الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرى تطلب من الشرح.
الفصل السابع: في تعارض ما يخل بالفهم
مراد المتكلم
،
وذكر منها خمسة: وهو الاشتراك، والنقل، والمجاز، والإضمار، والتخصيص.
وخصها بالذكر لكثرة وقوعها، وتعارض بعضها مع بعض.
(وظاهر كلام المصنف أنه) إذا انتفت هذه الخمسة لم يبق خلل أصلاً، لأنه إذا انتفى احتمال الاشتراك، علم أن اللفظ موضوع
لحقيقة واحدة، لكن لا يتعين المراد لاحتمال كونه منقولاً منها إلى معنى آخر.
فإذا انتفى النقل، علم أن اللفظ له حقيقة واحدة، لم ينقل منها إلى غيرها، لكنه لا يتعين المراد لاحتمال كونه مجازًا، إذ يجوز أن لا يريد المتكلم بهذا اللفظ معناه الحقيقي، بل معناه المجازي.
فإذا انتفى المجاز، علم أن المراد من اللفظ ما وضع له لا غير، لكنه لا يتعين المراد، لاحتمال أن يكون اللفظ مضمرًا بسببه ولا يمكن حمله على مدلوله الحقيقي فإذا انتفى الإضمار، تعين كون المراد من اللفظ ما وضع له لا غير، لكنه لا يتعين المراد من جميع الوجوه، لاحتمال التخصيص، إذ يجوز أن يكون المراد به بعض ما وضع له دون جميعه، لاحتمال كونه عامًا مخصصًا.
فإذا انتفى التخصيص أيضًا، انتفى الخلل بالكلية، وحصل الفهم التام.
وإنما تخل هذه الأشياء باليقين، لا بالظن، فإن الظن حاصل مع وجود هذه الأمور.
تنبيه: الباقي من الاحتمالات المخلة باليقين خمسة وهي: النسخ، والتقديم والتأخير، والمعارض العقلي، وتغيير الإعراب، والتصريف.
وذلك التعارض بين الخمسة التي ذكرها المصنف يقع على عشرة أوجه، لأن الاشتراك مع الأربعة الباقية، يأتي منه أربع معارضات، ثم النقل مع الثلاثة الباقية يأتي ثلاثة، ثم المجاز مع الإضمار والتخصيص اثنان، ثم الإضمار مع التخصيص واحد.
وكل منها مرجوح بالنسبة إلى ما بعده، وراجح على ما قبله، إلا
الإضمار والمجاز فإنهما سيان.
الأول: النقل أولى من الاشتراك، لإفراده في الحالتين، أي مدلول المنقول مفرد في الحالة التي قبل النقل، والحالة التي هي بعده لا إجمال فيه يتعين مدلوله، بخلاف المشترك، فإن فيه إجمالاً كالزكاة، يحتمل الاشتراك بين النماء، والقدر المخرج من النصاب، ويحتمل أن يكون موضوعًا للنماء ثم نقله الشرع إلى القدر المخرج.
الثاني: المجاز خير منه، أي: من الاشتراك، لكثرته.
أي: لكثرة وجود المجاز في استعمالات كلامهم.
حتى قال ابن جني: أكثر اللغات مجاز، والكثرة تفيد الظن في محل الشك فتفيد الرجحان.
وأيضًا: يترجح المجاز على الاشتراك لأن فيه إعمال اللفظ مع القرينة في المعنى المجازي ودونها في المعنى الحقيقي، فلا إهمال فيه على التقديرين. بخلاف المشترك فإنه بدون القرينة لا يفيد المراد ففيه إهمال حينئذٍ.
وما يفيد المراد، ويكون معمولاً في جميع الأحوال خير مما يفيده في بعض الأحوال، ويكون مهملاً في البعض، لأن الأصل إعمال اللفظ لا إهماله، كالنكاح يحتمل أن يكون مشتركًا بين العقد والوطء، وأن يكون حقيقة في أحدهما وهو على الأصح العقد مجازًا في الآخر.
الثالث: الإضمار خير من الاشتراك لأن احتياجه إلى القرينة في صورة واحدة، وذلك حيث لا يتعين المعنى المراد، بأن لا يمكن إجراؤه على ظاهره.
أو حيث تعدد الإضمار.
واحتياج الاشتراك إليها أي: إلى القرينة، في صورتين أو أكثر فيحتاج إلى القرينة في جميع أحواله، مثل قوله تعالى: } واسأل القرية {فإن القرية يحتمل أن تكون مشتركة بين الأهل والأبنية، أو حقيقة في الأبنية فقط والأهل مضمر.
الرابع: التخصيص خير من الاشتراك؛ لأنه خير من المجاز كما سيأتي، والمجاز خير من الاشتراك كما مر.
فالتخصيص خير من الاشتراك مثل قوله تعالى: } ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم {فإنه يحتمل أنه مشترك بين العقد والوطء، فيكون
معناه تحريم موطوءة الأب، ومنكوحته من غير الوطء.
أو مختص بالعقد، وخص عنه الفاسد من غير وطء.
