الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: مراحل تطور كتابة السيرة النبوية
المبحث الأول: مرحلة الجمع الأولي (الرواد)
…
المبحث الأول: مرحلة الجمع الأولي (الرواد) :
علم السيرة "سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم" كتب فيه العلماء من محدِّثين ومفسرين وفقهاء، وكتب فيه الأدباء والشعراء، وتنوعت هذه الكتابات كثيراً، كما أنها تأثرت بالبيئات التي نشأت فيها سواء كان هذا التأثر حسناً، أو تأثراً استسلمت فيه الكتابة للعاطفة الجياشة، فقادته مع تفلت من كثير من الضوابط العقدية والعلمية، وهذا يلاحظ كثيراً في القصائد والمدائح النبوية
…
وهذان القرنان الثامن والتاسع كان فيهما من كلا الأمرين الإيجابي وهو الكثير، والآخر وهو السلبي إلى حدٍ ما.
وكتابة السيرة مرّ بمراحل تعد سلسلة من الحلقات المتواصلة المتداخلة يؤثر السابق في اللاحق، كما أن الحالي يؤثر في المستقبل
…
ففي القرنين الأول والثاني الهجريين ظهر ما عرف بالمغازي التي كانت تُعنى بمغازي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم توسعت لتشمل جميع حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى يتبين من محتويات هذه المصنفات التي فقد معظمها ووجدت روايات كثيرة منها في المصنفات اللاحقة.
ومن هؤلاء الأوائل الذين اهتموا بتدوين بعض أحداث السيرة:
عروة بن الزبير (ت94هـ) ، أبان بن عثمان بن عفان (ت101هـ) ، عامر بن شراحيل الشعبي (ت103هـ) ، عاصم بن عمر بن قتادة (ت119هـ) ، شرحبيل بن سعد (ت123هـ) ، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (ت124هـ) ، عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم (ت135هـ) ، موسى بن عقبة (ت140هـ) ، سليمان بن طرخان (ت143هـ) صاحب "السيرة الصحيحة " لعله أقدم ما وصل إلينا فيها، وقد نشرها المستشرق
فون كريمر في نهاية مغازي الواقدي في الهند (1) . محمد بن إسحاق (ت151هـ) .
وكتابه من أشهر ما صنف في السيرة فهو إمام فيها ((وجعل كتابه علماً يهتدى به، وفخراً يستجلى به والناس كلهم عيال عليه في ذلك)) وقد هذَّبه ابن هشام، حتى أصبح الكتاب مقترناً باسمه، وكان أميناً في عمله (2) .
ورواية ابن هشام لسيرة ابن إسحاق التي هذبها، من طريق زياد البكائي، وقد روى سيرة ابن إسحاق اثنان غيره وهما: يونس بن بكير، وسلمة بن الفضل، وقد اشتهر الأول منهما، وسيرة ابن إسحاق التي حققها ونشرها محمد حميد الله من طريق يونس بن بكير، وتنتهي في غزوة أحد.
وأما الراوي الآخر سلمة بن الفضل، فقد حفظ لنا الطبري جزءاً كبيراً منها في تاريخه (3) .
وقد اعتمد الحافظ ابن كثير في السيرة على مرويات يونس بن بكير لسيرة ابن إسحاق في (108) موضع واسطته فيها البيهقي في كتابه الجليل "دلائل النبوة " هذا مع اعتماده الأساسي على سيرة ابن هشام (4) .
معمر بن راشد (ت153هـ) ، يحيى بن سعيد الأموي (194هـ) ، محمد ابن عمر الواقدي (207هـ) .
(1) يوسف هورفيتس: المغازي الأولى ومؤلفوها، مقدمة المترجم: حسين نصار، وانظر عدداً من الدراسات التي تناولت بدايات التأليف في السيرة في المجتمع المدني في عهد النبوة، لأستاذنا أكرم العمري ص 40 وما بعدها.
(2)
انظر السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق، للدكتور سليمان العودة ص52 وما بعدها.
(3)
انظر السيرة النبوية في الصحيحين وعند ابن إسحاق للعودة ص64.
(4)
انظر أطروحة الدكتور شمس الله محمد صديق (منهج ابن كثير وموارده من البداية والنهاية) ص374.
وتتجه هذه المصادر إلى جمع الروايات في السيرة، مسندة، من دون تعليق غالباً. وهذه كانت مرحلة مهمة جمعتْ المادة العلمية الأولى وحفظتها، واستفاد منها من جاء بعد هؤلاء.
ولأهمية مصنفات هذه الفترة فقد اتجهت بعض الدراسات المعاصرة إلى جمع روايات هؤلاء الرواد، ممن فقدت مصنفاتهم في عصرنا، فجُمعت كل من مغازي عروة، الذي قال عنه الواقدي:" وهو أول من صنف في المغازي"(1) جمعها محمد مصطفى الأعظمي، باسم " مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم لعروة بن الزبير " من طريق يتيم هو طريق عروة: أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي القرشي. (2) وجمعها على نحو أفضل عادل عبد الغفور في رسالته لنيل درجة الدكتوراه في الجامعة الإسلامية.
"ومغازي الزهري"، جمعها ونشرها سهيل زكار، وجمعها كذلك على نحو أفضل محمد العواجي (3) ، " ومغازي موسى بن عقبة"، التي قال عنها الإمام مالك ".. أصح المغازي"وقال عنها الذهبي:".. وأما مغازي موسى ابن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناه، وغالبها صحيح، ومرسل جيد، لكنها مختصرة، تحتاج إلى زيادة وبيان وتتمة.. "(4) وقد جمعها باقشيش محمد (5) ، وغير ذلك من المصنفات الأوّليّة المهمة النافعة.
(1) ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 9/113.
(2)
انظر مغازي عروة، جمع الأعظمي، نشره مكتب التربية العربي لدول الخليج.
(3)
كانت أطروحته في الدكتوراه، بعنوان: مرويات الإمام الزهري في المغازي النبوية، جمع ودراسة. الجامعة الإسلامية، 1418?.
(4)
سير أعلام النبلاء 6/116.
(5)
كانت رسالته في الماجستير بعنوان: مغازي موسى بن عقبة، جمع ودراسة، الجامعة الإسلامية قسم السنة (1406هـ 1986م) .
وهذه المصادر الأساسية أغلبها في حكم المفقود حالياً، واعتمد عليها العلماء في القرنين الثامن والتاسع مباشرة وصرحوا بالنقل منها، وكانت جزءاً من مواردهم كما سيأتي.