المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: في الخصوص - تيسير الوصول إلى منهاج الأصول - جـ ٣

[ابن إمام الكاملية]

الفصل: ‌الفصل الثاني: في الخصوص

‌الفصل الثاني: في الخصوص

وهو الانفراد، وفيه مسائل:

الأولى

التخصيص إخراج بعض ما يتناوله اللفظ.

فقوله: إخراج كالجنس.

ص: 286

وقوله: بعض، احتراز عن نسخ الكل.

وقوله: ما يتناوله اللفظ، دخل فيه العام وغيره كالاستثناء من العدد، فسيأتي أنه من المخصصات.

وكذا بدل البعض كما صرح به ابن الحاجب نحو: أكرم الناس قريشًا.

وأخرج بما يتناوله اللفظ: الاستثناء المنقطع، وعما ليس بلفظ كالمفهوم والعلة.

وأورد عليه أن ما أخرج باللفظ لم يتناوله.

وأجيب بأن المراد ما يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصص كقولهم: خصص العام، وهذا عام مخصوص.

ص: 287

ولا شك أن المخصص ليس بعام، لكن المراد به كونه عامًا لولا تخصيصه.

ولما كان النسخ شبيهًا بالتخصيص، لكونه مخرجًا لبعض الأزمان، قال:

والفرق بينه وبين النسخ: أنه أي التخصيص يكون في البعض، أي: بعض الأفراد والنسخ عن الكل.

وفيه نظر: لأن إخراج البعض بعد العمل نسخ لا تخصيص، وفي بعض النسخ: والنسخ قد يكون عن الكل بزيادة "قد" وعلى هذا فلا إيراد.

ص: 288

والأحسن في الفرق: أن النسخ بحسب الأزمان والتخصيص بحسب الأشخاص.

والمخصص - بفتح الصاد - العام المخرج عنه، والمخصص - بكسر الصاد - هو المخرج - بكسر الراء.

وهذا أي المخرج حقيقة، إرادة اللافظ لأنه لما جاز أن يريد الخطاب خاصًا وعامًا لم يترجح أحدهما على الآخر إلا بالإرادة.

ويقال: المخصص للدال عليها، أي على الإرادة مجازًا.

والدال يحتمل أن يكون صفة للشيء الدال على الإرادة، وهو دليل التخصيص لفظيًا كان أو عقليًا أو حسيًا، تسمية للدليل باسم المدلول.

ويحتمل أن يكون صفة للشخص، أي الشخص الدال على الإرادة، وهو المريد نفسه، أو المجتهد أو المقلد تسمية للمحل باسم الحال.

ص: 289

وقال بعضهم: يقال بالمجاز على الدلالة على تلك الإرادة.

فائدة: العام المخصوص: هو الذي أريد عمومه وشموله لجميع الأفراد، من جهة تناول اللفظ لها، لا من جهة الحكم.

والعام الذي أريد به الخصوص لم يرد شموله لجميع الأفراد لا من جهة التناول ولا من جهة الحكم بل كلي استعمل في جزئي. ولهذا كان مجازًا قطعًا، لنقل اللفظ عن موضوعه الأصلي،

ص: 290

بخلاف العام المخصوص، فإن فيه خلافًا سيجيء.

وفرق بينهما أيضًا: بأن قرينة العام المخصوص لفظية، وقرينة الذي أريد به الخصوص عقلية.

وأيضًا قرينة المخصوص: قد تنفك عنه، وقرينة الذي أريد به الخصوص لا تنفك عنه.

* * *

ص: 291

الثانية

الشيء القابل للتخصيص حكم ثبت لمتعدد؛ لأن التخصيص إخراج البعض، والأمر الواحد لا يتصور فيه ذلك.

وأورد: أسماء الأعداد، والجمع المنكر.

وأجيب: بأن مدلول أسماء العدد واحد لا متعدد، فإن المتعدد في المعدود لا في اسم العدد، والجمع المنكر يقبل التخصيص إذا كان معه قرينة لفظية أو معنوية، ولا يلزم من قبوله التخصيص وقوع التخصيص حال تنكيره، وتجرده عن قرائن العموم.

