المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مثاله: الأسودان حمله على العلم والمعنى أولى من شخصين لونهما - تيسير الوصول إلى منهاج الأصول - جـ ٣

[ابن إمام الكاملية]

الفصل: مثاله: الأسودان حمله على العلم والمعنى أولى من شخصين لونهما

مثاله: الأسودان حمله على العلم والمعنى أولى من شخصين لونهما أسود.

وإليه أشار بقوله: وهو خير منه بين معنيين.

‌الفصل الثامن:

في تفسير حروف يحتاج، أي يحتاج المجتهد إليها (في استنباط) الأحكام، لوقوعها في أدلة الفقه، وفيه مسائل:

ص: 50

الأولى

الواو العاطفة للجمع المطلق، فهي في عطف الجملة التي لا محل لها من الإعراب لإفادة ثبوت مضمون الجملتين، لأن مثل قولنا: ضرب زيد أكرم عمرو بدون العاطف، يحتمل الإضراب، والرجوع عن الأول، فلا يفيد ثبوتهما بخلاف ما إذا عطفت.

وأما في عطف المفردات وما في حكمها من الجمل التي لها محل من الإعراب فهي لإفادة الجمع في حكم المعطوف عليه من الفاعلية، أو المعفولية، أو المسندية، أو غير ذلك.

ولا يجب الاجتماع في الزمان، وهو المعبر عنه بالمعية، ولا عدم الاجتماع، وكونهما في زمانين مع تأخر ما دخلت عليه، وهو المعبر عنه بالترتيب في زمان بل هي للجمع المشترك بينهما، المحتمل في

ص: 51

الوجود لهما، من غير تعرض في الذكر لشيء منهما، ولا يلزم من عدم التعرض للمعية التعرض للترتيب. وهو معنى الجمع المطلق.

وفي تعبير المصنف "بالجمع المطلق" نظر لتقييد الجمع بقيد الإطلاق، وإنما هي للجمع لا بقيد. والأحسن أن يقال: لمطلق الجمع.

وقيل: للترتيب، وقيل: للمعية.

وقيدتها بالعاطفة تبعًا للإمام، للاحتراز عن الواو بمعنى

ص: 52

مع وواو الحال.

ثم استدل المصنف على أنها لمطلق الجمع بإجماع النحاة (أنها كذلك).

ونقله أبو علي الفارسي، وذكره سيبويه في سبعة عشر موضعًا من كتابه.

وفيه نظر، فقد نقل عن جماعة من أئمة النحو: أنها للترتيب، منهم: قطرب،

ص: 53

والربعي والفراء، وثعلب، وأبو عمرو الزاهد، وهشام، وأبو جعفر الدينوري.

ص: 54

واشتهر عن أصحاب الشافعي، بل نقل عن الشافعي رضي الله عنه.

واستدل المصنف أيضًا على أنها لمطلق الجمع بقوله: ولأنها أي الواو تستعمل حيث يمتنع الترتيب: إما لمفهوم الفعل، مثل: تقاتل زيد وعمرو.

فإن مفهوم التقاتل هو: الأخذ في فعل القتل معًا، ومع المعية يمتنع الترتيب.

وإما لقرينة تمنع منه، وذلك مثل: جاء زيد وعمرو قبله، فإنها لو كانت للترتيب فيه لتناقض الكلام، لكنه لم يتناقض اتفاقًا، وإذا صح استعمالها حيث يمتنع الترتيب كانت للجمع المطلق.

واعترض: بأن صحة إطلاق الواو حيث لا ترتيب لا يستلزم كونها

ص: 55

حقيقة في جواز أن يكون مجازًا.

وأجيب: بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة، وله زيادة تحقيق تطلب من الشرح.

ولأنها، أي الواو في الأسماء المختلفة، كالجمع والتثنية في الأسماء المتماثلة، لأنهم لما لم يتمكنوا من جمع الأسماء المختلفة، وتسميتها، استعملوا واو العطف فيها.

وهما - أي: الجمع والتثنية لا يوجبان الترتيب اتفاقًا، بل يفيدان الاشتراك في الحكم، فكذا واو العطف، وهذا الدليل ينفي المعية أيضًا.

قيل: لو كانت واو العطف بمنزلة التثنية، من غير إشعار بالترتيب، لما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من خطب.

