الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دور الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله
في بيان حقيقة دين الشيعة
(1)
* قال الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله عن أثر الفلسفة القديمة في المذهب الشيعي:
«لا شك أن الشيعة في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلَى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن مع ذلك اشتملت آراؤها علَى أفكار فلسفية أرجعها علماء العراق والغرب إلَى مصادرها من المذاهب الفلسفية والدينية السابقة علَى الإسلام، والحضارة الفارسية التي انتهت بظهور الإسلام.
وقرر بعض العلماء الأوروبيين أن الشيعة أخذت من اليهودية أكثر مما أخذت من الفارسية
…
وفي الحق، أنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح. ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس إلَى الآن من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس.
وأما اليهودية فإذا كانت توافق بعض آرائهم، فلأن الفلسفة
(1) باختصار من كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية ص 32 - 36، 46 - 52).
الشيعية اقتبست من نواح مختلفة، وكان المنْزَع فارسيًا في جملته وإن استندوا إلَى أقوال إسلامية».
* وقال رحمه الله عن منزلة الإمام عند «الشيعة» :
«يقر الإمامية ـ بالنسبة لسلطان الإمام في التشريع والتقنين ـ أن الإمام له السلطان الكامل في التقنين وكل ما يقوله من الشرع، ولا يمكن أن يكون منه ما يخالف الشرع.
ويقول في ذلك العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف العطاء: «يعتقد الإمامية أن لله تعالَى في كل واقعة حكمًا، وما من عمل من أعمال المكلفين إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة: الوجوب، والحرمة، والكراهية، والندب، والإباحة، وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء، وعرفها النبي بالوحي من الله، أو بالإلهام، وبين كثيرًا منها، وبالأخص لأصحابه الحافين به، الطائفين كل يوم بعرش حضوره ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة:143).
وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل البواعث لقيامها، وإن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة، ولكنه - سلام
الله عليه، أودعها عند أوصيائه، كل وصي يعهد بها إلَى الآخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة من عام مخصص أو مطلق مقيد، أو مجمل مبين، إلَى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي لفظًا عامًا ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته وربما لا يذكره أصلًا، بل يودعه عند وصيه إلَى وقته» (1).
ويستفاد من هذا الكلام ومن غيره أمور ثلاثة بالنسبة للتقنين والأحكام:
أول هذه الأمور:
أن الأئمة وهم الأوصياء استودعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسرار الشريعة، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما بينها كلها بل بين بعضها، فبين ما اقتضاه زمانه وترك للأوصياء أن يبينوا للناس ما تقتضيه الأزمنة من بعده، وذلك بأمانة أودعها إياهم.
وثانيها:
أن ما يقوله الأوصياء شرع إسلامي لأنه تتميم للرسالة فكلامهم في الدين شرع، وهو بمنزلة كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه من الوديعة التي أودعهم إياها، فعنه صدروا، وبما خصهم به نطقوا.
(1) أصل الشيعة وأصولها (ص29).
وثالث هذه الأمور:
أن للأئمة أن يخصصوا النصوص العامة، ويقيدوا النصوص المطلقة.
وإذا كان الإمام له هذه المنزلة بالنسبة للتقنين، فقد قرروا أنه يكون معصومًا عن الخطأ والنسيان والمعاصي، فهو طاهر مطهر لا تعلق به ريبة، وقد أجمع علَى ذلك الإمامية، وصرحت بذلك كتب الاثني عشرية.
ويقررون أن عصمته ظاهرة وباطنة، وأنها قبل أن يكون إمامًا، وبعد توليه الإمامة.
وإن الإمامية يجوزون أن تجري خوارق العادة علَى يد الإمام، لتثبت إمامته، ويسمون الخارق للعادة الذي علَى يديه معجزة، كما يسمَى الخارق الذي يجري علَى يدي أنبياء الله تعالَى معجزة.
ويقولون: إنه إذا لم يكن نص علَى إمامة الإمام من الأئمة وجب أن يكون إثبات الإمامة بالمعجزة.
والإمام عند الإمامية قد أحاط علمًا بكل شيء يتصل بالشريعة كما أشرنا، وبالحكم الذي عهد به إليه.
هذه إشارات موجزة إلَى منزلة الإمام عند الإمامية الاثني عشرية، ويظهر أن الإمامية جميعًا علَى رأيهم في هذا النظر، وليس الإمام
ومقاربته لمقام النبي عندهم موضع خلاف، فإنهم يصرحون تصريحًا قاطعًا بأن الوصي لا يفرقه عن النبي إلا شيء واحد، وهو أنه لا يوحَى إليه.
وإن القارئ لهذا الكلام الذي اشتمل علَى دعاوَى واسعة كبيرة لشخص الإمام لم يقم دليل علَى صحته والدليل قائم علَى بطلانه، لأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم أتم بيان الشريعة فقد قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة:3)، ولو كان قد أخفَى شيئًا فما بلّغ رسالة ربه وذلك مستحيل، ولأنه لا عصمة إلا للنبي، ولم يقم دليل علَى عصمة غير الأنبياء».