وأورد القرافي على إطلاق المصنف: أن الواحد يندرج فيه الواحد بالشخص وهو يصح إخراج بعض أجزائه لصحة قولك: رأيت زيدًا، وتريد بعضه.

ص: 292

ثم إن المتعدد قد يكون لفظًا، كقوله تعالى: } اقتلوا المشركين {.

أو يكون معنى، وهو ثلاثة.

الأول: العلة وجوز تخصيصها على ما سيجيء - إن شاء الله تعالى - في القياس كما في العرايا فإن الشارع نهى عن بيع الرطب

ص: 293

بالتمر، وعلله بالنقصان إذا جف، وهذه العلة موجودة في العرايا، مع أن الشارع جوزه.

الثاني: مفهوم الموافقة، فيخصص بشرط بقاء الملفوظ، كقوله تعالى: } فلا تقل لها لهما أف {فإنه يدل بمنطوقه على تحريم التأفيف، وبمفهومه على تحريم الضرب، وسائر أنواع الأذى.

وخص عنه مثل (جواز حبس) الوالد في دين الولد؛ فإنه جائز

ص: 294

على ما صححه الغزالي وجماعة منهم المصنف (في الغاية القصوى).

فأما إذا أخرج الملفوظ به، وهو التأفيف في مثالنا، فإنه لا يكون تخصيصًا بل نسخًا للمفهوم، وهو معنى قوله بعد ذلك: الأصل يستلزم نسخ الفحوى وبالعكس.

فإن قلت: حكمه هنا بأن إخراج الفحوى تخصيص لا نسخ للمنطوق معارض لما حكيناه عنه في النسخ.

أجيب: بأنه إن كان الإخراج لمعارض راجح كردة الأب المقتضية لقتله، ومطله المقتضي لحبسه، كان تخصيصًا لا ناسخًا للمنطوق.

لأنه لا ينافي ما دل عليه من الحرمة وهذا هو المراد هنا.

وإن لم يكن، بل ورد ابتداء كان ناسخًا لمنافاته إياه. وهذا هو المراد هناك.

قال العراقي: وأقول السؤال من أصله غير وارد، ولم يتكلم المصنف في إخراج جميع الفحوى، وإنما كلامه في إخراج بعضها، وهو حقيقة

ص: 295

التخصيص، ولا يلزم من تخصيص الفحوى وهو إخراج بعض أفرادها نسخ الأصل، فإن حصل نسخ في الفحوى بأن أخرج جميع أفرادها عن الحكم كان نسخًا للأصل وهو الذي تكلم فيه المصنف هناك.

الثالث: مفهوم المخالفة، فيخصص بدليل راجح على المفهوم؛ لأنه إن كان مساويًا كان ترجيحًا من غير مرجح، وإن كان مرجوحًا كان العمل به ممتنعًا.

وهذا الشرط أهمله الإمام وهو الحق، لأن المخصص لا يشترط فيه الرجحان كما سيجيء؛ لأن فيه جمعًا بين الدليلين وذلك كتخصيص مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا". رواه أبو داود

ص: 296

والترمذي وابن ماجة وغيرهم.

وصححه الحفاظ بالراكد.

ويعني أن مفهوم: "إذا بلغ الماء قلتين" يدل على أنه يحمل الخبث إذا لم يبلغهما.

وهذا المفهوم قد أخرج منه الجاري فلا ينجس إلا بالتغيير لقوله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهور لا ينجسه شيء".

رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.

ص: 297

فدل بمنطوقه على عدم التنجيس.

والمنطوق أرجح من المفهوم.

واختيار المصنف هذا تابع فيه الغزالي وغيره وهو قول قديم للشافعي رضي الله عنه.

والصحيح عدم الفرق بين الراكد والجاري؛ لأن عموم الحديث الثاني، مخصوص بمفهوم الأول.

قيل: التخصيص لا يجوز، لأنه في الأوامر يوهم البداء، بفتح الباء الموحدة والمد ودال مهملة - وهو ظهور المصلحة بعد خفائها.

ص: 298

أو يوهم الكذب إن كان خبرًا، وهما على الله تعالى ممتنعان.

قلنا: يندفع بالمخصص، أي بالإرادة، أو بالدليل الدال على الإرادة، وذلك أنا إذا علمنا أن اللفظ في الأصل يحتمل التخصيص، فقيام الدليل على وقوعه مبين للمراد، وإنما يلزم البداء الكذب أن لو كان المخرج مرادًا.

