الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة:
النقاط المهمة والفوائد التي خرجت بها من هذا البحث متنوعة وجيدة، وكذلك بعض الملحوظات على بعض الفهارس للمكتبات؛ فمن الملحوظات على بعض المعاجم والفهارس:
لاحظت أن الكتاب الواحد (المخطوط) قد يسمى بعدة أسماء، وقد يُظن أنه لعدد من المصنفين -إذا لم يوجد اسم المؤلف- أو أنه عدة كتب للمصنف.
وقد صنّف صلاح الدين المنجد في كتابه القيّم الذي لا يستغنى عنه في هذا الباب "معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". كتاباً واحداً له عناوين مختلفة، على عدة أقسام من كتابه بناءً على تعدد أسمائه. وقد تكرر هذا في كتابه بشكل ملحوظ. وهذا لا شك أنه يرجع إلى فهارس المكتبات
بعض المكتبات العريقة بمخطوطاتها في المدينة المنورة خاصة؛ خدمة فهارسها غير مكتملة، فتهمل الإشارة إلى تاريخ وفاة المصنف، في حين تهتم باسم الناسخ وتاريخ وفاته
…
قد يقع الخطأ من صانعي فهارس المخطوطات، في نسبة كتاب إلى غير مصنفه اجتهادا من المفهرس، أو القول بأنه لمؤلف مجهول، ومن الطرق التي تبيّن لي بها هذا الخطأ، وجود نسخة أخرى في مكان آخر تحمل اسم المصنف.
أما الفوائد التي خرج بها هذا البحث فلعل من أبرزها:
أن من المصنفين على طريقة النظم، غالباً ما يشرح نظمه في مؤلف آخر وقد يُنسخ شرحه في حاشية النظم.
من ميزات المؤلفات الموسوعية، التي ظهرت في هذه الفترة، كإمتاع الأسماع للمقريزي (ت845هـ) على سبيل المثال؛ كثرة النقل من المؤلفات السابقة، وقد يصل إلى صفحات كثيرة من كتاب واحد؛ بل قد وصل الحال ـ وهذا يعد في الوقت نفسه منقبة ـ إلى أنه (حفظ مواد بعض الكتب التي هي في حكم المفقود بالنسبة لنا، مثل سيرة ابن إسحاق، ودلائل أبي نعيم، ودلائل أبي ذر الهروي، ومسند بقي بن مخلد، وكتاب قاسم بن أصبغ
…
وكتاب ابن عائذ) (1) .
ويذكر الحافظ ابن حجر عن كتاب الأبشيطي شهاب الدين الواعظ (ت835هـ) في السيرة قوله: ولهج بالسيرة النبوية، فكتب فيها كثيراً إلى أن شرع في جمع كتاب حافل في ذلك، وكتب منه نحواً من ثلاثين سفراً، يحتوي على سيرة ابن إسحاق وما وُضع عليها من كلام السهيلي وغيره، وعلى ما احتوت عليه المغازي للواقدي، وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد ابن كثير، وغير ذلك، وعني بضبط الألفاظ الواقعة فيها (2) .
وقد تنوع اهتمام المصنفات في السيرة في هذه الفترة، فمنها المصنفات التي يغلب عليها الفوائد اللغوية، من ضبط الألفاظ وشرح الغريب
…
ونحو ذلك، ومنها ما يغلب عليها الصنعة الحديثية، ومنها ما يغلب عليه الاستنباطات الفقهية
…
ومنها إعادة صياغة المُصَنَّف نظماً
…
وكان لبعض المصنفات قبولاً عند العلماء لجودتها وإتقانها وكثرة الفوائد التي تحويها، أو لكونها مصادر أصلية. فقام بعض المعاصرين للمؤلف أو
(1) علي المزيني، في مقدمة تحقيقه لقسم من إمتاع الأسماع ص180.
(2)
المجمع المؤسس 3/24.
اللاحقين بخدمة كتابه، شرحاً أو اختصاراً أو انتقاءً أو تحريراً. ومعروف ما حصل من خدمات جليلة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن إسحاق من قبل ابن هشام، حتى أصبحت تنسب إليه، ثم جاء السهيلي (ت581هـ) فكتب عليه (الروض الأنف) .
وفي فترة الدراسة، جاء مغلطاي (ت762هـ) فكتب عليهما أي على (سيرة ابن هشام)(والروض) كتابه الكبير (الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم) . حتى إن بروكلمان وصفه؛ بحاشية جدلية على الروض.
وقام الحافظ ابن حجر (ت852هـ) بتخريج الأحاديث المنقطعات فيها، أي في (سيرة ابن هشام) . واختصر (الروض الأنف) الحافظ الذهبي (ت748هـ) في كتابه (منتقى الروض) أو (بلبل الروض) قال سبط ابن حجر: بلبل الروض، اختصره من كتاب "الروض الأنف في تفسير ما اشتمل عليه حديث السيرة النبوية لابن هشام"لنفاسة كتاب الروض وجودته. واختصره عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة (ت819هـ) في كتابه (نور الروض) ، وعليه حاشية لقاضي القضاة يحيى المناوي (ت871هـ) واختصره كذلك التقي يحيى الكرماني في كتابه (زهر الروض) .
