الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
ما يظنه الناس طاعة وقربة
وهو بخلاف ذلك
وأم االقسم الثاني مما يظنه الناس طاعة وقربة، وهو بخلاف ذلك، أو تركه أفضل من فعله، وهو ما قد أمر به الشارع في صورة من الصور من زمان مخصوص، أو مكان معين؛ كالصوم بالنهار، والطواف بالكعبة، أو أمر به شخص دون شخص، كالذي اختص به النبي (في المباحات والتخفيفات، فبقيس الجاهل نفسه عليه، فيفعله وهو منهي عن فعله، أو يقيس الصور بعضها على بعض بسبب الحرص على الإكثار من إيقاع العبادات والقرب والطاعات، فيحملهم الحرص على فعلها في أوقات وأماكن نهاهم الشرع في اتخاذ تلك الطاعات فيها. ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه. ويورطهم الجهل وتزيين الشياطين بأن يقولوا هذه طاعات وقرب، قد ثبت في غير هذه الأوقات فعلها، نحن نفعلها أبداً، فإن الله لا يعاقبنا على فعل الطاعة إذا ما فعلناها.
الصلاة في الأوقات المكروهة
وذلك مثل الصلاة في الأوقات المكروهة، وهي بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد طلوعها حتى ترتفع قدر رمح، وعند استوائها حتى تزول، وبعد العصر حتى تغرب الشمس.
صوم الأيام المكروهة
وكصومهم في الأيام المنهي عنها كالعيدين، وأيام التشريق، وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص النبي (. وقد اشتد نكيره على من فعل ذلك.
الرد على من فعل هذا
فهؤلاء وأمثالهم متقربون إلى الله بما لم يشرعه الله، بل نهى عنه. وإذا قيل لهؤلاء:(لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
وما أحسن ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله: ليس لمن ألهم شيئاً من الخيرات أن يعمل به حتى يسمعه من الأثر، فإذا سمعه من الأثر عمل به، وحمد الله تعالى حين وافق ما في قلبه.
وقال أيضاً: ربما وقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياماً، ولا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة.
وقال أبو حامد الغزالي رحمه الله: من توجب عليه رد وديعة في ذمته، فقام فتحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى، عصى ربه.
فلا يكفي كون جنس فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت، والشرط، والترتيب.
واغتر بعض الجاهلين بقوله تعالى: (واسجد واقترب) ، وظنّ أن هذا يقتضي العموم في جميع الأوقات، واعتضد بقوله:(أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى) وغفل عن أن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه، وهو المشروع. والإنكار في الآية وقع على من نهي عن الصلاة المأذون فيها، وهي المشروعة، فتلك التي لا ينبغي لأحد أن ينهى عنها. أما إذا صلى صلاة قد علمنا نهي الشارع عنها، فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها، بدليل الحديث الثابت في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي (نهى عن الصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: " ثلاث ساعات كان رسول الله (ينهى أن نصلي أو نقبر فيهم موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف للغروب حتى تغرب " أخرجه مسلم.
وعن ابن عمر: أنه رأى رجلاً يصلي بعد الجمعة في مقامه ركعتين، فدفعه.
وفي رواية: أنه أبصر رجلاً يصلي الركعتين والمؤذن يقيم الصلاة فدفعه، وقال: تصلي الصبح أربعاً؟!! أخرجه البيهقي في السنن.
وقد جاء هذا اللفظ في الصحيح مرفوعاً من حديث عبد الله بن مالك بن عيينة.
وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه: أن النبي (نهى عن التنفل بعد الفجر سوى ركعتي الفجر.
قال يسار مولى ابن عمر: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد الفجر وأسلم من ركعتين، فقال: إن رسول الله (خرج علينا ونح نصلي كما تصلي فقال: " ليبلغ الشاهد منكم الغائب، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين " يعني سنة الفجر لا غير.
وعن ابن عمر أيضاً: أن رسول الله (نهى عن الوصال، فقالوا إنك تفعله! فقال:" إني لست كأحدكم إني يطعمني ربي ويسقيني " وعن أبي هريرة نحوه. متفق عليه.
وعن كعب بن مالك: أن رسول الله (بعثه وأوس بن الحارث في أيام التشريق، فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب. رواه مسلم، ورواه الإمام أحمد بنحوه عن سعد بن أبي وقاص.
وروى الدارقطني عن أنس أن النبي (نهى عن صوم خمسة أيام في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق. ونهى (أيضاً عن استقبال رمضان باليوم أو اليومين، وعن إفراد الجمعة بالصيام وليلتها بالقيام، وعن إفراده يوم السبت بالصوم، وكذا صيام أعياد الكفار على سبيل التعظيم ما لم يوافق عادة له.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله) : " لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون صوماً يصومه أحدكم " رواه مسلم.
وعن عبد الله بن بشير عن أخته واسمها الصماء: أن رسول الله (قال: " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغه ". رواه أبو داود والترمذي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله) : " لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه ". متفق عليه.
أفيجوز لمسلم أن يسمع هذه الأحاديث، ثم يقول إن النبي (نهى الناس عن الصلاة والصوم من حيث هو صلاة أو صوم؟ وقائل هذا جاهل محرف لكتاب الله وسنة رسوله (، فيدل كلامه على أنه مارق في الدين، قد سلبه الله لذة فهم مراده من وحيه، وإن كان هذا من أوضح المواضع، فكيف بما يدق معانيه؟ فكل من رد على الناهي عن ذلك، فإنه يتضمن الرد على رسول الله (، فإنه هو الذي نهى عنه، وأمرنا بإنكار المنكر، والله حسيب من افترى.