واعلم أن كلام الإمام الرازي وأتباعه، وابن الحاجب يقتضي أن الخلاف في الأمر والخبر.

قال الإسنوي: وليس كذلك بل في الخبر خاصة.

ص: 299

كما صرح به الآمدي، وهو مقتضى كلام "المعتمد" والشيخ أبي إسحاق وغيرهم.

الثالثة

يجوز التخصيص ما بقي من المخرج منه عدد غير محصور.

وما هنا مصدرية، تقديره يجوز التخصيص مدة بقاء عدد غير محصور من المخرج عنه.

ص: 300

فإن كان محصورًا فلا.

ولا خفاء في امتناع ضبط الكثرة إلا فيما يعلم عدد أفراد العام.

وقال ابن الحاجب: لا بد أن يبقى من لعام جمع يقرب من مدلوله ومقتضاه: أن يكون أكثر من النصف، ويستثنى استعمال ذلك العام في الواحد تعظيمًا له وإعلامًا بأنه يجري مجرى الكثير، كقوله تعالى: } فقدرنا فنعم القادرون {.

ثم استدل المصنف على مختاره: بقوله: لسماجة أكلت كل رمان.

ولم يأكل غير واحدة.

ص: 301

يعني لو خص إلى أن لا يبقى منه كثرة، بل إلى الواحد لم يكن على وفق اللغة، لأن القائل (إذا قال): أكلت كل رمان في البستان، وفيه ألف رمانة مثلاً، ولم يأكل منها غير واحدة عابه أهل اللغة، وكان سمجًا أي: قبيحًا لاغيًا وخطأ، وذلك دليل على الامتناع لغة، فوجب أن يكون في الباقي كثرة.

وفيه نظر: لأنه إن أراد بعدم حصر الكثرة عدم تناهيها، فباطل وهو ظاهر.

وإن أراد عدم العلم بقدرها.

فلو بقي كثرة معلومة القدر كأربعمائة مثلاً في الصورة المذكورة، وجب أن لا يصح التخصيص، وأنه يصح اتفاقًا.

وجوز القفال الشاشي: التخصيص إلى أقل المراتب التي ينطلق عليها ذلك اللفظ المخصوص مراعاة لمدلول الصيغة.

ص: 302

فيجوز عنده في الجمع ما بقي ثلاثة، فإنه الأقل، أي: أقل الجمع عند الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما وهو المختار.

فإن أطلق على الاثنين أو الواحد كان مجازًا، بدليل تفاوت الضمائر، أي: اختلافها لغة، لأن ضمير المفرد غير بارز، وضمير المثنى ألف، وضمير الجمع واو نحو: افعل، وأفعلا، وافعلوا.

فاختلاف الضمير في التثنية والجمع يدل على اختلاف حقيقتهما لغة، كما يدل الاختلاف بين الواحد والجمع.

وأيضًا: فإنه لا يجوز وضع شيء منها مكان الآخر، فلو كان أقل

ص: 303

الجمع اثنين لجاز التعبير عنه (بضمير الجمع) وليس كذلك.

وأيضًا: تفصيل أهل اللغة، فإنهم قالوا: الاسم قد يكون مفردًا، وقد يكون مثنى، وقد يكون مجموعًا، وبين صفتيهما أيضًا، فقالوا: رجلان عاقلان، ورجال عاقلون، فدل على المغايرة. وفيه نظر مبين في الأصل مع دليل صحيح على أن أقل الجمع ثلاثة.

وأقل الجمع حقيقة اثنان عند القاضي أبي بكر الباقلاني، والأستاذ، والغزالي.

ونقله أبو شامة عن مالك رضي الله عنه وقال: إنه

ص: 304

المختار. بدليل قوله تعالى: } وكنا لحكمهم شاهدين {.

فأتى تعالى بضمير الجمع لاثنين، وهما داود وسليمان - عليهما الصلاة والسلام.

فقيل في جوابه: إنه أضاف إلى المعمولين.

يعني أن الحكم مصدر، والمصدر يضاف إلى الفاعل فقط، وإلى المفعول فقط وإليهما معًا.