وشرح قطعة كبيرة منها البدر العيني (ت855هـ) .
ومختصر السيرة لعبد الغني المقدسي، شرحها القطب الحلبي عبد الكريم بن عبد النور (ت735هـ) فأجاد وأفاد واسم شرحه (المورد الهني)(1) .
ومن المصنفات القيمة التي صُنِفت في القرن الثامن ولقيت اهتماماً سيرة ابن سيد الناس (ت734هـ) وهي (عيون الأثر في فنون الشمائل والسير)
(1) السخاوي: الذيل على رفع الإصر ص217 رقم (126) والجواهر والدرر ص727.
وتسمى كذلك (السيرة الكبرى) واختصره في كتابه (نور العيون) وهي (السيرة الصغرى) ومازالت خطية، والمصنف على درجة عالية في الأدب أثنى عليه الكثير، وهو محدث له شرح لجامع الترمذي.
ومن المصنفات التي خدمت هذا الكتاب (التعليق على السيرة) لسبط ابن العجمي أحمد بن إبراهيم (ت818هـ) وهو (النبراس على ـ في شرح ـ سيرة ابن سيد الناس) وقد قرأها الحافظ ابن حجر بخط المصنف (1) ونسخته موجودة في المدينة النبوية. وشرحها كذلك عز الدين محمد بن أبي بكر بن جماعة (ت819هـ) ونسختها في القدس الشريف.
ولسبط ابن العجمي أبي الوفا (ت841هـ)(نور النبراس في شرح سيرة ابن سيد الناس) ونسخته موجودة في المدينة المنورة.
واختصرها المحلّي محمد بن عبد اللطيف (ت872هـ) ونسختها في إستانبول. وصاغها نظماً ابن الشهيد في كتابه (الفتح القريب في سيرة الحبيب) الذي مازال مخطوطاً، كذلك نظمها من أهل هذه الفترة؛ شمس الدين محمد بن زين بن محمد الطنتدائي (ابن الزين)(ت845هـ)(2) .
ومن المصنفات القيمة التي خُدمت، كتاب (الزهر الباسم في سيرة أبي القاسم) للحافظ علاء الدين مغلطاي بن قليج (ت762هـ) في القرن الثامن. والكتاب في الأصل خَدَم كتاب (الروض الأنف) ، والمصنف عالم في الحديث والرجال واللغة وغيرها، فوظف هذه القدرات في خدمة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اختصر (الزهر) الذي ما زال مخطوطاً في (الإشارة إلى سيرة
(1) المجمع المؤسس 3/12.
(2)
المرجع السابق 2/743.
المصطفى) مطبوع، وله (تلخيص سيرة المصطفى) مخطوط في الرباط، وله (الخصائص) ، و (الشمائل) مخطوطان.
وقد شرح سيرة مغلطاي، محمد بن أحمد العيني (ت855هـ) وصاغها نظماً بعنوان (منحة اللبيب في سيرة الحبيب) شمس الدين محمد الباعوني الدمشقي (ت871هـ) وهي مخطوط في دار الكتب بالقاهرة.
وممن اهتم بالتصنيف في السيرة النبوية، وهم من بيت واحد ابن جماعة؛ بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة (ت733هـ) له المختصر الكبير، والمختصر الصغير. وابن جماعة عز الدين عبد العزيز بن محمد (ت767هـ) له مختصر. وابن جماعة عز الدين محمد بن أبي بكر (ت819هـ) وقد سبق ذكر شرحه لسيرة ابن سيد الناس، وله اختصار للروض الأنف، باسم (نور الروض) ونسخته في التيمورية. وجميع مصنفات بيت ابن جماعة في السيرة موجودة في خزائن المخطوطات ولله الحمد.
وممن له عدد من المصنفات في السيرة ابن ناصر الدين الدمشقي (ت842هـ) العالم المتبحر في الحديث ورجاله والتفسير والقراءات والفقه واللغة وغيرها، له من المخطوط الموجود إلى الآن (جامع الآثار) ، وهو من المصنفات الكبيرة، وله مصنفات في المولد، وعمله في مولده جمع الروايات ونقدها وهي تتجاوز هذه الفترة الزمنية من السيرة العطرة، كما يتضح من تصفح المخطوط، وله مخطوطات في الوفاة، ومجلس في ختم السيرة. والروض الندي في الحوض المحمدي.
هذه أمثلة لكوكبة من العلماء، وفي البحث فوائد أخرى من مصنفات قيمة لعلماء لهم منزلتهم التي لا تخفى على أحد، آمل أن يتسنى لها من
يخرجها إلى النور وينشرها بين الناس لتعم الفائدة وتنسد الفجوة العلمية والحضارية بين طلاب العلم في عصرنا وعلماء تلك الفترة الزمنية المشرقة علمياً. فحقيقة لا أبالغ إن قلت إن أكثر من 90% من مصنفات السيرة في تلك الفترة ما زالت خطية!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه