيه إلا أن جمهور المفسرين حملوا الآية على وعيد من يتصرف في مال الربا لا على وعيد من يستحل هذا العقد. قيل: ويحتمل أن يكون قوله وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا من تمام كلام الكفار على سبيل الاستبعاد. وأكثر المفسرين على خلافه لأن جعله من كلام الكفار لا يتم إلا بإضمار هو أن يحمل ذلك على الاستفهام بطريق الإنكار، أو على الرواية عن قول المسلمين والإضمار خلاف الأصل. وأيضا لو كان من تمام كلامهم فلم يكشف الله تعالى عن فساد شبهتهم، فلم يكن قوله بعد ذلك فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ لائقا بالمقام.
وأيضا المسلمون لم يزالوا متمسكين في البيع بهذه الآية، ولولا أنهم علموا أن ذلك كلام الله لا كلام الكفار لم يصح منهم الاستدلال بها. وهاهنا بحث للشافعي وهو أن الآية من المجملات التي لا يجوز التمسك بها بناء على أن الاسم المفرد باللام لا يفيد العموم وليس فيه إلا تعريف الماهية فيكفي في العمل به ثبوت صورة واحدة. ولو سلم إفادة العموم فلا شك أن إفادته مما لو قيل: وأحل الله البياعات: بلفظ الجمع. ومع ذلك فقد تطرق إليه تخصيصات خارجة عن الحصر والضبط، ومثل هذا العموم لا يليق بكلام الله لأنه قريب من الكذب. نعم إطلاق اللفظ المستغرق على الأغلب عرف مشهور، وأيضا روي أن عمر قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا وما سألناه عن الربا. ولو كان هذا اللفظ مفيدا للعموم لم يقل
ذلك. وأيضا قوله وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يقتضي أن يكون كل بيع حلالا، وقوله: وَحَرَّمَ الرِّبا يقتضي أن يكون كل ربا حراما. لأن الربا هو الزيادة ولا بيع إلا ويقصد به الزيادة، وإذا تعارضا وتساقطا ووجب الرجوع إلى بيان النبي صلى الله عليه وسلم. فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ فمن بلغه وعظ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى امتنع من استحلال الربا وتبع النهي فَلَهُ ما سَلَفَ فلا يؤاخذ بما مضى منه لأنه أخذ قبل نزول التحريم كقوله إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال: 38] عن الزجاج: والتنوين في مَوْعِظَةٌ للتعظيم أو للتقليل أي موعظة بليغة أو شيء من المواعظ.
وقيل: النهي المتأخر كيف يؤثر في الفعل المتقدم حتى يكون ما سلف ذنبا؟ فالمراد له ما أكل من الربا وليس عليه رد ما سلف. عن السدي: والسلوف التقدم ومنه الأمم السالفة، وسلافة الخمر صفوتها لأنه أول ما يخرج من عصيرها. وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ لأنه إن انتهى عن أكل الربا كما انتهى عن استحلاله فهو المقر بدين الله العامل بتكليفه فيستحق المدح والثواب، وإن انتهى عن الاستحلال دون الأكل فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له لقوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: 48] وَمَنْ عادَ إلى استحلال الربا وأنه مثل البيع فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لأنه كفر باستحلال ما هو محرم إجماعا. وأما القائلون بتخليد الفساق فيقولون: ومن عاد إلى أكل الربا. ثم إنه تعالى لما بالغ في الزجر عن الربا وكان قد بالغ في الآي السالفة في الحث على الصدقات، ذكر ما يجري مجرى الداعي إلى ترك الربا وفعل الصدقة فقال يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ والمحق نقص الشيء حالا بعد حال ومنه «محاق القمر» وكل من محق الربا وإرباء الصدقات إما في الدنيا وإما في الآخرة. وذلك أن الغالب في المرابي وإن كثر ماله أن تؤل عاقبته إلى الفقر وتزول البركة عن ماله.
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الربا وإن كثر إلى قل»
وذلك لدعاء الناس عليه وبغضهم إياه لسقوط عدالته وشهرته بالفسق والعدوان، وربما يطمع الظلمة في ماله ظنا منهم أن المال في الحقيقة ليس له. وعن ابن عباس في تفسير هذا المحق أن الله تعالى لا يقبل منه صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلة.
ثم إن مال الربا لا يبقى عند الموت وتبقى التبعة عليه.
وقد ثبت في الحديث «أن الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام» «1»
هذا حال الغني من الحلال فكيف حال الغني من الحرام المقطوع بحرمته؟ قال القفال: نظير قوله يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا المثل الذي ضربه فيما تقدم كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ [البقرة: 264] ونظير قوله: وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ المثل الآخر كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ [البقرة: 261]
عن أبي هريرة
(1) رواه أبو داود في كتاب العلم باب 13. أحمد في مسنده (3/ 63) .
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل الصدقات ولا يقبل منها إلا الطيب ويأخذها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم مهره أو فلوه حتى أن اللقمة لتصير مثل أحد» «1»
وأيضا المتصدق يزداد كل يوم جاهه وذكره الجميل وتميل القلوب إليه وتنقطع الأطماع عنه متى اشتهر منه أنه متشمر لإصلاح مهمات الضعفاء وسد خلة الفقراء، فتبين أن الربا وإن كان زيادة في المال إلا أنه نقصان في المآل، والصدقة وإن كانت نقصانا في الحال إلا أنها زيادة في الاستقبال. فعلى العاقل أن لا يلتفت إلى ما يقضي به الحس والطبع ويعوّل على ما ندب إليه العقل والشرع وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ الكفار فعال من الكفر ومعناه المقيم على ذلك، والصيغة للمزاولة ك «تمار وقوال» والأثيم «فعيل» بمعنى «فاعل» وهو أيضا للمبالغة في الاستمرار على اكتساب الآثام، وذلك لا يليق إلا بمن ينكر تحريم الربا فيكون جاحدا. ووجه آخر وهو أن يكون الكفار عائدا إلى المستحل، والأثيم إلى الآكل مع اعتقاد التحريم. ويحتمل أن يعود كلاهما إلى أكل الربا ويكون تغليظا في أمر الربا وإيذانا بأنه من فعل الكفرة لا من فعل المسلمين. وفي الآية دلالة على أنه تعالى سبقت رحمته عضبه. بيانه أنه لم ينف المحبة إلا عن الجامع بين الإصرار على الكفر وبين المواظبة على سائر الآثام كالربا. فإن استحلاله كفر وهو في نفسه إثم مذموم في جميع الأديان، لأنه سلب مال المحتاج بنوع من الإكراه والإلجاء، فتبقى الآية ساكنة عمن جمع بين الأمرين لا على سبيل الإصرار والمواظبة وعن الذي لم يجمع بينهما. نعم قد عرف بدليل آخر أن الكفار الذي لم يواظب على سائر الآثام لا يستأهل محبة الله تعالى وذلك لا ينافي السكوت عن حكمه هاهنا والله أعلم. ثم ذكر الترغيب عقيب الترهيب على عادته من ذكر الوعد مع الوعيد فقال إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ الآية. فاحتج به من قال العمل الصالح خارج عن مسمى الإيمان كما مر.
وأجيب بأنه قال في الآية: وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ مع أن الصلاة والزكاة من الأعمال الصالحة. ورد بأن الأصل حمل كل لفظ على فائدة جديدة ترك العمل به عند التعذر فيبقى في غيره على الأصل لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ لم يقل «على ربهم» لأن الأول يجري مجرى ما إذا باع بالنقد وذلك النقد حاضر متى شاء البائع أخذه، والثاني جار مجرى البيع في الذمة نسيئة، ولا شك أن الأول أفضل وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ عن ابن عباس: أي فيما يستقبلهم من أحوال القيامة وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بسبب ما تركوه في الدنيا، فإن المنتقل من حال إلى حال أخرى فوقها ربما يتحسر على بعض ما فاته من الأحوال السالفة وإن كان مغتبطا بالثانية
(1) رواه البخاري في كتاب الزكاة باب 8. مسلم في كتاب الزكاة حديث 63. الترمذي في كتاب الزكاة باب 28. النسائي في كتاب الزكاة باب 48. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب 28.