فالمراد هنا: الحاكم، والمحكوم عليه، فيكون المراد داود وسليمان

ص: 305

(عليهما الصلاة والسلام) والخصمين، كذا في الكشاف.

ونظر فيه لن المصدر إنما يضاف إليهما على البدل لا معًا.

ولما استشعر المصنف ضعفه وضعف ما بعده من الأجوبة، عزاها إلى غيره بصيغة التمريض على خلاف عادته.

وأجيب أيضًا: بأنه يجوز أن يراد سليمان وداود وأتباعهما، لأن الحاكم قد يكون له أتباع يوافقونه في حكمه.

وأجاب بعضهم: بأن الحكم يتضمن الأمر والقصة.

وبدليل قوله تعالى: } فقد صغت قلوبكما {.

ص: 306

والخطاب مع عائشة وحفصة رضي الله عنهما فأطلق: قلوبكما، وأراد قلباكما، فأطلق الجمع على الثنين.

فقيل في جوابه: المراد بالقلوب الميول.

فإن القلب يطلق على اللحم الصنوبري في الجانب الأيسر حقيقة.

ويطلق على ما فيه من الميل مجازًا، فيصير المعنى ميولكما.

وفيه نظر؛ لأن الصغو بمعنى الميل، ولا معنى لميل الميول.

واعلم أن النزاع في نحو رجال، ومسلمين، وضربوا، واضربوا وهم من اللفظ المسمى بالجمع في اللغة.

وأما الجمع نفسه وهو: ضم شيء إلى شيء، فإن ذلك ثابت للاثنين فما زاد بلا خلاف.

ص: 307

وكذا نحو: فعلنا، ونحو: } صغت قلوبكما {فإنه وفاق كذا في المنتهي.

ثم الخلاف في جمع القلة.

فإن أقل جمع الكثرة أحد عشر بإجماع النحاة، كذا قيل.

لكن ذكر الرافعي في فروع الطلاق: أنه لو قال: إن تزوجت النساء، أو اشتريت العبيد فامرأتي طالق، لم يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة، أو اشترى ثلاثة أعبد.

ص: 308

وقد يستعمل في الأقل مجازًا.

فائدة:

جموع القلة خمسة أشياء، أربعة منها من جموع التكسير يجمعها قول الشاعر:

بأفعل وبأفعالٍ وأفعلةٍ *** وفعلةٍ يعرف (الأدني من العدد)

والخامس: جمع السلامة، إذا لم يكن فيه الألف واللام.

وبدليل ما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: "الاثنان فما

ص: 309

فوقهما جماعة" رواه ابن ماجة مرفوعًا، وفيه الربيع بن بدر، وهو متروك ووالده وجده وهما مجهولان، قاله الذهبي.

ورواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب، وله طرق يقوي بعضها بعضًا.

ص: 310

فهو صريح في إطلاق لفظ الجمع عليهما لكونه مستفادًا من الجماعة وبمعناها.

فقيل في جوابه: أراد جواز السفر، يعني كأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السفر وحده فبين أن الاثنين فما فوقهما جماعة في جواز السفر.

لأنه مبعوث لبيان أحكام الشرع لا أحكام اللغة.

وفيه نظر: لجواز السفر منفردًا، غايته الكراهة.

وهذا في غير محل النزاع كما مر.

ص: 311

الرابعة

العام المخصص مجاز وهو المختار ورجحه الصفي الهندي، وابن الحاجب، وعزي لجمهور أصحابنا.

وإلا، أي: لو لم يكن مجازًا لزم الاشتراك، واللازم منتف.

أما الملازمة: فلأنه ثبت للعموم حقيقة من حيث هو عموم كما مر.

وهو لا يصدق على البعض، فلا يكون إطلاقه عليه حقيقة، باعتبار مفهوم واحد مشترك بين الكل والبعض؛ ليكون الاشتراك معنويًا، بل يتعين الاشتراك اللفظي.

ص: 312

وأما بطلان اللازم، فلأن المجاز خير من الاشتراك.

أو نقول: هو خلاف ما فرض، وهو كونه ظاهر في العموم غير مشترك بينه وبين الخصوص.

وفيه نظر مبين في الأصل.

