الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حوار بين الدكتور عبد المنعم النمر
وبين الشيعي محمد علي تسخيري يكشف حقيقة التقريب
ذكر الدكتور عبد المنعم النمر ـ عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ووزير الأوقاف المصرية سابقًا ـ رحمه الله ـ في مقدمة الطبعة الرابعة لكتابه: (الشيعة. المهدي. الدروز. تاريخ .. ووثائق .. ) ـ الحوار الذي دار بينه وبين الشيخ الشيعي محمد علي تسخيري داعية التقريب بين السنة والشيعة فانكشفت حقيقة التقريب.
قال رحمه الله: «باسم الله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين. وبعد:
فقد رأيتُ ـ أخي ـ أن أجعل مقدمة هذه الطبعة الرابعة، حديثًا جرى بيني وبين سماحة الأخ الشيخ محمد علي تسخيري، أحد علماء إيران الذي ينوب أحيانًا كثيرة عن حكومته في المؤتمرات والندوات الإسلامية، وهو رجل وسيم فصيح ولبق، إذا تحدث باللغة العربية كان كأحد أبنائها، ويظهر أنه تلقى تعليمه وقضى شطرًا كبيرًا من شبابه في رحاب المدن المقدسة الشيعية في العراق.
كان هذا اللقاء في «مسقط» عاصمة سلطنة عمان، وفي رحاب جامعة السلطان قابوس الحديثة والفخمة المتسعة في مبانيها، والتي
تقع على بعد نحو 40 كيلو مترًا من العاصمة «مسقط» حيث عقدت (ندوة الفقه الإسلامي) التي دعت السلطنة لعقدها في المدة من (السبت 22 شعبان - 9 أبريل إلى الأربعاء 26 شعبان سنة 1408 - 13 أبريل سنة 1988م)، وحضرها كثير من كبار العلماء والمشتغلين بالفقه الإسلامي، والحركة الإسلامية وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
التقيت بالشيخ محمد علي تسخيري في أول جلسة، وتبادلنا التحية، والمصافحة، وذكَّرني بأن أول لقاء كان في أحد الملتقيات الفكرية في مدينة قسنطينة بالجزائر في أوائل الثمانينات.
وفي اليوم الثاني خرجنا سويًا من الجلسة للاستراحة، ودار بيننا حديث بدأه هو حين قال لي:«لقد ظَلَمْتَنَا كثيرًا فيما كتَبْتَه عنا» .
قلت له: «نعم ذكرتُ ذلك، معتمدًا على ما جاء في كتبكم، وذكرت هذه الكتب، وعلى رأسها كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) الذي ألفه عالمكم الكبير «الشيخ حسين النوري الطبرسي» في آخر القرن الثالث عشر الهجري، وطبع في إيران (سنة 1298هـ)، ونقلتُ بعض ما جاء في هذا الكتاب بالنص، فكيف أكون قد ظلمْتُكم وأنا لم أذكر كلمة في ذلك إلا من نَصّ كتبكم، وما قرره علماؤكم، وقد أحطتم مؤلف كتاب (فصل الخطاب) هذا بكل تكريم عند وفاته (سنة1320هـ)، حيث دفن في مشهد الإمام المرتضوي بالنجف أشرف البقاع عندكم».
قال: «هذا الكتاب لا يساوي شيئًا، وأنا أضعه تحت قدمي» .
(وضرب الأرض بقدمه) وهو منفعل.
قلت له: «ولماذا تُبْقُون عليه مُعتبرًا عندكم، إذا كان الأمر كذلك؟ لماذا لم تعلنوا أنكم لا تُقِرُّون ما جاء في هذا الكتاب، وتنشروا هذا على نطاق واسع، حتى أعلم أنا وغيري أن هذا الكتاب لا يعبر عن رأيكم ولا رأي المذهب والمتمذهبين به؟
وهل صدر قرار أو بيان على الأقل من المرجع الأعلى للشيعة وهو الآن «آية الله الخميني» بعدم صحة ما جاء في كتبكم وعلى رأسها كتاب الطبرسي هذا، من اتهامكم للصحابة الذين جمعوا
القرآن بأنهم حرفوه؟ وذلك حتى تقوموا بحذف هذه الاتهامات من هذه الكتب عند إعادة طبعها، أتعجزون عن هذا؟
لم يحصل منكم شيء من ذلك، وأنا أعرف أن بعض علمائكم يتبرءون في مجالسهم من ادعاء تحريف القرآن، لكن الصوت العالي والرواج هو للرأي الذي يدعي أن الصحابة حرفوا القرآن، فلماذا لم تصدروا بيانًا للشعب الذي يتعلم من هذه الكتب، باستنكاركم لهذا الاتهام؟».
قال لي: «وقد تحدثْتَ أيضًا عن قولنا بأن هناك مصحفًا يقال له «مصحف فاطمة» ، ونحن لا نقول بهذا».
وكان أول علمي بهذا اطلاعي على خطبة للخميني أذاعتها إذاعة طهران قال فيها حين كان يخطب في اجتماع للسيدات بمناسبة الاحتفال بذكرى مولد السيدة فاطمة عليها السلام: «إنني أجد نفسي عاجزًا عن الحديث عن السيدة فاطمة، ولكني أكتفي برواية مدعمة بالأدلة ذكرها كتاب «الكافي»
…
وذكر للسيدات هذه الرواية.
وكتاب «الكافي» للإمام الكليني عندكم هو البخاري عندنا، وقد اضطرني هذا إلى أن أذهب للنجف في زيارة أحد علمائكم الكبار، واستطعت أن أطلع في مكتبته على ما ذكره من هذا الكتاب (الكافي) وهو مطبوع في إيران.
وقد أثبتّ في كتابي الجزء والباب الذي ذكر نزول الوحي على فاطمة، ومصحفها بكل صراحة. فهل أكون متجَنّيًا عليكم وظالمًا لكم حين أستقي معلوماتي من أوثق المصادر عندكم؟ وأنقلها بالنص من كتبكم؟».
قال لي: «هذه الكتب لا قيمة لها، ولا يوثق بها» .
قال: «إن عندكم كتبًا في التفسير فيها كثير من الإسرائيليات فهل معنى ذلك أنكم تقرونها؟» .
قلت: «صحيح أن هناك إسرائيليات وأحاديث غير صحيحة، ولكن كان بعض المفسرين ينبهون إليها، ويقررون كذبها، ونحن الآن نحاربها ونؤلف الكتب في بيانها والتحذير من تصديقها، وقام بعض علمائنا بتهذيب هذه الكتب وإبعاد ما جاء فيها من إسرائيليات، وأحاديث موضوعة وغير صحيحة
…
بينما نراكم تعنون بتجديد طباعة كتب تقولون عنها الآن إنها لا قيمة لها، بل وتترجمونها وتطبعون الترجمة على أوسع نطاق!! فأيهما نصدق؟ الكلام الذي ينقصه الدليل ولو ضعيفًا أو الواقع وهو أقوى دليل؟».
وكان بعض الحاضرين قد تجمعوا حولنا، واندس أحد الصحفيين بمسجله الذي كان يحمله فسجل ما دار أو بعضه، ولعله مندوب إحدى المجلات الإسلامية، وأبحث الآن للعثور عليه، وعلى نسخة مما سجله
…
وظن بعض الأخوة العمانيين أننا مشتبكون، وأن الأمر ربما يكبر، فأخبر أخانا الفاضل مفتي عُمان، ورئيس الندوة، مع أنني كنت أتكلم وأنا أبتسم، وشديد المراعاة للظروف. لكن هكذا ظنوا، وجاء المفتي الشيخ أحمد الخليلي، فوجد أن حديثنا قد انتهى، وأخذت سماحة الشيخ تسخيري متأبطًا ذراعه إلى حيث نلتمس شيئًا من المرطبات أو الشاي والحلويات، لنستأنف الجلسة بعد هذه الاستراحة بنشاط.