وأثنى، وثنى، ولم يعطف، لكنه أنكر عليه السلام على الخطيب، وهو ثابت بن قيس بن شماس في قوله: ومن عصاهما، حيث قال صلى

ص: 56

الله عليه وسلم "بئس الخطيب أنت" ملقنًا للخطيب بقوله: "قل ومن عصى الله ورسوله".

ولفظ الحديث: أن رجلاً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى، فقال صلى الله عليه وسلم:"بئس الخطيب أنت قل: ومن يعصي الله ورسوله". رواه مسلم وغيره.

ص: 57

ولولا أن الواو للترتيب، لما كان بين العبارتين فرق.

ولم يكن للرد والتلقين معنى، وهو محال.

قلنا: ذلك الإنكار ليس لأن الواو للترتيب، بل لأن الإفراد أشد تعظيمًا، وليس في القرآن مثله، فرد عليه لترك التعظيم الذي كان يحصل بالإفراد لو أفرد.

ص: 58

يدل عليه أن معصيتهما، لا ترتيب فيها، لأن كلا (من الله ورسوله) آمر بطاعة الأخر.

فمعصية أحدهما معصية لهما، كما أن رضاهما واحد.

وأما ما رواه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب وقال "ومن يعصهما" فلا ينافي هذا، لأنه من رواية أبي عياض وهو مجهول.

هذا مع احتمال أن يكون في الأصل بالإفراد واختصر الراوي، وعلى تقدير الصحة والضبط فالمحذور من الجمع، وهو إبهام التسوية في حق المعصوم.

قيل: لو قال الزوج لغير الممسوسة أنت طالق وطالق، طلقت واحدة، بخلاف ما لو قال: أنت طالق طلقتين فإنها تطلق ثنتين.

ص: 59

وما ذلك إلا بإفادة العبارة الأولى الترتيب فتبين منه بالطلقة الأولى، فلا يبقى المحل قابلاً للثانية.

ولا ترتيب في العبارة الثانية، فيلحقها الثنتان دفعة واحدة.

فلو كانت واو العطف بمنزلة الثانية لوقع ثنتان أيضًا.

قلنا: قوله: أنت طالق إنشاء، والإنشاءات مرتبة بترتيب اللفظ، فلما قال:(أنت طالق)، وقعت طلقة، فبانت فلم يبق المحل لخروج البائن عن كونها قابلة لوقوع الطلاق عليها، حتى تقع الثانية، فالترتيب فيها مستفاد من ترتيب الألفاظ لا من الواو.

وقوله: طلقتين إنما هو تفسير لطالق والكلام يتم بآخره فهو بخلاف الأول.

* * *

ص: 60

الثانية:

الفاء العاطفة للتعقيب إجماعًا، أي: تدل على أن المعطوف بها وقع عقب المعطوف عليه بلا مهلة.

وفي نقل الإجماع نظر: فقد ذهب الجرمي إلى أنها إن دخلت على الأماكن والمطر لا تفيد الترتيب.

ص: 61

وكذا الفراء: قال: إنها لا تفيد الترتيب مطلقًا مع قوله: إن الواو للترتيب كما سبق، وهو غريب.

"ولهذا" أي: لأجل كونها للتعقيب، قرن به الجزاء إذا لم يكن فعلاً، أي: يجب دخول الفاء على الجزاء إذا لم يكن بلفظ الفعل نحو: من دخل داري فله درهم.

والجزاء لا بد وأن يحصل عقب الشرط.

فلو لم تكن الفاء للتعقيب لما جاز دخولها على الجزاء الواجب وقوعه عقيب الشرط، فضلاً عن وجوب الدخول.

وقيد الجزاء بكونه غير فعل؛ لأنه إذا كان فعلاً فإن فيه تفصيلاً

ص: 62

مذكورًا في الشرح.

فإن قيل: لو كانت الفاء للتعقيب لأفادته، حيث كانت، لكنها لا تفيده في بعض الصور، وهو مثل قوله تعالى: } لا تفتروا على الله كذبًا فيسحتكم بعذاب {.

فإن الإسحات لا يقع عقيب الفرية لكونها في الدنيا، والإسحات في الآخرة.

