الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: في النواهي
وفيه مسائل:
الأولى:
النهي يقتضي التحريم لقوله تعالى: } وما نهاكم عنه فانتهوا {.
اعلم أن لفظ النهي موضوع: لقول طالب الترك، أو الكف، على
اختلاف فيه.
وترد صيغة النهي: وهي لا تفعل، لمعان: للتحريم، والكراهة، والإرشاد، والدعاء، وبيان العاقبة التقليل والاحتقار، واليأس، والخبر، والتهديد، وإباحة الترك.
والالتماس، وأمثلتها في الشرح الذي هو أصل هذا المختصر.
وهل يشترط العلو والاستغلاء، وإرادة الترك أم لا؟ وله صيغة أم لا؟
وهل هو حقيقة في الطلب وحده، وأن ذلك الطلب الذي هو حقيقة فيه هل هو التحريم أو الكراهة أو كل منهما بالاشتراك أو الوقف.
كما اختلفوا في الأمر؟
فعلى هذا إذا ورد النهي مجردًا عن القرائن مقتضاه التحريم، كما جزم
به المصنف، ونص عليه الشافعي - رضي الله تعالى عنه - للآية التي استدل بها المصنف.
فالانتهاء المأمور به واجب، ففعله يكون حرامًا ولا يعني بالتحريم إلا هذا.
وهو كالأمر في التكرار والفور:
يعني أن حكمه حكم الأمر في أنه لا يدل على التكرار، ولا على الفور، واختاره الإمام.
وصحح الآمدي وابن الحاجب أنه للتكرار والفور.
وفي بعض نسخ المنهاج: إلا في التكرار والفور، فيكون موافقًا لابن الحاجب، وشاملاً لما تقدم.
وبه يشعر قوله فيما تقدم.
قلنا: لأنه يفيد التكرار.
وقال ابن برهان: إنه مجمع عليه.
وفي المحصول: إنه المشهور، وجزم به الشيخ أبو إسحاق.
قال العراقي: ولعل مراد المصنف، يعني بقوله: وهو الأمر، تشبيه النهي بالأمر في وجود الخلاف، لا في الترجيح.
الثانية:
النهي المطلق يدل شرعًا على الفساد في العبادات سوءا نهي عنها لعينها، أو لأمر قارنها، لأن النهي بعينه لا يكون مأمورًا به.
يعني أن الشيء الواحد يستحيل أن يكون مأمورًا به ومنهيًا عنه، وحينئذ لا يكون الآتي بالفعل المنهي عنه آتيًا بالمأمور به، فيبقى الأمر متعلقًا به.
ويكون الذي أتى به غير مجزئ، وهو المراد من دعوى الفساد.
أو يقال: الآتي بالفعل المنهي عنه (لا يكون) آتيا بالمأمور به؛ لأن النهي: يطلب الترك، والأمر يطب الفعل وهو جمع بين النقيضين.
وكون العبادة لها جهتان: إن كانا متفارقين فهما شيئان مفترقان، فليس مما نحن فيه.
أو متلازمين فالمحذور باق.
والنهي يدل شرعًا على الفساد في المعاملات إذا رجع إلى نفس
العقد.
أو رجع النهي إلى أمر داخل فيه أي: في العقد.
أو رجع إلى أمر لازم له أي: للعقد.
مثل للأول بقوله: كبيع الحصاة: فإن النبي صلى الله عليه وسلم: "نهى عنه" كما رواه مسلم.
وهو جعل الإصابة بالحصى بيعًا قائمًا مقام الصيغة، وهو أحد التأويلين في الحديث.
ومثل للثاني بقوله: والملاقيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الملاقيح، كما رواه البزار في مسنده.
وهو: بيع ما في بطون الأمات.
فالنهي راجع إلى نفس المبيع، والمبيع ركن من أركان العقد، والركن داخل في الماهية.
ومثل للثالث بقوله: "والربا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -
نهى عن الربا.
فأما ربا النسيئة، والتفرق قبل التقابض فواضح كون النهي فيه لمعنى خارج.
وأما ربا الفضل فلأن النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين مثلاً إنما هو لأجل الزيادة، وذلك أمر خارج عن نفس العقد؛ لأن المعقود عليه من حيث هو قابل للبيع، وكونه زائدًا أو ناقصًا صفة من أوصافه لكنه لازم، واقتضى الفساد؛ لأن الأولين تمسكوا على فساد الربا بمجرد
النهي من غير نكير وشاع وذاع فكان إجماعًا.