الخامس: المجاز خير من النقل، لعدم استلزامه - أي: المجاز - نسخ المعنى الأول، وهجره أصلاً. بخلاف النقل كالصلاة، فإنها في اللغة الدعاء وفي استعمالها في المعنى الشرعي، يحتمل أن يكون بطريق النقل، ويحتمل أن يكون بطريق المجاز من باب إطلاق اسم الجزء على الكل لاشتمال الصلاة على الدعاء.
السادس: الإضمار خير من النقل، لأنه - أي: الإضمار - مثل
المجاز، والمجاز خير من النقل لما عرفت، كقوله تعالى: } وحرم الربا {فإن الأخذ مضمر والربا نقل إلى العقد، فالربا في اللغة: الزيادة.
فيحتمل أن يحمل على حقيقته في اللغة، والأخذ مضمر أي: وحرم أخذ الربا.
أو نقل إلى العقد لاشتماله على الزيادة أي: وحرم العقد المشتمل على الزيادة.
السابع: التخصيص أولى من النقل لما تقدم من كونه خيرًا من
المجاز، والمجاز خير من النقل، مثل قوله تعالى: } وأحل الله البيع {فإنه - أي: البيع - في اللغة للمبادلة مطلقًا، وخص الفاسد فيكون البيع في الآية عامًا مخصصًا، فإن الحلال في الشرع: إنما هو العقد المستجمع للشرائط، أو نقل من معناه اللغوي إلى العقد المستجمع لشرائط الصحة.
الثامن: الإضمار مثل المجاز لاستوائهما في القرينة مثل: هذا ابني، فإنه يحتمل أن يكون مجازًا، يريد به أنه معزوز محبوب، أو أمضر مثل، أي: مثل ابني، فيقتضي بقاء اللفظ مجملاً إلى أن يظهر
دليل رجحان أحدهما.
وقيل: يقدم المجاز لكثرته، واختاره الصفي الهندي، وجزم به القرافي.
التاسع: التخصيص خير من المجاز، لأن الباقي من مفهوم اللفظ بعد التخصيص متعين، لأن في صورة التخصيص انعقد اللفظ دليلاً على كل الأفراد، فإذا خرج البعض بدليل بقي معتبرًا في الباقي، من غير احتياج إلى تأمل واجتهاد.
والمجاز ربما لا يتعين، بأن يكون للفظ مجازات متساوية، والمتعين للفهم دائمًا أولى مما لم يتعين وقتًا ما.
ولا يفهم حينئذٍ، مثل قوله تعالى: } ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه {.
فإن المراد التلفظ، أي: ما ترك التلفظ باسم الله تعالى عليه عند ذبحه، وخص منه النسيان، أي: متروك التسمية بالنسيان، أو يكون المراد به المجاز، وهو الذبح، أي: لم يذبح على اسم الله تعالى، أو ذبح على اسم الأوثان، ويحرم غير المذبوح شرعًا وهنا بحث حسن متعلق بالآية في الشرح.
العاشر: التخصيص خير من الإضمار لما مر أن الإضمار والمجاز متساويان، وأن التخصيص خير من المجاز، فيكون التخصيص خيرًا من الإضمار، مثل قوله تعالى: } ولكم في القصاص حياة {يحتمل أن يكون فيه إضمار، أي: في مشروعية القصاص، لأن القاتل إذا
علم أنه يقتل انزجر عن القتل وذلك حياة لنفسين.
أو لا إضمار فيه، ويكون في القصاص نفسه حياة، لإنزجار الناس عن القتل بقتل الفاعل، وخص عنه المقتص منه.
تنبيه: تتنبه به على أن التخصيص المتقدم الذي هو راجح على الكل، إنما هو التخصيص بحسب الأعيان دون الأزمان، لأن التخصيص بحسب الأزمان هو النسخ كما سيجيء، وهو غير راجح على الكل، بل مرجوح بالنسبة إلى الكل، فإن الاشتراك خير من النسخ، لأنه أي الاشتراك لا يبطل الخطاب، بل يورث التوقف إلى ظهور المراد منه، والنسخ يبطله بالكلية، فيكون الاشتراك راجحًا عليه، إذ الأصل عدم بطلان الخطاب.
ولا شك أن الاشتراك يورث إلباسًا، ولأجله كان خلاف الأصل، وكلما كان الالتباس أقل كان خيرًا، فلذا قال: والاشتراك بين علمين
خير منه - أي: من الاشتراك بين علمٍ ومعنى.
والالتباس في الأعلام أقل مما هو في أسماء المعاني، لأن الأعلام تطلق على أشخاص معدودة، وأسماء المعاني تتناول المسمى في أي ذات كان من الأفراد، الغير متناهية.
ولا شك أن الالتباس في الأشخاص المتعددة أقل وقوعًا مما في الأفراد الغير المتناهية.
مثاله أن يقال: رأيت الأسودين، فحمله على شخصين كل اسمه أسود أولى، من حمله على شخص اسمه أسود وآخر لونه أسود.
ولا فرق بين علم الأعيان وعلم الجنس، مثل أسامة لحقيقة الأسد وشخص إنسان.
والاشتراك بين علمٍ ومعنى خير من الاشتراك بين معنيين لما ذكرنا.