وقال بعض الفقهاء: إنه حقيقة.

قال الشيخ أبو حامد: وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وأصحابه.

وفرق الإمام الرازي تبعًا لأبي الحسين بين المخصص المتصل،

ص: 313

أي بما لا يستقل، فيكون حقيقة، سواء كان صفة أو شرطًا أو استثناء أو علة نحو أكرم الرجال العلماء، أو أكرمهم إن دخلوا، أو أكرمهم إلا زيدًا، أو أكرمهم إلى المساء.

وبين المنفصل أي: ما يستقل من سمع أو عقل، فيكون مجازًا كالنهي عن قتل العبيد بعد الأمر بقتل المشركين.

قال الإمام: لأن العام المقيد بالصفة مثلاً لم يتناول غيرًا أي غير الموصوف، إذ لو تناوله لضاعت فائدة الصفة.

فإذا كان متناولاً له فقط، وقد استعمل فيه فيكون حقيقة. بخلاف العام المخصوص بدليل منفصل، فإن لفظه متناول للمخرج عنه بحسب اللغة مع أنه لم يستعمل فيه فيكون مجازًا وإلا لزم الاشتراك كما تقدم.

والتعبير بالصفة للتمثيل لا للتقييد.

ص: 314

أو يقرر هكذا: لفظ العموم حال انضمام الصفة إليه ليس هو المفيد لذلك البعض المنطوق به.

لأن الرجال وحده من قولنا: الرجال العلماء.

لو أفاد العالمين، لما أفادت الصفة شيئًا.

وإذا لم يكن مفيدًا لذلك البعض استحال أن يقال: إنه مجاز فيه، بل المجموع الحاصل من لفظ العموم.

ولفظ الصفة هو المقيد له، وإفادته له حقيقة.

قلنا: المركب لم يوضع والمفرد متناول.

فالمركب من الموصوف مع الصفة غير موضوع للباقي، فلم يبق إلا المفردات.

والمفرد الذي هو العام متناول في اللغة لكل فرد، وقد استعمل في البعض فيكون مجازًا.

وقيل: هذا يعكر على ما ذكره في مجاز التركيب.

ص: 315

فالأولى أن يجاب بأن كلامنا في العام المخصص (وهو الموصوف وحده لا في المجموع من المخصص والمخصص.

وأيضًا: لو) لم يكن الموصوف ونحوه متناولاً، لم يكن المتصل به مخصصًا؛ لأن التخصيص إخراج بعض ما يتناوله اللفظ.

ولا شك أن هذه الأشياء من المخصصات عنده.

والتحقيق: أن اللفظ متناول بحسب وضع اللغة.

ولكن الصفة قرينة في إخراج البعض فيكون مجازًا.

ص: 316

الخامسة

العام إن خص بمبهم غير معين، كما إذا قال: هذا العام مخصوص، أو هذا العام لم يرد به كل ما يتناوله.

أو اقتلوا المشركين إلا بعضهم.

ومنه قوله تعالى: } أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم {.

فليس بحجة بالاتفاق كما قاله الآمدي.

ص: 317

إنما الكلام في المخصص بمعين (مثل أن يقال: اقتلوا المشركين، ثم يظهر أن الذمي غير مراد. والصحيح) أنه حجة.

ومنعها - أي: منع حجيته - عيسى بن أبان وأبو ثور.

وفصل الكرخي فقال: إن خص بمتصل كان حجة، وإلا فلا.

ص: 318

وهذا التفصيل يعرف بدليله، من المسألة السابقة، فتركه اختصارًا.

لنا: على أن العام المخصص بمعين حجة مطلقًا فيما بقى من الأفراد، أن دلالته على فرد لا تتوقف على دلالته على الآخر لاستحالة الدور.

فلا يلزم من زوالها زوالها.

يعني أن دلالة العام على الأفراد الباقية لا تتوقف على دلالته على البعض المخرج.

فإذا لم تتوقف يكون حجة.

أما أن دلالته على الباقي لا تتوقف على دلالته على الخارج، فلأنه لو توقف دلالته على الباقي على دلالته على الخارج، فلا يخلو إما أن تتوقف دلالته على الخارج على دلالته على الباقي أو لا.