فجوابه: (أنه ثبت أن) الفاء للتعقيب حقيقة، فهي في الآية مجاز، إذ هو خبر من الاشتراك، وذلك أن الاستيصال لما كان يقطع

ص: 63

بوقوعه جزاء للمفتري، جعل كالواقع عقب الافتراء مجازًا.

الثالثة

لفظة: "في" وضعت للظرفية، سواء كانت مكانية، أو زمانية ولو تقديرًا، أي: يدل على أن مدخلوها ظرف لما قبلها تحقيقًا، مثل: جلست في المسجد، أو تقديرًا مثل قوله تعالى: } ولأصلبنكم في جذوع النخل {.

شبه تمكن المصلوب على الجذع بتمكن المظروف في الظرف، فإن الجذع ليس مكانًا له حقيقة، لكنه مكان له تقديرًا، و "لو" في قول المصنف: ولو تقديرًا: للحال وقيل: للعطف أي: لو لم يكن تقديرًا

ص: 64

ولو كان تقديرًا.

ولم يثبت مجيئها، أي في: للسببية، خلافًا لزاعمي ذلك من الفقهاء.

قال الإمام: لأن المرجع فيه إلى أهل اللغة، ولم يذكره أحد منهم.

وما استدلوا به يمكن حمله على الظرفية التقديرية مجازًا.

واختار ابن مالك أنها تجيء للسببية (كقوله تعالى)} لمسكم فيما أفضتم {أي: بسبب.

ص: 65

وقوله عليه الصلاة والسلام: "إن امرأة دخلت النار في هرة".

واعلم أن ظاهر كلام المصنف تبعًا للإمام، أن "في" حقيقة في الظرفية الحقيقية والتقديرية، فتكون متواطئة أو مشككة.

ومقتضى كلام النحاة والأصوليين أن استعمالها (في الظرفية) التقديرية مجاز.

قال العراقي: ونحن ننازع في أن ظاهر كلامه مخالف للجمهور

الرابعة

(من) إذا لم تكن زائدة في الكلام، تستعمل لابتداء الغاية في

ص: 66

المكان اتفاقًا: كقولك: خرجت من البيت إلى المسجد.

وفي الزمان، عند الكوفيين، والمبرد، وابن درستويه، وصححه ابن مالك، واختاره أبو حيان، لقوله تعالى: } من أول يوم {.

والتبيين، أي: لتبيين الجنس، كقوله تعالى: } فاجتنبوا الرجس من الأوثان {.

ص: 67

والتبعيض، كقولك: أخذت من الدراهم، وتعرف بصلاحية إقامة البعض مقامها وهي حقيقة في التبيين لوجوده في جميع معانيها، فإنها بينت مبدأ اليوم، والمأخوذ، والرجس الذي يجب الاجتناب عنه، فتكون حقيقة فيه دفعًا للاشتراك؛ إذ لو كانت حقيقة في كل واحدٍ لزم الاشتراك، والأصل عدمه.

قال العراقي: لا بد أن يقول: والمجاز.

الخامسة

الباء: تعدي اللازم، وتجزئ المتعدي.

ص: 68

اعلم: أن التعدية: عبارة عن أنه يضمن الفعل معنى التصيير، حتى يصير فاعل أصل الفعل مفعولاً للفعل المضمن، وأصل الفعل قائم به، كما كان مثل: ذهب زيد، وذهبت بزيد أي: جعلت زيدًا ذاهبًا.

والباء في اللغة: قد تجئ للتعدية كما في المثال المذكور، وإذا دخلت على الفعل المتعدي تفيد تجزئته.

وقال العراقي: معنى كلامه: أن الباء إذا دخلت على فعل لازم كانت للإلصاق، أو على فعل متعد كانت للتعبيض.

فعبر عن الإلصاق بالتعدي، وعن التبعيض بالتجزئة.

وفيه نظر: إذ الإلصاق لا يستلزم التعدية، نحو مررت بزيد، ووصلت هذا بهذا.

فإن الباء في المثالين للإلصاق، وليست للتعدية.

وأما باء التعدية: فهي التي تقوم مقام الهمزة في إيصال الفعل اللازم إلى المعفول.

ص: 69

وما جزم به من أن الباء للتبعيض مخالف لما في المجمل حيث قال: الحق أنه حقيقة فيما ينطلق عليه الاسم دفعًا للاشتراك والمجاز.