لأجل إلف وعادة، فبيّن تعالى أن هذا القدر من الندامة لا يلحق أهل الثواب والكرامة. وقال الأصم: لا خوف عليهم من عذاب يومئذ ولا هم يحزنون بسبب أنهم فاتهم النعيم الزائد الذي حصل لغيرهم من السعداء لأنه لا منافسة في الآخرة. وأيضا إنهم لا يحزنون بسبب إنه لم يصدر منا طاعة أزيد مما صدر حتى صرنا بها مستحقين بثواب أزيد مما وجدناه لأن هذه الخواطر لا توجد في الجنة. وهاهنا سؤال وهو أن المرأة إذا بلغت عارفة بالله، ولما بلغت حاضت. وعند انقطاع حيضها ماتت. أو الرجل بلغ عارفا بالله، وقبل أن تجب عليه الصلاة والزكاة مات. فهما بالاتفاق من أهل الثواب مع خلوهما عن الأعمال، فكيف وقف الله هاهنا حصول الأجر على حصول الأعمال؟ والجواب أن الموجبة الكلية لا تنعكس كنفسها، وقد دلت الآية على أن كل مؤمن عمل صالحا فله الأجر فلا يلزم العكس الكلي ثم إنه تعالى لما بيّن أن من انتهى عن الربا فله ما سلف كان يجوز أن يظن أنه لا فرق بين المقبوض منه وبين الباقي في ذمة القوم فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا فبين أنه يحرم أخذ ما بقي من الربا في ذمتهم. فإن قيل: كيف قال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ثم قال في آخره إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ؟ فالجواب أن هذا كما يقال: إن كنت أخي فأكرمني. معناه أن من كان أخا أكرم أخاه. ومعناه إذ كنتم مؤمنين أو إن كنتم تريدون استدامة الحكم لكم بالإيمان، أو يا أيها الذين آمنوا بلسانكم ذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين بقلوبكم. قال القاضي:
وفيه دلالة على أن الإيمان لا يتكامل إذا أصر الإنسان على كبيرة، وإنما يصير مؤمنا بالإطلاق متى تجنب كل الكبائر. وأجيب بأن المراد إن كنتم عاملين بمقتضى الإيمان. وهذا بناء على أن العمل الصالح غير داخل في مسمى الإيمان، وإنما شدد الله في ذلك لأن المنتظر لحلول الأجل إذا حضر الوقت وطن نفسه على أن تلك الزيادة قد حصلت له ففطامه عنها يكون شديدا عليه فقال اتَّقُوا اللَّهَ واتقاؤه إنما يكون باتقاء ما نهى عنه. وهذه الآية أصل كبير في أحكام الكفار. إذا أسلموا، فإن ما مضى في الكفر يبقى ولا ينقض ولا ينسخ، وما لم يوجد منه في حال الكفر فحكمه محمول على الإسلام، فإذا تناكحوا على ما يجوز عندهم ولا يجوز في الإسلام فهو عفو لا يتعقب وإن كان النكاح وقع على مهر حرام فقبضته المرأة فقد مضى، وإن كانت لم تقبضه فلها مهر مثلها دون ما سمى وهذا مذهب الشافعي. وأما سبب نزول الآية
فعن ابن عباس: بلغنا- والله أعلم- أنها نزلت في بني عمرو بن عمير من ثقيف وفي بني المغيرة بني مخزوم. كانت بنو المغيرة يربون لثقيف، فلما أظهر الله رسوله على مكة وضع يومئذ الربا كله فأتى بنو عمرو بن عمير وبنو المغيرة إلى عتاب بن أسيد وهو على مكة فقال بنو المغيرة: ما جعلنا أشقى الناس بالربا أوضع عن
الناس غيرنا. فقال بنو عمر: وصولحنا على أن لنا ربنا. فكتب عتاب في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية
والتي بعدها فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فعرف بنو عمرو أن لا يدان لهم بحرب من الله ورسوله.
وقال عطاء وعكرمة: نزلت في العباس بن عبد المطلب وعثمان بن عفان وكانا قد أسلفا في التمر، فلما حضر الجداد قال لهما صاحب التمر: لا يبقى لي ما يكفي عيالي إن أنتما أخذتما حقكما كله. فهل لكما أن تأخذا النصف وتؤخرا النصف وأضعف لكما؟ ففعلا. فلما جاء الأجل طلبا الزيادة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهما ونزلت الآية فسمعا وأطاعا وأخذ رؤوس أموالهما.
