الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: صياغة السيرة نظماً:
ثم ظهر أسلوب جديد في التصنيف وهو نظم السيرة في قصائد وأبيات عرفت بالمنظومات وأحياناً الأرجوزات، وهذه تراعي السياق التاريخي لأحداث السيرة، وتدخل ضمن المصنفات العلمية، وقد يصل عدد أبيات المنظومة إلى ألف بيت عرفت بالألفيات، وبعضها يزيد على أضعاف فيصل إلى خمسين ألف بيت، وبعضها نظم المصنفات المشهورة مثل سيرة ابن إسحاق والسيرة الهشامية، والروض، وسيرة مغلطاي: الزهر الباسم.
ونظم آخر لاينطبق عليه ما تقدم، وإنما تفرضه مناسبة ما أو حدث، تغلب عليه الناحية العاطفية والانفعالية للشاعر.
ولعل من أقدم السير المنظومة، السيرة لأبي العباس الناشي، الشاعر العباسي، المتوفى عام (293هـ) إلا أنها سيرة شعرية (1) .
واشتهرت السيرة الشقراطسية للشقراطسي (ت466هـ) وهي سيرة منظومة بقافية اللام.
أما المديح والقصائد التي لا تتقيد بتسلسل تاريخي وإنما تفرضه طبيعة الحدث فجذوره تتغلغل في عصر النبوة، ومن أشهر هذه القصائد التي تركت آثارها الواضحة في العصور اللاحقة وبخاصة العصر المعني بالدراسة، قصيدة الصحابي الجليل كعب بن زهير رضي الله عنه (ت26هـ) بانت سعاد، التي يقول فيها:
إنّ الرَّسول لَنُورٌ يُسْتَضاءُ بهِ
…
وَصارِمٌ منْ سُيوفِ اللهِ مسلولُ
وكافأه رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردته الشريفة.
(1) محمد يسف: المصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها 1/192.
ثم جاءت قصيدة أخرى سُميت بالبردة (المنامية) ونالت شهرة واسعة، للبوصيري (ت696هـ) وتركت كذلك آثاراً كبيرة ليس في القرنين الثامن والتاسع، بل امتدت إلى هذا العصر، وطبعت طبعات كثيرة في مختلف أرجاء العالم. ونسخها الخطية أكثر من أن تحصى (1) .
أما التصنيف في المولد النبوي، فذكر محمد يسف أنه بدأ على يد الحافظ أبي زكريا يحيى بن مالك الطرطوشي في القرن الرابع الهجري (2) .
ولعله صحيح إن أراد المصنّفين في السيرة من المغاربة، لأنه قد نُسب للواقدي المدني البغدادي (ت207هـ) كتابٌ في المولد (3) .
وصنف ابن أبي عاصم الشيباني (ت287هـ) كتاباً في المولد، ذكره الذهبي (4) .
وكان للتصنيف فيه في القرنين الثامن والتاسع النصيب الوافر.
كذلك ظهر ما عُرف بفقه السيرة، ومن أحسن من كتب فيه، الإمام ابن القيم في كتابه القيم "زاد المعاد في هدي خير العباد". وهو أحد أبناء القرن الثامن (ت751هـ) ، وكتابه أشمل من ذلك. وإن كان السهيلي المتقدم (ت581هـ) أورد الكثير من الفوائد الفقهية في كتابه (الروض الأُنف) .
لذلك لقي كتابه اهتماماً تمثل في التعليق عليه والشرح، مثل ما فعل مغلطاي (ت762هـ) في كتابه "الزهر الباسم"، أو الانتقاء منه والاختصار كما فعل الذهبي (ت748هـ) في كتابه منتقى الروض، على سبيل المثال.
(1) انظر في مظانها: فهرس موسوعة آل البيت، السيرة 1/161 – 190 (428) – (569) .
(2)
المصنفات المغربية في السيرة النبوية 1/11.
(3)
خ الظاهرية 74، 75 ـ برلين 9524 (معجم ما ألف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ص31.
(4)
سير أعلام النبلاء 19/327.
والاستنباطات والفوائد الفقهية المقتنصة "من السيرة" مبثوثة في كتب شروح السنة والفقه والآثار والمصنفات.
وقد شارك المؤلفون في هذين القرنين، في كل ما تقدم ماعدا الجمع الأولي، الذي كان في المرحلة الأولى.
ومن الكتب التي تلقي الضوء على تطور العلوم والفنون وتكشف في الوقت نفسه اهتمامات كل عصر؛ كتب الأثبات والمشيخات والبرامج؛ مثل برنامج ابن جابر الوادي آشي، وثَبَت ابن عطية، وفهرست ابن خير، وكتابي ابن حجر القيمين: المجمع المؤسس، والمعجم المفهرس.
أما التي تحصر المصنفات، مثل الفهرست لابن النديم ونحوه، فتفيد في الدرجة الأولى في الناحية الإحصائية والكمية.