واقتصر على الثالث؛ لأنه بثبوته فيه يثبت في غيره من باب أولى.
وإن رجع النهي إلى أمر خارج مقارن، كالبيع في وقت النداء يوم الجمعة، فإن النهي فيه راجع إلى أمر خارج عن العقد، وهو تفويت صلاة الجمعة لا بخصوص البيع، إذ الأعمال كلها كذلك لتفويت أمر مقارن غير لازم لماهية البيع فلا يدل على الفساد.
وما جزم به المصنف من هذا التفصيل، نقل عن الأكثرين.
وحكاه ابن برهان عن نص الشافعي رضي الله عنه.
وقيل: لا يدل على الفساد مطلقًا، وحكاه الآمدي عن المحققين.
وقول المصنف: "شرعا" إشارة إلى أن النهي إنما يقتضي الفساد من جهة الشرع لا اللغة، وهو تابع في ذلك للآمدي، وابن الحاجب.
لأنه لم يخطر ببال واضع اللغة، فكيف يدل النهي عليه لغة.
وقيل: يدل على الفساد لغة.
وقيل: من حيث المعنى، لا من حيث اللفظ.
وقوله: "النهي" ولم يقيده بشيء، إشارة إلى أن النهي إذا اقترن به ما يدل على الفساد أو الصحة، فلا شك في اعتباره، وليس من محل الخلاف.
وإطلاقه النهي يشمل التحريم والتنزيه ورجحه بعض المتأخرين.
وقال الصفي الهندي: محل الخلاف في نهي التحريم.
وأما التنزيه فلا خلاف فيه، أي: لا يدل على الفساد على ما يشعر به كلامهم، وصرح بذلك بعضهم.
وذكر ابن الصلاح، والنووي: أن الصلاة في الأوقات المكروهة
لا تنعقد، وإن قلنا: إن الكراهة فيها للتنزيه.
الثالثة:
مقتضى النهي فعل الضد، أي: كف النفس عن المنهي عنه، فإذا قال: لا تتحرك فمعناه اسكن؛ لأن متعلق النهي مكلف به، وكل مكلف به مقدور عليه والترك غير مقدور، فلا يكون الترك مقتضى النهي، فيكون مقتضى النهي فعل الضد وهو المطلوب.
وإليه أشار بقوله: لأن العدم غير مقدور.
واعترض السبكي: على هذه العبارة بأن النهي قسيم الأمر، والأمر طلب الفعل، فلو كان النهي طلب فعل الضد، لكان أمرًا ولكان النهي من الأمر.
وقسيم الشيء لا يكون قسمًا منه.
قال: فالعبارة المحررة أن يقال: المطلوب بالنهي.
الانتهاء، ويلزم من الانتهاء فعل ضد المنهي عنه.
قال العراقي: والفرق بين هذه المسألة ومسألة النهي عن الشيء أمر بضده.
أن البحث في تلك لفظي، وفي هذه معنوي.
وأن البحث في تلك في المتعلقات - بكسر اللام - وفي هذه - بفتح اللام.
وأن البحث في تلك في دلالة الالتزام، على ضد المنهي عنه، وفي هذه (في) دلالة المطابقة هل مدلولها العدم أو ضده، ذكرهما القرافي، وهما حسنان.
وأن المراد هناك الضد الخاص، وهنا العام.
وأن النهي عن الزنا مثلاً فيه ثلاثة أمور:
انتفاء الزنا، والكف عنه، وفعل الضد.
والكلام هنا في الأمرين الأولين، وهناك في الأمر الثالث.
وقال أبو هاشم: المطلوب بالنهي ترك الفعل؛ لأن من دعي إلى زنا فلم يفعل مدح عقلا، على أنه لم يزن، من غير أن يخطر
ببالهم فعل ضد الزنا.
قلنا: المدح على الكف، وهو فعل الضد، وليس المدح على الترك؛ لأنه عدم ولا مدح على العدم؛ لأنه ليس في وسعه.
الرابعة:
النهي إما أن يكون عن شيء واحد وهو ظاهر.
وإما أن يكون عن أشياء.
والنهي عن الأشياء.
إما عن الجمع (بينهما، كنكاح الأختين فإن كل واحد مباح، والجمع بينهما منهي عنه حرام.
أو عن الجميع) أي: كل واحد منهي عنه، كالربا والسرقة.
* * *