وقال السدي: نزلت في العباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا، فجاء الإسلام ولهما أموال عظيمة في الربا، فأنزل الله تعالى هذه الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب» «1»
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا قيل: خطاب مع الكفار المستحلين للربا. ومعنى قوله: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ معترفين بتحريم الربا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي فإن لم تكونوا معترفين بتحريمه فَأْذَنُوا ومن ذهب إلى هذا القول قال: فيه دليل على أن من كفر بشريعة واحدة من شرائع الإسلام فهو خارج عن الملة كما لو كفر بجميع شرائعه، وعلى هذا يكون مالهم فيئا للمسلمين. وقيل: خطاب مع المؤمنين المصرين على معاملة الربا لأنه خطاب مع قوم تقدم ذكرهم وما هم إلا المخاطبون بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ومعنى قوله: فَأْذَنُوا عند من جعله من الإيذان أعلموا من لم ينته عن الربا بحرب من الله، فالمفعول محذوف. وإذا أمروا بإعلام غيرهم فهم أيضا قد علموا ذلك، لكن ليس في علمهم دلالة علي إعلام غيرهم. فهذه القراءة في الإبلاغ آكد ممن قرأ فَأْذَنُوا من أذن بالشيء إذا أعلم به أي كونوا على إذن وعلم. فإن قيل: كيف أمر بالمحاربة مع المسلمين؟ قلنا: هذه اللفظة قد تطلق على من عصى الله غير مستحل كما
جاء في الخبر «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة» «2»
وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم «من لم يدع المخابرة فليأذن بحرب من الله ورسوله» «3»
وقد جعل كثير من المفسرين والفقهاء قوله إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المائدة: 33] أصلا في قطاع الطريق من المسلمين.
(1) رواه مسلم في كتاب الحج حديث 147. الترمذي في كتاب تفسير سورة 9 باب 2. أبو داود في كتاب البيوع باب 5. ابن ماجه في كتاب المناسك باب 76، 84. الدارمي في كتاب البيوع باب 3.
الموطأ في كتاب البيوع حديث 83.
(2)
رواه ابن ماجه في كتاب الفتن باب 16. بلفظ «من عادى
…
» .
(3)
رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 33.
فثبت أن ذكر هذا النوع من التهديد مع المسلمين وارد في كتاب الله وسنة رسوله. ثم التفضيل فيه أن المصر على عمل الربا إن كان شخصا قدر الإمام عليه قبض عليه وأجرى عليه حكم الله من التعزير والحبس إلى أن تظهر منه التوبة، وإن كان له عسكر وشوكة حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية، وكما حارب أبو بكر مانعي الزكاة. وكذا القول لو أجمعوا على ترك الأذان وترك دفن الموتى فإنه يفعل بهم ما ذكرناه وَإِنْ تُبْتُمْ من استحلال الربا أو عن معاملة الربا فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ الغريم يطلب زيادة على رأس المال وَلا تُظْلَمُونَ أنتم بنقصان رأس المال. وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ إن وقع غريم من غرمائكم ذو إعسار على أن «كان» هي التي تسمى تامة بمعنى وجد الشيء وحدث في نفسه لا بمعنى وجد موصوفا بشيء فإنها حينئذ تكون ناقصة تحتاج إلى الخبر. وقرأ عثمان ذا عسرة بمعنى وإن كان الغريم أو المستربي ذا عسرة. والقراءة المشهورة أولى كيلا تكون النظرة مقصورة على الغريم المستربي بل تعمه وغيره من أرباب العسرة وهي اسم من الإعسار وهو تعذر الموجود من المال. والنظرة التأخير والإمهال وفي الآية حذف والتقدير: فالحكم أو فالأمر نظرة. وقرىء فَنَظِرَةٌ بسكون الظاء، وقرأ عطاء فناظره على الأمر أي سامحه بالإنظار وناظره أي صاحب الحق ناظره أي منتظره، أو ذو نظرته مثل مكان عاشب أي ذو عشب. والميسرة اليسار ضد الإعسار. وقرىء بضم السين كمقبرة ومقبرة. ومن قرأ بالإضافة إلى الضمير فقد حذف التاء كقوله: وَأَقامَ الصَّلاةَ واختلفوا في أن حكم الإنظار مختص بالربا أو عام في الكل؟ فعن ابن عباس وشريح والضحاك والسدي وإبراهيم: الآية في الربا. قال الكلبي: قال بنو عمرو لبني المغيرة: هاتوا رؤوس أموالنا ولكم الربا ندعه لكم. فقال بنو المغيرة: نحن اليوم أهل عسرة فأخرونا إلى أن تدرك الثمرة فأبوا أن يؤخروهم فنزلت وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ وعن مجاهد وسائر المفسرين أنها عامة في كل دين، ولهذا ورد «كان» تامة. ولو فرض أن سبب النزول خاص فلا بد من إلحاق سائر الصور به لأن العاجز عن أداء المال لا يجوز تكليفه به وهو قول أكثر الفقهاء كمالك وأبي حنيفة والشافعي. والإعسار في الشرع هو أن لا يجد في ملكه ما يؤديه بعينه ولا يكون له ما لو باعه لأمكن أداء الدين من ثمنه. فمن وجد دارا أو ثوبا لا يعد من ذوي العسرة إذا أمكنه بيعها وأداء ثمنها، ولا يجوز له أن يحبس إلا قوت يومه لنفسه وعياله وما لا بد لهم من كسوة لصلاتهم ودفع الحر والبرد عنهم. وهل يلزمه أن يؤخر نفسه من صاحب الدين أو غيره؟ الأصح أنه لا يلزمه، وكذا لو بذل له غيره ما يؤديه لا يلزمه القبول. فأما من له بضاعة كسدت عليه فواجب عليه أن يبيعها بالنقصان إن لم يمكن إلا ذلك. وإذا علم الإنسان أن
غريمه معسر حرام عليه حبسه وأن يطالبه بما له عليه ووجب الإنظار إلى وقت اليسار فأما إن كان غريمه في إعساره جاز أن يحبسه إلى ظهور الإعسار. وإذا ادعى الإعسار وكذبه الغريم فإن كان الدين الذي حصل لزمه حصل له عن عوض كالبيع أو القرض فلا بد له من إقامة شاهدين عدلين على أن ذلك العوض قد هلك، فإن لم يكن عن عوض كإتلاف وضمان وصداق فالقول قوله وعلى الغريم البينة، لأن الأصل هو الفقر، وَأَنْ تَصَدَّقُوا على المعسر بما عليه من الدين يدل على ذلك ذكر المعسر وذكر رأس المال خَيْرٌ لَكُمْ لحصول الثناء الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن هذا التصدق خير لكم فتعملوا به جعل من لا يعمل به وإن علمه كأنه لا يعلمه، أو تعلمون فضل التصدق على الإنظار والقبض بعده، أو تعلمون أن ما يأمركم به ربكم أصلح لكم. وقيل: المراد بالتصدق الإنظار
لقوله عليه السلام: «لا يحل دين رجل مسلم فيؤخره إلا كان له بكل يوم صدقة»
وزيف بأن الإنظار ثبت وجوبه بالآية الأولى فلا بد من فائدة جديدة ولأن قوله خَيْرٌ لَكُمْ إنما يليق بالمندوب لا بالواجب. ثم إن المعاملين بالربا كانوا أصحاب شرف وجلالة وأعوان وتغلب على الناس، فاحتاجوا إلى مزيد زجر ووعيد فلا جرم وقع ختم أحكام الربا بقوله وَاتَّقُوا يَوْماً والمراد اتقاء ما يحدث فيه من الشدائد والأهوال. واتقاء ذلك لا يمكن إلا باجتناب المعاصي وفعل الأوامر في الدنيا فهذا القول يتضمن الإتيان بجميع التكاليف.
وانتصب يَوْماً على أنه مفعول به. والمعنى: تأهبوا بما تسلفون من العمل الصالح للقاء يوم تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أي إلى ما أعد لكم من ثواب أو عقاب، وإلى علمه وحفظه وذلك أن الإنسان له أحوال ثلاث على الترتيب: الأولى كونه جنينا لا يملك تصرفا فلا تصرف فيه إلا الله، والثانية خروجه إلى فضاء وهناك يرى للأبوين لغيرهما تصرف فيه ظاهر.
الثالثة ما بعد الموت وهنالك لا يكون التصرف فيه ظاهرا وفي الحقيقة إلا لله تعالى فكأنه عاد إلى الحالة الأولى. وهذا معنى الرجوع إلى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ أي جزاء ذلك أو المكتسب هو الجزاء كما يقال: كسب الرجل لما يحصله بتجارته. والمراد أن كل مكلف فإنه يصل إليه جزاء عمله بالتمام عند الرجوع إلى الله تعالى كقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7، 8] ثم كان لقائل أن يقول:
كيف يليق بأكرم الأكرمين إيصال العذاب إلى عبيده الكفار والفساق فقال وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بل العبد هو الذي أوقع نفسه في تلك الورطة لأن الله تعالى مكنه وأزاح عذره وسهل طريق الاستدلال عليه وأمهل. هذا على أصول المعتزلة. وأما على أصول الأصحاب فهو إشارة إلى أنه تعالى ملك الملوك وخالق الخلائق، والملك إذا تصرف في ملكه كيف شاء وأراد لم يكن ظلما. عن ابن عباس أنها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نزل بها جبريل وقال: