المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لازم له إلى الممات. ولما - اصبر واحتسب

[عبد الملك بن قاسم]

الفصل: كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لازم له إلى الممات. ولما

كانت هذه الأحوال لا تفارقه، فالصبر لازم له إلى الممات.

ولما كان الصبر مأموراً به، جعل الله -سبحانه- له أسباباً تعين عليه وتوصل إليه فمما يسلي المصاب: أن يوطن نفسه على أن كل مصيبةً تأتيه هي من عند الله وأنها بقضائه وقدره، وأنه سبحانه وتعالى لم يقدرها عليه ليهلكه بها، ولا ليعذبه، وإنما ابتلاه ليمتحن صبره ورضاه، وشكواه إليه وابتهاله ودعاءه، فإن وفق لذلك كان أمر الله قدراً مقدوراً، وإن حرم ذلك كان ذلك خسراناً مبيناً.

و‌

‌علاج المصائب

بأمور منها:

الأول: أن يعلم بأن الدنيا دار ابتلاء، والكرب لا يرجى منه راحة.

الثاني: أن يعلم أن المصيبة ثابتة.

الثالث: أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة.

الرابع: النظر في حال من ابتُلي بمثل هذا البلاء، فإن التأسي راحة عظيمة.

الخامس: النظر في حال من ابتُلي أكثر من هذا البلاء، فيهون عليه هذا.

السادس: رجاء الخلف إن كان من مضى يصح عنه الخلف كالولد والزوجة.

السابع: طلب الأجر بالصبر في فضائله وثواب الصابرين وسرورهم في صبرهم، فإن ترقى إلى مقام الرضا فهو الغاية.

ص: 16

الثامن: أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خيرٌ له.

التاسع: أن يعلم أن تشديد البلاء يخص الأخيار.

العاشر: أن يعلم أنه مملوك، وليس للمملوك في نفسه شيء.

الحادي عشر: أن هذا الواقع، وقع برضى المالك، فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد.

الثاني عشر: معاتبة النفس عند الجزع، أن هذا الأمر لا بد منه فما وجه الجزع مما لا بد منه؟

الثالث عشر: إنما هي ساعةٌ فكأن لم تكن (1).

أخي الحبيب:

متى ما أصابك مكروه في بدنك أو مالك أو حبيبك فاعلم أن الذي قدره حكيم عليم لا يفعل شيئاً عبثاً ولا يُقدر شيئاً سدى، وأنه تعالى رحيم قد تنوعت رحمته على عبده، يرحمه فيعطيه، ثم يرحمه فيوفقه للشكر، ويرحمه فيبتليه، ثم يرحمه فيوفقه للصبر، فرحمة الله متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها، ويرحمه أيضاً بأن يجعل ذلك البلاء مكفراً لذنوبه وآثامه ومنمياً لحسناته ورافعاً لدرجاته (2).

وهنا توجيه نبوي كريم بكتمان المصيبة وعدم التحدث بها قال صلى الله عليه وسلم: "من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة".

(1) تسلية أهل المصائب 29 باختصار.

(2)

الصبر وأثره ص 8.

ص: 17

وإذا كانت المصيبة مما يمكن كتمانها، فكتمانها من نعم الله عز وجل الخفية .. وهذا سر من أسرار الرضا وعدم التضجر والانزعاج.

قال الأحنف: لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة، ما ذكرتها لأحد (1).

ولما نزل في إحدى عيني عطاء الماء، مكث عشرين سنة لا يعلم به أهله (2).

رحمه الله لو رأى زماننا لعجب من كثرة الحديث في المصائب .. بل إن البعض حتى قبل أن تسأله عن صحته وحاله .. يبادر بالشكوى .. ويكثر التسخط .. يحدثك بما فيه من الأمراض .. وبما في أبنائه وأهله .. حتى ليخيل إليك أن هذا الإنسان ما مر به خيرٌ ونعمةٌ ورخاءٌ قط .. ووالله لو نظر بعين الرضا لرأى الخير في حياته يحف به من جميع الجوانب .. نعمٌ لا تحصى ولا تعد.

قال صلى الله عليه وسلم: "من كنوز البر كتمان المصائب، وما صبر من بث" وحين سأل يونس بن زيد ربيعة بن أبي عبد الرحمن: ما منتهى الصبر؟ قال أن يكون يوم تصيبه المصيبة مثله قبل أن تصيبه (3).

وقال بكر بن عبد الله المزني: كان يقال من الاستكانة الجلوس

(1) مختصر منهاج القاصدين 299.

(2)

تسلية أهل المصائب 226.

(3)

تسلية أهل المصائب 194.

ص: 18