وثاني يوم في الجلسة الصباحية أخبرني أحد الأخوة من العلماء أن سماحة الشيخ قد أصابته حالة مفاجئة في القلب ونقل على أثرها لمستشفى السلطان في جناح خاص، فأسفْتُ أن أكون قد تسببتُ فيما حصل له، وسارعْتُ إلى زيارته في المستشفى حيث وجدتُه جالسًا على سريره وقد أفاق، فطمأنني إلى أن ما أصابه كان بسبب قرحة في الاثني عشر اشتدت عليه، وأخذ الدواء المناسب لها، وحضر ـ ونحن نتحدث ـ وزير خارجية إيران «سعادة علي أكبر ولايتي» يزور الشيخ فقام بتعريفنا بعضنا لبعض، وجلست قليلًا .. ثم استأذنت لأخلي لهما الجو.
وثاني يوم رغب أخي الدكتور محمد الأحمدي أبو النور في زيارته فذهبنا سويًّا، ووجدنا حجرته خالية من الزوار، ورغب في استئناف الحديث .. فقلت له:«موضوع الحرم، كيف تفعلون فيه هذا الذي لم يقبله أحد من المسلمين؟» .
قال: «إن الإمام الخميني يحتاج إلى فتوى شرعية من علماء المسلمين وهو يستجيب لها فورًا» .
قلت له: «وهل موضوع أمن الحرم في حاجة إلى فتوى منا بعد النصوص الصريحة التي تؤكد ضرورة الأمن في الحرم. هل بعد قوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} (آل عمران:97)، وبعد أن أمَّنَ الله
كل ما في الحرم حتى الطير والشجر، وحرّم مجرد الجدال فيه، هل بعد هذا نحتاج إلى فتوى من أحد؟
وهل جَلْبُ المتفجرات مع حجاج إيران، وتسيير المظاهرات تهتف باسم خميني، تسد الشوارع، وتؤذي المارة فيها، وتتجه إلى دخول الحرم، وهو مزدحم غاية الازدحام، وهي تضم عشرات الآلاف من المتحمسين الثائرين، ونتيجة هذا كله معلومة، هل يتفق هذا مع الأمن الذي طلب الله منا أن نوفره للحرم؟».
وتسرب الحديث سريعًا إلى الحرب ورفْض السلام، فذكر لنا بعض الاقتراحات الحلوة، ووعد بأن يخرج مساء اليوم، ونلتقي، وتعقد بعض الجلسات، والذي نتفق عليه يقوم بتبليغه للمسئولين هو في إيران، ونحن رأسًا إلى الرئيس صدام، وأظهرت له استعدادي لأن أحضر إلى إيران
…
وقلت: من يدري؟ وفي أمثالنا مَثَلٌ يقول: «يوضع سره في أضعف خلقه» لعل الله ينفخ في صورتنا وفي سعينا فيسوق الخير على أيدينا لأمتنا، وتحمس معي أخي الدكتور الأحمدي وقال له:«والله إننا مستعدون لأي جهد، ولأية تضحية، وتعال نجتمع الليلة، لعل الله يجعل من بعد عسر يسرًا» .
اتفقنا على هذا، وخرجنا والأمل يداعبنا، ويلاعب أفكارنا، ويسرح بنا الخيال ويرسم لنا الصور الجميلة التي نحبها، برغم
بعض الظنون التي كانت تساورنا. ولكن مر الوقت، وانتهت جلسات الندوة، وخرجنا من آخر جلسة، فرأيته سائرًا أمامي على بعد قليل، وعرفت أنه كان جالسًا خلفي مباشرة. ولم أشعر به
…
ولم يتحدث معي حتى ليشكرني على زيارتي له مرتين وهو بالمستشفى!!
أخي
…
حرصت على ذِكْر هذه الوقائع لك لتزداد معرفة بالكتاب الذي بين يديك، ولنعرف جميعًا طبائع وسلوك هؤلاء الذين نتعامل معهم، نحن المسلمين العرب على الأقل. والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.