فإن لم تتوقف دلالته على الخارج على دلالته على الباقي، كان ترجيحًا من غير مرجح، وهو تحكم باطل - لأن التقدير أن كلا منهما بعض العام.

ومدلول تضمني له من غير فرق.

ص: 319

ولولا هذا التقدير لجاز أن يتوقف إفادة اللفظ لمعنى على إفادته الآخر من غير عكس، كما في المدلول التضمني والالتزامي بالنسبة على المطابقي.

على أنك إذا تحققت فالتوقف في مثل هذا من الجانبين، وإن توقف لزم الدور، فثبت أن دلالة اللفظ العام على الباقي لا تتوقف على دلالته على المخرج، فلا يلزم من زوال دلالته على الخارج، زوال دلالته على الباقي وفيه نظر وجوابه في الأصل.

والأحسن أن يستدل بعمل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - في

ص: 320

العمومات المخصوصة من غير نكير، وتكرر وشاع فكان إجماعًا.

ص: 321

السادسة

يستدل بالعام ويعمل به في جميع أفراده قبل البحث عنه، هل دخله مخصص أو لا؟

أما في حال حياته صلى الله عليه وسلم فيتمسك به بلا خلاف، قاله الأستاذ.

ص: 322

وأما بعده، فكذلك عند المصنف، تبعًا لصاحب الحاصل ما لم يظهر المخصص.

وابن سريج: أوجب طلبه، أي طلب المخصص أولاً.

فيجب التوقف فيه حتى نبحث عن ذلك، فإن وجد له مخصصًا، وإلا عمل بالعموم، وحكاه الشيخ أبو حامد، وأبو إسحاق عن عامة أصحابنا.

وحكى ابن الحاجب وغيره الإجماع، على أن العمل بالعموم قبل البحث عن المخصص ممتنع، وهو غير مرضي، كما قاله الأبهري،

ص: 323

لمخالفة أبي بكر الصيرفي.

قال: ولعل مراده بما نقل الإجماع عليه، أنه لا يجوز الهجوم على حكم العموم قبل النظر والتأمل فيما يعارضه من الخصوص.

فهذا ينبغي أن يكون مجمعًا عليه، وهكذا كل دليل مع ما يعارضه لا يجوز المبادرة إلى حكمه من غير نظر إلى ما يعارضه، وبهذا يشعر قول المستصفى انتهى.

وقال بعض المتأخرين: حكاية المصنف هذا الخلاف.

سبقه إليه أبو إسحاق الأستاذ، والشيخ.

وهنا زيادات مهمة في الأصل.

وإذا قلنا بوجوب البحث، فقال الجمهور: يكفي فيه أن يغلب على الظن عدمه.

ص: 324

وقال القاضي أبو بكر وطائفة: لا بد من القطع بذلك.

وتمسك المصنف على مختاره بقوله: لنا لو وجب طلب المخصص في التمسك بالعام، لوجب طلب المجاز في التمسك بالحقيقة.

أما الملازمة: فلأن إيجاب طلب المخصص إنما كان للتخرز عن الخطأ، وهذا المعنى بعينه موجود في المجاز، وإليه أشار بقوله:"للتحرز عن الخطأ".

واللازم: وهو طلب المجاز منتف، فإنه لا يجب اتفاقًا.

فكذلك الملزوم وهو طلب المخصص.

وفي دعوى الاتفاق نظر، وبتقدير تسليمه فقد يفرق: بأن (احتمال وجود المخصص أقوى من احتمال وقوع المجاز، فإن أكثر) العمومات مخصوصة.

ص: 325

وقال ابن سريج: عارض دلالته، أي: دلالة العام احتمال وجود المخصص إذ العام يحتمل وجود المخصص وعدمه على السواء، فحمله على العموم ترجيح بلا مرجح.

قلنا: الأصل يدفعه، أي يدفع ذلك الاحتمال؛ لأن الأصل عدم التخصيص.

والتعارض إنما يكون عند انتفاء الرجحان.

ولك أن تقول: الاستقراء دل على أن الغالب في العمومات الخصوص.

والعام المخصوص مجاز، فيدور الأمر بين الحقيقة المرجوحة، والمجاز الراجح، وتقدم للمصنف أنهما شيئان فيلزم التوقف كما قال ابن سريج.

ص: 326