ثم احتج للفرق بقوله: لما يعلم من الفرق الضروري بين قولهم: مسحت المنديل، ومسحت بالمنديل.

فإن الأول: يقتضي الشمول، والثاني التبعيض.

ونظر فيه من جهة أن الفرق بينهما أن اليد في المثال الأول ماسحة، والمنديل ممسوح، وفي الثاني بالعكس، لا من الجهة التي ذكرها.

(ومما يوضح الفرق الذي ذكره المصنف) أنه لا بد لدخول الباء من فائدة صونًا للكلام عن العبث، والأصل عدم الزيادة، وغير التجزي مفقود فتعين التجزي لأنه فائدة.

ص: 70

وقالت الحنفية: إنما يثبت مجيء الباء للتجزئة إذا ثبت عن أهل اللغة مجيئه لها، لكن لم يثبت.

وقد نقل إنكاره عن ابن جني، وهو من أهل اللغة، ولولا فحصه لما نفي.

ورد: بأنه شهادة نفي، فلا تسمع مع الإثبات، فقد أثبته الكوفيون، ونص عليه الأصمعي، والفارسي، في كتابه التذكرة،

ص: 71

وبه قال ابن مالك، ولا يلزم من عدم، وجود ابن جني عدم الوجدان.

السادسة

إنما: للحصر، وهو: قصر شيء على شيء بحيث لا يتجاوزه.

فمفهوم: إنما (هو نفي) غير المذكور في الكلام آخرًا، مثل

ص: 72

إنما زيد قائم، وإنما العالم زيد، وإنما ضرب زيد عمرو يوم الجمعة أمام الأمير قائمًا.

لأن "إن" للإثبات، و"ما" للنفي، والأصل بقاؤهما على ما كانا، وليسا متوجهين إلى المذكور، ولا إلى غير المذكور للتناقض، وليس لإثبات ما عدا المذكور إجماعًا، فتعين عكسه، وهو أن "إن" لإثبات المذكور، و"ما" لنفي غير المذكور.

وهو معنى قوله: فيجب الجمع على ما أمكن.

واعترض: بأنها لو كانت نافية، لاقتضت التصدير، ولجاز نصب إنما زيد قائمًا، وغير ذلك.

وأجيب: أن المراد أن كلمة "إنما" هكذا للحصر كسائر الكلمات المركبة الموضوعة لمعنى، لا أن لفظة "إن" ولفظة "ما" ركبتا وبقيتا على

ص: 73

أصلهما.

وما ذكر هو بيان وجه المناسبة، لئلا يلزم النقل، الذي هو خلاف الأصل.

وأيضًا: قد جاء "إنما" في كلام الفصحاء للحصر.

قال الأعشى مخاطبًا لعلقمة، مفضلاً عامرًا عليه:

ولست بالأكثر منهم حصًى، "أي عددًا" *** وإنما العزة للكاثر

أي: وما الغلبة إلا لمن هو أكثر عددًا، فالمراد حصر العزة في الكاثر.

ص: 74

وقال الفرزدق:

"أنا الزائد" من الذود وهو الطرد "الحامي"(أي: الحافظ).

"الذمار" وهو العهد، وقيل الذمار: هو ما يجب على الرجل حفظه من أهله ومتعلقاته من أن يخلفهم عار وهو الأصح، وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي.

فمعناه: (عن أحسابهم أي) أن المدافع عن أحسابهم أنا لا غيري.

ص: 75

وصرح باسم الشاعرين؛ لتعلم أنه من الأبيات التي يستشهد بها لإثبات القواعد، إذ ليس الغرض مجرد التمثيل.

واختار الآمدي أنها لا تفيد بل تفيد تأكيد الإثبات.

ونقل تصحيحه عن النحاة، ونقله أبو حيان عن البصريين، وعروض هذان الوجهان الدالان على "إنما" للحصر بقوله تعالى: } إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم {.

فلو كانت إنما للحصر لأفادته في هذه الآية، لكنها لا تفيد الحصر فيها للإجماع على أن من لا يوجل قلبه عن ذكر الله مؤمن أيضًا.

قلنا: المراد بالمؤمنين المذكورين في الآية: المؤمنون الكاملون، ويلزم منه أن من لا يخالف قلبه عند ذكر الله تعالى ليس بمؤمن كامل.

ص: 76